طبيب غزي يستخدم الوسائط الرقمية لرفع الوعي بالقضية الفلسطينية في الصين
بكين – لم يتوقع الطبيب الفلسطيني محمد وليد يونس، المقيم في الصين، أن يحظى حسابه الشخصي على منصات التواصل الاجتماعي بقدر كبير من الاهتمام الإعلامي والشعبي. حيث أصبح مصدر الأخبار الأهم لملايين الصينيين حول القضية الفلسطينية، مقدماً الرواية الفلسطينية عن الأحداث التي تشهدها غزة.
وفي حديثه مع الجزيرة نت، أوضح يونس أنه بدأ بمشاركته على منصات التواصل الاجتماعي بعد اندلاع الحرب على شعبه في غزة. وقال: “بدأت أنشر عن معاناة الشعب الفلسطيني، لنقل الصورة الصحيحة عما يحدث، بعيدا عن الروايات التي تنشرها بعض وسائل الإعلام الغربية”.
تجدر الإشارة إلى أن منصات التواصل الاجتماعي في الصين تختلف عن تلك المستخدمة في دول العالم الأخرى. فبدلاً من تطبيقات مثل واتساب وفيسبوك، تستخدم الصين أنظمة تكنولوجية خاصة بها، ويحتاج الوصول إليها إلى تفعيل تطبيقات VPN، وهو أمر لا يعيره الكثيرون انتباهاً.
نقل السردية الفلسطينية
لا يتوفر للشعب الصيني حصر شامل لما يظهر في وسائل التواصل والمواقع الإخبارية العالمية. ومن خلال استعراض المواقع المحلية، يتضح غياب الجهات الفلسطينية أو العربية الرسمية المختصة بنقل “السردية الفلسطينية” عبر حسابات نشطة على وسائل التواصل الصينية.
يعتبر الحساب الشخصي للطبيب يونس الأنشط في وسائل التواصل الصينية للتعريف بقضية فلسطين. فقد عاش يونس في الصين لمدة 11 عامًا، أنهى خلالها دراسته للغة الصينية والطب، ثم عاد لفترة إلى غزة. وقبل شهر من اندلاع النزاع الحالي، تمكن من مغادرة القطاع الفلسطيني إلى الصين لمتابعة دراساته العليا في مدينة شيآن.
قال يونس: “أنشأت حسابي على منصة ويبو (المماثلة لإكس)، وقمت بنشر المحتوى باللغة الصينية. في البداية، واجهت بعض الصعوبات، لكن مع مرور الوقت بدأ عدد المتابعين في التزايد، حتى تجاوز عدد زيارات حسابي 30 مليونًا شهريًا، كما أستقبل آلاف الرسائل يوميًا”.
في المقابل، تواجد عدد من الحسابات الإسرائيلية الرسمية والنشطة التي تقدم “رواية إسرائيل” باللغة الصينية، حيث سعت منذ بداية النزاع لتشكيل رأي عام مؤيد للإسرائيليين. كما يشير يونس إلى محاولات لهدم أي حساب يحمل الرواية الفلسطينية، مع تزايد نشر السردية الغربية التي تترجم وتتفاعل معها بعض فئات الجمهور الصيني.
تغيير وعي الصينيين
لقد أسهمت جهود يونس في تغيير وعي العديد من الصينيين حول القضية الفلسطينية. حيث استخدم العديد منهم حساباته كأداة لفهم الوضع القائم بشكل أوضح.
تحولات الوعي حول القضية الفلسطينية في الصين
يتحدث محمد يونس، رئيس الاتحاد العام لطلبة فلسطين في الصين، عن تغير الوعي لدى الشعب الصيني بشأن القضية الفلسطينية، مشيراً إلى أن الكثيرين لم يكونوا يعرفون عن فلسطين سوى اسمها حتى قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. وأرجع ذلك إلى ظروف الحياة في شمال شرق آسيا وقلة ارتباط الناس بوسائل التواصل الاجتماعي، مما جعلهم في حالة من العزلة عن الأحداث العالمية.
لكن الأمور تغيرت بشكل جذري بعد هذا التاريخ، حيث كثفت إسرائيل جهودها للتأثير على الرأي العام الصيني من خلال تصوير نفسها كضحية ووصف الفلسطينيين بالإرهابيين. ومن هنا، بدأت جهود يونس في دحض هذه الرواية الإسرائيلية عبر توعية الصينيين بالتاريخ الصحيح لما يجري في فلسطين، مما شكل مفاجأة للكثيرين عندما اكتشفوا معاناة الشعب الفلسطيني التي تمتد لعقود.
يؤكد يونس أنه، بعد تقديم هذا المحتوى باللغة الصينية، بدأ يتلقى رسائل دعم كثيرة، خاصةً أن حسابه هو الوحيد لفلسطيني يتحدث عن فلسطين وغزة. هذا أتاح للصينيين فرصة للتعرف على القضية الفلسطينية من منظور مختلف، مقارنة بما تقدمه القنوات الإخبارية التي تتناول الأحداث بشكل عام.
ربط الأحداث التاريخية
أوضح الدكتور يونس أنه لم يكتفِ بنقل الأخبار اليومية، بل طرح أفكارًا ومناقشات حول أحداث تاريخية مرتبطة بتاريخ الشعب الصيني الذي عانى من الاستعمار الياباني لنحو 14 عامًا. هذا الربط ساعده في الوصول إلى شريحة أكبر من الشباب الصيني، الذين بدأوا يتفاعلون مع القضية الفلسطينية بشكل إيجابي، بل وبدأ كثيرون منهم بنشر المعلومات عن فلسطين والانخراط في فعاليات لدعمها.
في فبراير/شباط الماضي، خلال مؤتمر دولي حول الصحة العامة، قام يونس بنشر مقال بعنوان “حواري مع بروفيسورة إسرائيلية في الصين” بعد حوار حاد مع امرأة إسرائيلية. وأفاد بأن المقال حقق انتشاراً واسعاً وصل إلى نحو 500,000 قراءة، مما ساهم في رفع الوعي العام حول القضية الفلسطينية وفتح النقاش حولها.
تلقى يونس العديد من الاتصالات لإجراء مقابلات والتحدث عن القضية الفلسطينية من 13 وسيلة إعلامية صينية، بينما تجاوزت مقاطع الفيديو التي نشرها 18 مليون مشاهدة.
من التعاطف إلى الإغاثة
بالإضافة إلى الأنشطة الإعلامية، ينظم الاتحاد العام لطلبة فلسطين حملات توعية تشمل إنتاج مقاطع فيديو والمشاركة في الفعاليات الثقافية في مختلف المدن الصينية. يُظهر الدعم المتزايد من شرائح مختلفة من المجتمع الصيني تجاه القضية الفلسطينية أنها “إنسانية”، حيث باتت عبارة “من البحر إلى النهر.. فلسطين ستكون حرة” الأكثر شيوعاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي الصينية حسب يونس.
أطلق الاتحاد أكثر من 70 حملة “أغيثوا غزة”، بالتعاون مع مبادرات من مواطنين صينيين، لدعم أهالي غزة من خلال تقديم مساعدات متنوعة تشمل الغذاء والمياه والتعليم. يعكس هذا الدعم المتزايد وعي الصينيين المتزايد بالقضية الفلسطينية، التي لم تعد غامضة بالنسبة لهم بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول.