صراع السيطرة على القرن الأفريقي: التنافس بين مصر وإثيوبيا

Photo of author

By العربية الآن



القرن الأفريقي في قلب صراع النفوذ بين مصر وإثيوبيا

الرئيس الإثيوبي آبي احمد والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (يمين) و رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد (العربية الآن)

اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة في مارس 2020، رغم إمكانية أن يمر كغيره من الاجتماعات الروتينية، كشف عن توازنات جديدة في القوى في القرن الأفريقي من خلال تصويت رئيسي.

في ذلك الاجتماع، اعترضت الصومال على مشروع قرار مصري يتعلق بسد النهضة الإثيوبي الذي يؤكد حقوق مصر التاريخية في مياه النيل. وتكررت هذه الملاحظات من قبل مقديشو وجيبوتي في يونيو من نفس العام.

هذا التحول إلي فوز إثيوبي في تعزيز علاقاتها بحلفاء مصر في شرق أفريقيا يدل على تطور السياسة الخارجية لأديس أبابا وقدرتها على بناء شبكة من المصالح مع جيرانها، في وقت انتقد فيه الكاتب المصري فهمي هويدي غياب مصر عن القارة الأفريقية.

وفحص العلاقات التاريخية بين إثيوبيا والصومال يظهر العمق والتهديد المتبادل بينهما، حيث وصف دبلوماسي صومالي سابق العلاقات بأنها “تهديد وجودي” لكلا الطرفين. ومع ذلك، لم تقاطع مقديشو القاهرة عقب اتفاقية كامب ديفيد، بل تعاونت في حروب سابقة.

السبيل نحو القمة الإقليمية

يعتقد الخبير الإثيوبي مدهني تادسي أن نفوذ أديس أبابا المتزايد منذ التسعينيات يعتمد على مجموعة من العوامل الداخلية والإقليمية والدولية. تبلور لدى القيادة الإثيوبية رؤية لتعزيز موقعها اقتصادياً من خلال تحقيق استقرار سياسي.

هذا الاستقرار مكّن إثيوبيا من تنفيذ تحولات كبيرة في الاقتصاد، حيث شهدت بمعدلات نمو تصل إلى 10% في بعض السنوات، مستفيدة من استثمارات ضخمة في المشاريع والبنية التحتية.

كما جهزت إثيوبيا قواتها المسلحة لتصبح واحدة من أكبر الجيوش في أفريقيا، مما أتاح لها الشراكة الاستراتيجية مع القوى الغربية لمكافحة الإرهاب، مؤكدة دورها كشرطة للمنطقة.

إثيوبيا في الصومال

استفادت إثيوبيا في وضعها الإقليمي الجديد من عدم الاستقرار في الصومال وضعف إريتريا نتيجة العقوبات الدولية، مما ساعدها في تشكيل شبكة من العلاقات الإيجابية في المنطقة.

مثلّت القوات الإثيوبية تبعاً لذلك جزءاً رئيسياً من قوات حفظ السلام في الصومال، حيث تعتبر مقديشو بحاجة ملحة للدعم الإثيوبي في محاربة حركة الشباب.

عمدت أديس أبابا إلى بناء علاقات أقوى مع الأقاليم الفيدرالية الصومالية، مما سهّل من دورها كوسيط بين الحكومة الفيدرالية ومقديشو، مما يزيد من نفوذها في الصومال.

خريطة لأثيوبيا وتظهر دولة مصر وجيبوتي وإريتريا والصومال

جيبوتي رئة إثيوبيا البحرية

مثلت جيبوتي منفذاً مهماً لإثيوبيا بعد الحرب مع إريتريا، حيث تحولت إلى مركز لحركة التجارة للسلع الإثيوبية وتقدر أرباح جيبوتي من هذه الشراكة بمليار دولار سنويًا.

شهدت العلاقات توطيداً ملحوظاً من خلال إنشاء مشاريع تأهيل البنية التحتية مثل شبكة السكك الحديدية التي تربط بين دوراليه وأديس أبابا، فضلاً عن مشروع ربط كهربائي لتحسين توفير الكهرباء في جيبوتي.

وفي سياق ذلك، تم توقيع اتفاقية لمد خط أنابيب لتصدير الغاز الطبيعي بمبلغ 4 مليارات دولار، مما يعزز التعاون بين البلدين.

من ذروة المد إلى الانحسار

شهدت الساحة الإقليمية تحولات كبيرة مع تشكيل تحالف ثلاثي بين إثيوبيا وإريتريا والصومال، مما أشار إلى مرحلة جديدة من التعاون الاقتصادي والسياسي في المنطقة تحت قيادة إثيوبيا.

لقد ساعد هذا التحالف في استقرار وضع إثيوبيا الاستراتيجي، لكن سرعان ما توترت العلاقات بعد تطورات حرب تيغراي والاتفاقات التي أعقبتها، مما أثر على الاتفاقات السابقة.

وباتت المخاوف تتزايد مع توقيع اتفاقيات جديدة من قبل إثيوبيا في إقليم أرض الصومال، مما رأته مقديشو تدخلاً في سيادتها، محذرة من تداعيات ذلك على العلاقات المستقبلية.

العودة المصرية

عادت الدبلوماسية المصرية للمنطقة بشكل ملحوظ بعد زيارة قامت بها عاصمة جيبوتي في مايو 2021، حيث اعتبرت هذه الزيارة تعبيراً عن اهتمام مصر العميق بالشأن الأفريقي.

يرى بعض المراقبين أن التوترات الحالية تخلق فرصاً جديدة للوجود المصري، في حين قد يرفض آخرون هذا التحليل ويرون أن الدافع الرئيسي هو فشل مصر في التوصل إلى اتفاق مع إثيوبيا حول ملف سد النهضة.

ومع استمرار التحديات الأمنية في المنطقة، تدرك القاهرة أهمية التعامل مع هذه الأوضاع، خصوصاً بالنظر إلى proximity بعض الدول للباب المندب، مما يؤثر على حركة التجارة البحرية.

أدوات مصرية

تسعى مصر لاستغلال الظروف الحالية من خلال تعزيز علاقاتها بجيران إثيوبيا. وفي هذا الإطار، جرت زيارات لمستويات رفيعة ومشاريع جديدة في منطقة القرن الأفريقي، بما في ذلك افتتاح سفارات وعلاقات مباشرة مع دول المنطقة.

أكّد مختصون على إمكانية قيام تحالفات جديدة تحت قيادة مصر بين دول الجوار الإثيوبي، واعتمدت القاهرة في ذلك على الشراكات العسكرية والأمنية التي اُعلنت عنها مع الصومال.

وستظل فعالية هذه الاستراتيجيات المصرية مرتبطة بمدى قدرتها على جذب المساحات الفارغة من النفوذ الإثيوبي، وتعاونها مع قوى أخرى تتواجد في القرن الأفريقي، وهو ما ستثبته الأيام القادمة.

المصدر : العربية الآن



رابط المصدر

أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.