فشل المغرب في محاربة الأمية بعد 60 عاماً من الجهود

Photo of author

By العربية الآن

لماذا لم ينجح المغرب في القضاء على الأمية بعد 6 عقود من محاربتها؟

central morocco - april 16: نساء يستمعن خلال درس لمحو الأمية
رغم جهود المغرب في محاصرة الأمية فقد بلغت نسبتها 24.8% في 2024 (غيتي)

الرباط- قررت المغربية رحمة البارودي أن تتعلم القراءة والكتابة وهي في الخمسينات من عمرها. لذا قصدت مسجد الحي بعدما كبر أبناؤها، حيث بدأت بحضور الدروس الدينية وسرعان ما جذبتها حلقات النساء لتعلم الكتابة والقراءة.

قضت رحمة 4 سنوات في المسجد تفك رموز الحروف والأرقام التي لطالما بدت لها غامضة. وبالتزام متواصل، تعلمت كتابة الحروف والكلمات والأرقام، ونجحت بعد سنوات في قراءة الجمل، وتعتبر إنجازها الأعظم قدرتها على قراءة القرآن الكريم بواسطة المصحف بمفردها.

ترقت رحمة إلى المستوى الثاني في دروس محو الأمية وحصلت على شهادات تؤكد إنهاء البرنامج التعليمي، واستمرت في حضور الدروس الدينية وحفظ القرآن.

اعتبر مسجد الحي مكاناً لأمينة العلمي أيضاً لتعلم الكتابة والقراءة والحساب، حيث قضت سنة واحدة في التعلم دون إنهاء الدورة. تقول أمينة إنها شاكرة لهذا العام الذي أمدّها بقدرة تمييز الحروف والأرقام وتسخيرها في حياتها اليومية.

تشارك رحمة وأمينة تجربتهما في محو الأمية مع ملايين من النساء والرجال الكبار الذين قرروا متابعة التعليم رغم تقدمهم في السن لتصحيح ما فاتهم في الصغر.

/ محو الأمية من أحد مساجد الرباط
برامج محو الأمية في مساجد المغرب بدأت منذ عام 2000 (الجزيرة)

مسار طويل


رابط المصدر

جهود المغرب في محاربة الأمية

بدأت المملكة المغربية جهودها في محاربة الأمية مع استقلال البلاد عام 1956 بقيادة الملك الراحل محمد الخامس، واستفاد من الحملة الأولى مليون مستفيد. أعقب ذلك حملة ثانية في العام التالي، شملت حوالي مليوني مواطن، واستمر العمل على هذه الحملات والبرامج المتنوعة.

إعلان

في أول إحصاء رسمي أُجري في المغرب عام 1960، كانت نسبة الأمية حوالي 87% وسط السكان، أي ما يقارب تسعة من كل عشرة مغاربة. انخفضت النسبة في عام 1982 إلى أكثر من ستة من كل عشرة، وإلى حوالي أربعة من كل عشرة بحلول 2004، لتصل إلى 32% عام 2014، ثم تنخفض إلى 24.8% في عام 2024.

أطلق المغرب مختلف البرامج لمحاربة الأمية على مدى العقود الماضية، بعضها بإشراف وزارة التربية والتعليم وأخرى من خلال قطاعات مثل وزارة الأوقاف ووزارة الفلاحة ووزارة الصناعة التقليدية. في عام 2000، جرى إطلاق برنامج لمحاربة الأمية في المساجد، ووفق بيانات وزارة الأوقاف، بلغ عدد المستفيدين المسجلين في هذا البرنامج منذ انطلاقه حتى عام 2023 أكثر من 4.5 ملايين شخص، منهم مليون و875 ألفا في القرى.

أنشأت الحكومة في عام 2013 الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية، لتنسيق الجهود في هذا المجال الذي كانت تديره قطاعات حكومية متعددة. ومنذ عام 2014، بلغ إجمالي المستفيدين المسجلين في مختلف برامج محو الأمية أكثر من 9.1 ملايين شخص، معظمهم من النساء بنسبة 85%، وبلغت نسبتهم في القرى 65%.

برنامج محو الأمية على التلفاز الذي تشرف عليه وزارة الأوقاف/ مصدر الصورة: سناء القويطي (تم التقاطها من شاشة التلفاز)
برنامج محو الأمية على التلفاز الذي تشرف عليه وزارة الأوقاف (الجزيرة)

موارد ونتائج

رابط المصدر

تخصيص الميزانية لمكافحة الأمية في المغرب

خصصت الحكومة المغربية منذ عام 2015 حتى عام 2023 مبلغًا يقارب 3 مليارات درهم (حوالي 300 مليون دولار) لدعم الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية، وذلك وفقًا للتقرير الأخير الصادر عن المجلس الأعلى للحسابات، وهو مؤسسة حكومية. إلا أن التقرير أشار إلى أن نسبة الأمية لا تزال مرتفعة لدى الفئات العمرية التي تزيد عن 15 عامًا، حيث تجاوز عدد الأميين 7.5 مليون شخص في عام 2024.

يطرح هذا الوضع تساؤلات حول الأسباب التي تحول دون تقليص نسبة الأمية على الرغم من الجهود المكثفة التي تبذل منذ أواخر الخمسينيات، وما لذلك من تأثير على التنمية المجتمعية في البلاد.

إعلان

العوامل المؤثرة على استمرار الأمية

يشير الخبير التربوي ورئيس الجمعية المغربية لتحسين جودة التعليم، عبد الناصر الناجي، إلى وجود مجموعة من العوامل المؤثرة التي تصعب من مساعي القضاء على الأمية. وأكد أن التراكم التاريخي لعدم كفاءة السياسات العامة السابقة ساهم في تفاقم هذه الظاهرة.

ويوضح الناجي: “رغم التقدم المحرز، فإن النجاح الملموس يبقى غير كافٍ، إذ إن نسب الأمية بين الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 15 عامًا ما زالت تتجاوز الربع.”

من جانبه، يرى خالد الصمدي، وهو عضو سابق في الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية ومستشار لرئيس الحكومة السابق في مجال التعليم، أن إنشاء الوكالة الوطنية مثل منعطفًا هامًا في مسار مكافحة الأمية من خلال توحيد الجهود تحت منصة واحدة واستراتيجيات موحدة.

وصرح الصمدي لموقع الجزيرة نت: “كانت الجهود المشتتة سابقًا، فأتت فكرة تجميعها تحت سلطة مسؤولة وبرامج موحدة من خلال الوكالة، مع وضع إستراتيجية وطنية لمكافحة الأمية تستمر حتى عام 2035.”

لكن الصمدي أشار إلى أن الوكالة أصبحت تركز على تنسيق الجهود بدلًا من ممارسة صلاحياتها الفعلية في التشريع والإدارة والتمويل. وبذلك لم تتمكن من معالجة العقبات الجوهرية التي تعرقل تحقيق أهدافها.

تفسيرات وتحديات أخرى

كما يشير خالد الصمدي إلى أن الجهات المسؤولة عن تنفيذ برامج محو الأمية غالبًا ما تعتمد على جمعيات مدنية قد تفتقر إلى التكوين الضروري في المجالات الإدارية والتواصلية والبيداغوجية.

ويوضح أن برامج محو الأمية تستند إلى مبادئ تعليم الكبار، وهو مجال يختلف في أسلوبه ويحتاج إلى تدريس مخصص للبالغين المقيمين في الأربعينيات والخمسينيات. وبالتالي، فإن إعداد الأماكن والكوادر المؤهلة أمر ضروري لضمان نجاح البرامج التعليمية.

للمزيد من التفاصيل يمكن مراجعة التقرير الكامل عن تلك الجهود والتحديات عبر الرابط التالي:

رابط المصدر

يُشدد المتخصصون على أن إعداد موارد بيداغوجية وتربوية للفئات المستهدفة يجب أن يجمع بين الجوانب العلمية والتعليمية والمهارات المهنية. ويُعزى نجاح برامج محو الأمية في المساجد إلى دمجها بين التعليم الديني وحفظ القرآن، مما يزيد من جاذبيتها لدى المشاركين.

إعلان

ويؤكد الناشطون أهمية ربط برامج محو الأمية بالمنافع الشخصية والمهنية التي يمكن أن يجنيها المستفيدون، إذ أن غياب هذا الربط قد يُفقد البرامج قدرتها التحفيزية المُهمة لجذب المزيد من الأميين وفق رأي الخبراء.

ويُلاحظ أن النظام التعليمي الحالي يُعاني من قصور في تعزيز المهارات الأساسية للطلاب، مما يؤدي إلى مغادرة أكثر من 300 ألف طالب سنويًا دون إتمام التعليم الإلزامي. ويشير خالد الصمدي إلى أن العديد من المستفيدين السابقين من برامج محو الأمية يعودون إلى الأمية بسبب نقص المتابعة المستمرة.

إعلان

الأولويات والحلول

من المهم منح الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية جميع الصلاحيات للإشراف على هذا الملف. يقول خالد الصمدي إنه يجب توفير التدريب والاستقرار الوظيفي للأفراد العاملين في هذا المجال. كما يتوجب تعزيز الأبحاث العلمية لتسريع القضاء على الأمية القرائية من خلال التشخيص الاجتماعي والاقتصادي والثقافي لكل منطقة.

عبد الناصر الناجي يرَكِّز على أن التنمية تتطلب موارد بشرية مبتكرة، وأن تعريف الأمية لم يعد يقتصر على القراءة والكتابة وإنما يتعدى إلى عدم امتلاك المهارات اللازمة لمواجهة تحديات التنمية. لذا يجب أن نولي الأولوية لنظام تعليمي يأهل الأفراد لمواجهة المستقبل.

المصدر : الجزيرة

رابط المصدر

أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.