غرور هو ذكاء أم ضعف؟ دراسة حديثة تكشف الفروقات بين الجنسَين
وتَبينت تلك الملامح بشكل واضح في يونيو/حزيران الفائت، عندما كشف بحث بريطاني جديد أُجريَ بواسطة باحثين من جامعة سيتي، وجامعة لندن، وجامعة ساوث هامبتون، عن عدم صحة الاعتقاد السائد بأن الرجال يُظهرون غرورًا أكثر من النساء بنسبة 75%.
غرور خبيث
إن الشخصيَّة الغَرَوِيَّة تَعاني اضطرابًا في احتِرام ذاتِها، وعادة ما تَكون الشَخصيَّة الأقَلّ ثِقة بِنفْسِها، لِذا تُدافِع عن نَفْسِها بِرَسْم صورة وهميّة عن ذَاتِها الْمُتَضْخَمَة، مُرْتَكِزة على 4 أَعْمِدَة حَدَّدَتْها راماني دورفاسولا، أُستاذة عِلْم النَّفْس في جامِعة كاليفورنيا، في حَوارِها مع مَجَلَّة جمعية عِلْم النَّفْس الأميركية: الافْتِقار إلى التَعاطُف مَع مَشاعِر الآخَرين، والتَباهي المُتَعَمَّد، وإبْهار الآخَرين لِنيل إعْجابَهُم، وتَوَقُّع تَلقِي مَعاملة خاصة لا تَسْتَحِقَّهَا.
تَفرض الشَخصيَّة النرجسية رُؤْيَتَها بالاستِغْلال والابْتِزَاز والغَطَرَسة وتَنْشَغِل بِأُوهام النَجاح والقُوَّة والهِيمَنة، وتَعْتَقِد أنّ الآخَرين يَحْسدُونها مثلما تُحْسَدهُم، لَكِن أدى التَمْثيل المُفَرْط للذَكور في الدراسات البحثية إلى الاعتِمَاد على الأُسالِيب الذَكورية للنرجسية في تَشْخيص اضطراب النرجسية، فهُم أَكثَر مِيلًا لاستِغْلال قُوَّتِهم البَدَنِيَّة والمالِيّة والمُهَنِيَّة لِفَرْض سُلْطَتِهِم، تِلك القُوَى التي لا تَتَوَفر لِعامة النِساء، مَع ذَلِك لا يَعْني عَدَم استِغْلالهُنّ طُرُق أُخْرى لِفَرْض شَخْصِيَّتِهُنّ النرجسية.
أظْهَر الكَشْف البريطاني الأخير عَن اخْتِلافات عَدّة بَين الجِنْسَين في السِمات النرجسية وأثَرها على العَلاقَة الزَواجِيّة، فيُسْتَند الرَجُل النرجسي إلى جُرُوءِه وقُوته الظاهِرِيّة، بَيْنَما تُسْتَند المَرأة النرجسية إلى ضَعْفها وحُساسِيّتِها، وفي حين يَلْجأ الرَجُل النرجسي إلى العُنف الجَسَدِيّ والمالِيّ، تَلْجأ المَرأة النرجسية إلى العُنف النَفْسي والجِنْسي.
أضَمّت الدِراسة 176 امْرَأة و152 رَجُلا، وقَسَم الباحِثون السِمات النرجسية وفق الجِنْس إلى سِمات عَلْنِيّة (ذَكوريّة) وسِمات خَفِيّة (أنثويّة)، أو ما اصْطَلَحَ عليه سَابِقًا بالنرجسية القُوَيّة والنرجسية الهِشّة.
لَاحَظَ الباحِثُون غُلَبة السِمات النرجسية القُوَيّة بَيْن الرَجال، فِي حَين تَفوقَت النِساء عَلى الرَجال في السِمات النرجسية الهِشّة. وفي حين يَتَسم النرجسي التَقَليدي بالفَخْر والثِقَة الزائدة بالنفْس، يَتَسم النرجسي الهِش بالخَجل والقَلَق الاجْتِماعي والانْطوائية.
أَظْهَرفحص سمات الشخصية النرجسية يكشف عن استناد النساء إلى التنمر الكلامي والبدني وأساليب غير مباشرة لتقليل من محيطهن، إذ تتزايد حساسية النرجسيات عند تعرضهن للانتقاد، فيلجأن للدفاع بأسلوب “قلب الطاولة” ولعب دور الضحية وتقديم أنفسهن كأمهات متضحيات لاكتساب التعاطف والثقة والتأثير على الآخرين، بخلاف النرجسي القوي الذي قد يتبعس الاستهزاء أو العنف الجسدي.
سمات نرجسية استثنائية
يرصد تقرير من “كليفلاند كلينك” أساليب الشخصية النرجسية الهشة، حيث تجد هذه الشخصية راحتها في منصات التواصل الاجتماعي لتفريغ قلقها الاجتماعي ورغبتها في جذب حب الناس دون كشف ذاتها الحقيقية، مستخدمة لذلك جمعا من المعجبين والمتابعين للصورة التي بنتها عن نفسها.
تُحاول الشخصية النرجسية القوية التحدث بإيجابية عن نفسها، على عكس النرجسية الهشة التي تلجأ إلى سلبية حديثها عن نفسها، وتستخدمه كوسيلة لجذب تعاطف الآخرين وتشجيعهم -بطريقة غير مباشرة- على تقديم المديح والثناء الذي يروي ظمأها المستمر إلى الثناء.
تتجه الشخصية النرجسية الهشة نحو جذب الانتباه بأساليب ملتوية مثل تفضيل أمور الآخرين على حساب النفس، ليس بغرض التعاطف، بل لأن دافعها لعمل الخير ينبع من رغبة في استقطاب الاهتمام والامتنان وتعزيز علاقاتها مع أشخاص مؤثرين قد يستمتعون بعطفها.
سواء النرجسي القوي أم الهش، يستخدم كل منهما الزواج لحماية ذاته المتضخمة، حيث يختار كلاهما شريك يتمتع بنجاح أو ثراء أو جاذبية أو شهرة. النرجسي القوي يستخدم زواجه كوسيلة لتطمئن إلى شعوره بالاستحقاق، ثم يتحول انبهاره بالشريك إلى تقليل من قيمته، فيما يستخدم النرجسي الهش زواجه لتغطية شعوره بالنقص، لذا يُعاني النوع الثاني في علاقاته العاطفية، بسبب شعوره المستمر بعدم جدارته بالاحترام والاهتمام.
كشفت دراسة لكلية ليكينغ بنسلفانيا عن العلاقة المعقدة بين النرجسية والعنف في العلاقات الجادة بين طلاب الجامعات، حيث أظهرت النتائج أن شعور النساء النرجسيات بعدم الاحترام الواعي والدونية الواعية يحثهن على تفسير تعليقات الآخرين بشكل شخصي، ويُبالغن في تقدير الأذى الذي يلحق بهن من الآخرين، بينما يقللن من أضرار إكراه شركائهن لتحقيق مرغوبياتهن، دون اللجوء إلى استخدام العنف الجسدي.
وعلى الرغم من ذلك، يتشابه الرجال والنساء النرجسيون في سمة واحدة، كما أثبتت تجربة باحثي كلية علم النفس في جامعة وارسو، فكلا الجنسين يبالغان في تقدير ذكاء نفسيتهم، عندما شاهدهم الباحثون يقيمون نتيجة اختبارات الذكاء الخاصة بهم.
النساء النرجسيات لا تظهر السمات الشخصية القوية بسبب مخاوفهن من التشبث بالصفات الذكورية في المجتمع. يخشين تبعات ظهورهن بمظهر غير أنثوي واستفزاز ردود فعل عدوانية بسبب نقص القوة المالية أو السلطة لديهن.
في دراسة حديثة, ربط الباحثون البريطانيون بين الأمومة القاسية وظهور فتيات نرجسيات، يسعين للحصول على الحب والاحترام عن طريق السيطرة، بالإضافة إلى توريث الإساءة من الطفولة إلى أبنائهن مستقبلاً.
ليس فقط تكمن خطورة النرجسية الهشة في صعوبة كشفها وتوريثها للطفولة البائسة، بل اكتشف باحثو جامعة نابولي صلة إيجابية بين النرجسية الهشة والقلق الاجتماعي والحياء من الجسم ومشاعر العار والخَجل بين النساء.