كتب المهندس المصري محمد عبد السلام فرج هذا الكتاب الملتهب المعنون بـ«الفريضة الغائبة» عام 1980 قبل اغتيال السادات بسنتين، وهي الواقعة الكبرى التي أدين فيها مؤلف هذا الكتاب، هو وقادة تنظيمه المسلح «الجهاد» وأعدم مع خالد الإسلامبولي والبقية.
هذا الكتاب من أهمّ مراجع وأدبيات الجماعات الأصولية الانقلابية التكفيرية المسلحة. قطع خطوات أبعد، وطرح خططاً أفصح، واستخدم لغة دينية أفسح، من سابقه، وهو كتيب سيد قطب الشهير «معالم في الطريق» الذي سبق في هذه السلسلة «عبير الكتب» تناوله.
استند فرج في إحالاته التراثية إلى كتب وعلماء من القرنين السابع والثامن الهجريين، وتلك عصور الصدام بين بلاد الشام والعراق ومصر مع التتار من جهة، والفرنجة الصليبية من جهة.
الكتاب مركز وخطير في كبسولاته وقطعياته وخلاصاته، وفي الوقت نفسه في غاية السطحية والخفة والشعاراتية والعاطفية والتناول الساذج للتاريخ… تاريخ شعوب وإمارات بلاد الشام ومصر والعراق وتركيا. غير أن هذا المزيج المتفجر من الجزم والسطحية والعاطفية، هو ما يصنع خطورة الكتاب لدى جمهوره من شباب وفتية بضاعتهم مزجاة من العلم القديم والحديث، أو من: العقل والنقل.
ذهب كتاب «الفريضة الغائبة»، إلى أن القتال هو المواجهة والدم، وأن الجهاد «فرض عين» لا يجوز تعطيله أو تأجيله تحت أي اسم، لأن ديار المسلمين أصبحت الآن ديار كفر وجب قتال أهلها، وأن قتالهم أولى من قتال العدو البعيد.
معنى هذه «الكبسولة» المتفجرة عملياً، هو جَعْل إجراء دنيوي سياسي طبيعي، وهو القتال إذا احتاج الأمر لذلك، فريضة دينية مثلها مثل الصلاة أو أعظم، أي تأبيد وتخليد العسكرة والقتال وما ينتج عنهما، بالعادة، من مضار على البشر والحجر! زعم فرج في كراسته تلك أن المسلمين أجمعوا على فرضية إقامة الخلافة الإسلامية، وأن إعلان الخلافة يعتمد على وجود النواة؛ وهي الدولة الإسلامية.
هذا التصوير لوجود خلافة مقدسة لم تنقطع قوتها ولم يخفت صوتها ولم يبهت صولجانها، ولم ينحسر ظلها عن كامل الأرض، أرض المسلمين، عبر 1500 عام هجري … هذا التصوير الذي يعتمده فرج في كتابه، تصوير من هو جاهل بتفاصيل التاريخ الإسلامي وحرفياته وحولياته. بسبب هذا الجهل الساطع، استخلص فرج أن واجب إقامة الدولة الإسلامية، وإعادة الخلافة، هو «إجماع علماء المسلمين».
حتى لو سلمنا، من باب توفير طاقة الحكي، فأي خلافة معتمدة عند فرج، بعيداً عن خلافة الشيخين أبي بكر وعمر، لأنه حتى في عصر الصحابة ما استطاعوا استعادتها، أنحن أقدر منهم؟!
إذن يا فرج، خلافة الأمويين أم العباسيين الذين ثاروا عليهم وقتلوهم شر قتلة، أم خلافة الأمويين، ثانية، في الأندلس، أم خلافة العباسيين الصورية تارة تحت ولاية «البويهي» الشيعي الديلمي، وتارة تحت ولاية «السلجوقي» السني التركي؟!
أم هي الخلافة الكرتونية التي صنعها المماليك مع بقايا أسرة العباسيين المجلوبة لمصر بعد تدمير المغول لها بالعراق؟!
أم هي خلافة العثمانيين التي لم يدعوها صراحة وباستمرار إلا مع عبد الحميد الثاني في غروب عصر العثمانيين، لأسباب سياسية مصلحية معلومة لذوي النهي والاطلاع؟!
نعم هو كتاب سطحي، لكنه خطير في مطلع الثمانينات… وخطير في 2025، نعم ثمة نقد تعرض له كراس فرج هذا، من أهمّها كتاب شيخ الأزهر الراحل الشيخ جاد الحق تحت عنوان «نقض الفريضة الغائبة». لكنه، رغم قيمة منصب كاتبه، لم يخرج عن «جادة» الردود التقليدية المجربة، غير الجذرية في هدمها لبنيان المخالف… من الأسس التي قامت عليها العمارة!
رابط المصدر