مفارقة حديقة الحيوان: لماذا لم نجد حياة عاقلة في الكون حتى الآن؟
عند طرح هذا السؤال، انفجر الحضور ضاحكين، لكن مع تطويره لفكرته أضفى فيرمي عمقًا على النقاش، مما أدى إلى ظهور ما عُرف لاحقًا بمفارقة فيرمي.
رابط المصدر
مفارقة بلا إجابة
تنص المفارقة على أننا نعيش في كون عمره حوالي 13.8 مليار سنة وقد يحتوي على تريليونات المجرات، كل منها تحتوي على مئات المليارات من النجوم. بعد عقود من البحث، يعتقد العلماء أيضًا بوجود عدد مماثل من الكواكب في النظام الشمسي، بعض هذه الكواكب قد تكون مشابهة لكوكب الأرض.
في هذا الكون، يمكن لحضارة بتكنولوجيا متوسطة أن تصل إلى أطراف مجرتها خلال 10 ملايين سنة. لنفترض أن هناك كوكبًا قريبًا يسمى “كريبتون”، الذي تشكل منذ 6.5 مليار سنة ضوئية، بينما تكونت الأرض قبل 4.5 مليار سنة. وبالتالي، كريبتون قد يكون متقدمًا علينا بملياري سنة.
لكن متى بدأ الإنسان في الكتابة؟ منذ حوالي 5-7 آلاف سنة. وقد شهد التقدم الصناعي في آخر 200 سنة تحولات كبيرة. في غضون 20 عامًا فقط، أصبح هناك 6 مليارات شخص يستخدمون الهواتف المحمولة. إن هذا التطور السريع يجعل من الممكن تصور ما قد يحدث لحضارة عاقلة إذا استمر بنفس الوتيرة.
أظهرت دراسة مشهورة نشرت في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي أن أي حضارة عاقلة يمكن أن تتمكن من بث أو استقبال إشارات راديوية بسهولة، وهذا يتطلب ببساطة بعض المعرفة بعلم الفلك الراديوي.
كما اقترح الفيزيائي البريطاني فريمان دايسون تكوين كرة ضخمة لتجميع الطاقة من النجم، مما يجعله نموذجًا مثيرًا للاهتمام لقوة الحضارات المتقدمة.
فرضية حديقة الحيوان
إذا كان التقدم التكنولوجي ممكنًا وسريعًا، لماذا إذن لم نجد أي كائنات فضائية؟ أحد الاقتراحات المطروحة في الخمسين عامًا الماضية هو “فرضية حديقة الحيوان”. هذه الفرضية تقترح أن الحضارات المتطورة قد تراقبنا من بعيد، مثلما يراقب الزوار حيوانات حديقة الحيوان، مما يعكس عدم رغبتهم في التدخل أو الاتصال بِنَا بشكل مباشر.
تتحدث فرضية حديقة الحيوان عن إمكانية وجود حياة خارج كوكب الأرض قد تختار الامتناع عن الاتصال بالبشر. يعود السبب في ذلك إلى الرغبة في السماح للبشرية بتطورها الطبيعي وتجنب أي تلوث حضاري أو ثقافي، على غرار الطريقة التي يراقب بها العلماء الحيوانات في حدائق الحيوانات.
أمثلة من السلوك البشري
يمكن أن نجد نمطاً مشابهاً في سلوك البشر، حيث تتجنب العديد من الدول التدخل في شؤون “الشعوب الأصلية”. يهدف هذا الامتناع إلى عدم التأثير على تطور تلك الشعوب العادي، حيث يمكن أن يتسبب التدخل في صدمة ثقافية تؤدي إلى مشاكل داخل مجتمعاتهم. تخيل، على سبيل المثال، لو استطعنا السفر عبر الزمن وإرسال هاتف ذكي إلى مجموعة من جامعي الثمار قبل 10 آلاف سنة، كيف سيكون تأثير ذلك عليهم؟
معايير الاتصال الخارجي
قد تقرر الكائنات الفضائية السماح بالاتصال عندما تصل البشرية إلى مستويات تكنولوجية أو سياسية أو أخلاقية معينة. أو قد تفضل عدم الاتصال حتى يطلبه البشر بأنفسهم، كمثال على ذلك من خلال إرسال مركبة فضائية إلى كوكب مأهول بكائنات فضائية.
خلال ذلك، قد يشير الإحجام عن بدء الاتصال إلى فكر معقول لتقليل المخاطر. فقد تستنتج المجتمعات الفضائية المتقدمة أن الاتصال المباشر بجيران أقل تقدماً قد يحمل مخاطر إضافية دون فوائد تذكر. كما أن السفر بين النجوم يمثل تحدياً كبيراً بسبب التكلفة الباهظة، حتى بالنسبة للحضارات المتقدمة.
أسس فرضية حديقة الحيوان
تقوم فرضية حديقة الحيوان على عدة بنود رئيسية:
1. كلما كانت الظروف مهيأة، ستنشأ الحياة.
2. هناك أماكن عديدة تُحتمل أن تعيش فيها الحياة وتفاني كبير في الثقافات الفضائية.
3. تحترم الكائنات الفضائية النمو المستقل والتطور.
ومع ذلك، لا يوجد حتى الآن تأكيد علمي على صحة هذه القضايا. ويرجع ذلك إلى أن نشأة وازدهار الحياة في كواكب بعيدة يُعتبر أمرًا نادرًا بشكل كبير، نظراً للعدد الهائل من العوامل التي تحتاج للتوافق لتحقيق استمرار الحياة.
التواصل بين الحضارات الفضائية
ستظل هذه الفرضيات في إطار التخمينات الفكرية ما لم يكن هناك معايير ثقافية أو قانونية عالمية متفق عليها بين الحضارات الفضائية تتطلب العزلة تجاه حضارات تقع في مراحل مشابهة لتلك المعتمدة على الأرض. في عالم بلا سلطة مركزية، قد تتواصل الحضارات بشكل فوضوي وفقاً لمبادئها المستقلة.
في النهاية، تبقى تلك التخمينات فكرية، والحقيقة الوحيدة التي نعيشها حتى الآن هي عدم وجود أي دليل على تواصل مع كائنات فضائية ذكية، كما لم يتمكن البشر من رصد أي دليل على وجود حياة خارج كوكب الأرض.