في معرض الكتاب بالدوحة.. مشاركة سودانية لم تُحجبها الصراعات
هشة ولكن ضرورية
في القاعة رقم واحد، على بُعد قريب من مدخلها، يمكن لزائر الملتقى أن يجد ثلاث دورات سودانية (دار عزة للنشر والتوزيع، دار المصورات، وشركة المتوكل للنشر والتوزيع) وتعمل دار رابعة (دار المناهج) على إثراء محتوى الكتب للصغار. انتبهت العناوين إلى عدد من الزوار من خلفيات مختلفة، واهتمامات متنوعة، لكن وجودها بأزياء العباءات البيضاء كان أكثر وضوحًا.
سألت الجزيرة نت نور الهدى محمد (المديرة التنفيذية لدار عزة) عن التمثيل السوداني، وتطرقت إلى دورهم الخاص فأجابت “انكشاف المشاركة السودانية في هذه الدورة ضعيف، ويمكن توصيفه بالأقل، والأسباب واضحة” إلا أن نور الهدى وصفت هذه المشاركة بأنها مهمة وضرورية، حتى لو كانت تقتصر فقط على الحضور. محمد الفاتح الحسن (المدير التنفيذي لدار المناهج) تفق مع نور الهدى في اعتبار المشاركة لهذا العام هي الأقل، وكشف لنا عن بعض التحديات التي واجهها، إلا أنه تمسك بتجاوزها لسببين “يُوجد لدينا مجموعة سكانية كبيرةفي دولة قطر يستقبلنا كل عام دون تقصير في الوفاء بوعودنا، ونحن نرغب في أن يكون السودان ممثلاً بشكل جيد في هذا الحدث الثقافي”. تعبير بعض أفراد الجالية الذين زاروا المعرض عن امتنانهم للدعم الذي وجدوه، وقد استعرضوا التحديات التي واجهوها والظروف الصعبة التي واجهوها.
تحديات متنوعة
صعوبات نشر الكتب في السودان تتشابه إلى حد كبير، مع بعض الاختلافات الفردية بين الدور، حيث أثرت الحروب التي تجتاح البلاد على جميع جوانب الحياة السودانية، مما أدى إلى خسارة المكاتب والمستودعات في معظم الدور النشر، وفي كلمات خالد عباس، ممثل دار المصورات الذي شارك في معرض الدوحة للكتاب: “لقد فقدنا كل ما لدينا من مكاتب ومستودعات، وآلاف النسخ لم يعد بإمكاننا الوصول إليها، وتكبدنا خسائر مالية فادحة”، مضيفاً “تجربتنا ليست فريدة بل تعيشها معظم دور النشر في البلاد”. (وقد تناولت الجزيرة نت في تقرير سابق التحديات التي تواجه دور النشر السودانية خلال الحرب)، وبالرغم من الاختلاف في الصعوبات، إلا أن الطريقة التي اختارها كل دار للتعامل مع ما بعد الحرب تبرز الاختلافات، سواء في الإقامة، أو في مكان طباعة الكتب، وغيرها من الجوانب.
هذه الوضعية الداخلية المعقدة دفعت بعض الدور لرؤية المعارض الدولية كأمل للبقاء، إذ يجد السوداني نفسه نازحاً أو لاجئاً أو مضطهدا على خلفية الحرب، وحتى الذين لم يغادروا ديارهم، واجهوا صعوبات اقتصادية بسبب توقف الإنتاج وتدهور الاقتصاد. لكن هل المعارض الدولية قادرة على تقديم الدعم اللازم؟ وما هي الطرق للوصول إليها.
مواقع عرض وتحديات
يجد كل دار نشر سودانية نفسها بحاجة للتكيف مع الوضع الحالي، حيث لم يعد من السهل السفر عبر مطار الخرطوم بسبب تأثير الحروب التي أجبرت السكان على التشتت، وكما شارك خالد عباس في معرض مسقط وكان له مشاركات في أبوظبي والدوحة، ومن ثم سيعود برفقة محمد الفاتح من دار المناهج إلى بورتسودان بعد غياب طويل، وعن السبب قال: “يرجع زملاؤنا من دول أخرى إلى أسرهم بعد المعارض، لكن تكلفة التذاكر من وإلى مطار بورتسودان باهظة جدا، فلا يمكن لنا التنقل بسهولة بين هذه المعارض”، ومن خلال تجربة خالد يمكننا فهم معاناة القادمين من السودان، أما الذين استقروا في دول أخرى، فإن تحدياتهم تختلف تماما، حيث يجد الناشر نفسه في دولة، والمستودع في دولة أخرى، وهذا يؤدي إلى صعوبات في نقل الكتب بين المعارض، مما يترتب عليه زيادة في تكاليف الشحن.
وعندما يتسنى وصول ممثلي هذه الدور إلى المعارض، يبقى البعض الآخر بعيداً عن الحدث بسبب تواجدهم في دول لا يقيمون فيها بشكل دائم، ما يجعل من الصعب الحصول على تأشيرات جديدة بشكل مستمر، مما يجعل المشاركة محفوفة بالمخاطر.
الجاليات، ومؤتمرات الكتب
يجد المهاجر ذاكرته تتأجج عندما يعود للتفكير في وطنه، وإذا كان وطنه في حالة من الصراع والحرب، فإنه يبدي اهتماماً خاصاً بمواطنه، كما فعل إبراهيم خضر، أحد أعضاء جالية السودان في الدوحة، الذي اشترى عدداً من الكتب السودانية وديوان شاعر متوفى، وصرح للجزيرة نت قائلاً: “قد امتلك نسخاً من هذا الديوان من قبل، لكني اشتريته مرة أخرى لأشكر هؤلاء الناشرين على حضورهم”.
كما انتشرت دعوات في المجتمع السوداني في الدوحة، تحث أفراد الجالية على زيارة الدور النشر السودانية وتقديم الدعم من خلال الشراء، حيث تم تحديد أسماء الدور وأرقام أجنحتها، ومن بين ما ورد في هذه الدعوة: “ندعو أبناء جاليتنا في الدوحة لزيارة أجنحة دور النشر السودانية التي تعاني من الصعاب لتكون حاضرة وسط العديد من المكتبات التي تمثل بلدانها، رغم التحديات التي يواجهها سوداننا العزيز”. وتبرز الدعوة لزيارةتعتبر مساهمة الجالية السودانية تكريمًا ودفعًا لروح النشاط للناشرين والمشاركين.
يرون الناشرون زيارة دورهم سببًا للفرح، حتى في حال عدم الشراء، ويعتبر خالد عباس أن الاهتمام مقبول، على الرغم من تراجعه عن الأعوام السابقة. ويبرر نور الهدى محمد انخفاض القدرة الشرائية بأن “جمهور الجالية السودانية لم يعد كما كان من قبل، حيث زادت مسؤولياتهم وعدد الأسر التي يعولونها”.
مسار لا مفر منه
على الرغم من كل ما سبق، يستمر نشاط الكتابة، والنشر، والقراءة، حيث شهدت الفعاليات جلسات توقيع لعدد من الكتاب السودانيين. وقدمت هذه الدور عناوين جديدة، وأحدهم أكد “رغم كل الصعوبات، إلا أن هذا هو زمن الكتابة”، وأضاف “الوعي والمعرفة أمور مهمة في ظل الظروف الحالية في السودان”. وشكر نور الهدى محمد الجزيرة لفهمها لموقف الناشرين السودانيين، حيث تبرع شخصيًا بكل حقوقه، موضحًا أنه لا يجب المطالبة بالحقوق من ناشر وقد قام بجهود كبيرة.
وفي اليوم الأخير للمعرض، قال نور الهدى محمد “أنا سعيد بمشاركتي هنا، وأن اسم السودان لا يزال حاضرًا رغم الصعوبات”، بينما يرى محمد الفاتح الحسن أن مطبوعاته تساهم في تعزيز هوية الأطفال السودانيين.
وقد ودع أحد زوار دار المصورات بكلامه “حملتم لنا روح الخرطوم في أغلفة كتبكم”، ويتساءل متى سيستقبل الخرطوم أهلها.