<
div aria-live=”polite” aria-atomic=”true”>يوجد 3 شركات فقط في الكرة الأرضية، حتى اللحظة، تتعدى قيمتها البورصية 2 تريليون دولار: آبل، ومايكروسوفت، وابتداء من هذا السنة، شركة إنفيديا. من المفهوم بالطبع أن هذا الاسم ربما لا يبدو مألوفًا بالنسبة لك، فالشركة لا تنتج منتجا براقًا يظل ملتصقًا بيدك طول النهار، وكل يوم، كما تقدمه شركة آبل أو مايكروسوفت على سبيل المثال.
بل ما تصممه إنفيديا هو شرائح معالجة تتخفى في أعماق الأجزاء الداخلية المعقدة لجهاز الحاسوب الذي تستعمله، والمفاجأة أن هذا المُنتج تحديدًا، الذي لا نراه يوميًا أمامنا، كان السبب في صعودها الصاروخي لتصبح ثالث أعلى شركة من حيث القيمة البورصية في العالم وفي زمن قصير جدًا.
بالعودة بضعة خطوات إلى شهر أكتوبر/تشرين الأول 2022، وصلت قيمة إنفيديا البورصية حينها إلى 300 مليار دولار، ثم بنهاية السنة ذاتها وصلت إلى 364 مليار دولار. خلال هذا السنة، وفي نهاية نوفمبر/تشرين الثاني، أعلنت “أوبن إيه آي” إطلاق روبوت المحادثة الجديد “شات جي بي تي”، لتبدأ معه رحلة إنفيديا في الصعود الصاروخي لقيمتها البورصية حتى وصلت اليوم إلى 2.17 تريليون دولار. لكن قد يتبادر إلى ذهنك سؤالًا مهمًا، ألا وهو ما العلاقة بين إطلاق روبوت “شات جي بي تي” وصعود إنفيديا الصاروخي؟
الجواب البسيط هو أن إنفيديا ربما كانت أكبر المستفيدين من ثورة الذكاء الاصطناعي التوليدي الحالية، لكن قبل أن نعرف التفاصيل، يجب علينا أن نروي الحكاية منذ نشأتها.
البداية!
سنعود بضعة سنوات إلى الوراء هذه المرة، تحديدا إلى عام 1993، وفي مطعم “دينيس” (Denny’s) في مدينة سان خوسيه بولاية كاليفورنيا، حيث التقى المهندس جنسن هونغ صديقيه كريس مالاتشوسكي وكيرتس برييم، ليناقشوا معًا رؤيتهم لمستقبل وحدات معالجة الرسوميات، واستخداماتها التي قد تتجاوز مجال الألعاب ورسوم الغرافيك، لأنهم رأوا إمكانية استعمالها في عمليات الحوسبة التي تحتاج إلى أداء قوي، بجانب الأبحاث العلمية التي تحتاج إلى محاكاة وعمليات حسابية معقدة، وغيرها من المهام التي تتطلب قدرات معالجة قوية.
كانت صناعة ألعاب الفيديو صناعة واعدة حينها، واستجدت فرص ذهبية لدخول هذا المجال والتقدم فيه، عبر تطوير ما نعرفه بوحدات معالجة الرسوميات، أو كروت الشاشة، وهي شرائح معالجة توفر عرض صور ثلاثية الأبعاد ساحرة على شاشة الحاسوب.
كلما كانت تلك البطاقات الرسومية أقوى، ازدادت سرعة عرض المؤثرات المرئية بجودة عالية، وهو عنصر ضروري لأغراض مثل تشغيل الألعاب وتحرير مقاطع الفيديو. وهذا هو المنتج الأساسي الذي تنتجه شركة إنفيديا وتبرز فيه منذ بداية عام 1993.
وعلى مدى العقدين الماضيين، نجحت كروت الشاشة التي طرحتها إنفيديا في تطوير صناعة ألعاب الفيديو، من خلال توفير قوة معالجة هائلة للرسوميات داخل اللعبة.
وبعد أن أثبتت الشركة نجاحها وكفاءتها في قيادة معالجة الرسوميات في مجال الألعاب، بدأت في البحث عن إمكانية تطوير مجال معالجة الرسوميات وإعادة توجيهه نحو استخدامات أكثر كما فعل مؤسسوها منذ لقائهم في تلك المطعم.
التطورات!
نبدأ بالإنتقال إلى الأمام، تحديدًا إلى عام 2020 مع انتشار وباء فيروس كورونا، وانعزال معظم البشر داخل منازلهم، وبحثهم عن وسيلة للتسلية وقضاء كل هذا الوقت.
هنا كانت ألعاب الفيديو هي الوسيلة الأفضل والأكثر متعة. تنوعت استخدامات كروت الشاشة، وارتفع الطلب عليها جدا بسبب هذا الانعزال والانصراف نحو استهلاك كميات هائلة من الألعاب بتلك الأوقات.
وفي نفس الفترة، ارتفعت أسعار العملات الرقمية لتصل إلى أرقام قياسية، دفعة بارتفاع الطلب وخاصة على عملة البيتكوين التي تتصدر هذا السوق دائمًا، ومعها ارتفع الطلب على كروت الشاشة التي تنتجها إنفيديا، لأن من بين استخداماتها تيسير عملية تعدين تلك العملات الرقمية.
هذا الطلب دفع قيمة الشركة البورصية نحو أعلى مستوى في تاريخها حتى ذلك الزمان تخطت 820 مليار دولار بحلول نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
لكن، مع التغييرالتطورات، واستعادة الحياة إلى الحالة الطبيعية لها، ومع تراجع أسعار العُملات الرقمية، والأوضاع الاقتصادية المتدهورة، وانهيار أسهم شركات التكنولوجيا خلال العام 2022، بدأت أسهم إنفيديا في الانحدار أيضاً، حتى فقدت أكثر من نصف قيمتها ووصلت إلى أقل من 300 مليار دولار في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2022 كما ذكرنا سابقاً، ولكن نهاية الشهر التالي، حدث شيء مُفاجئ غيّر السوق بشكل كامل!
المُفاجئة كانت إطلاق شركة “أوبن إيه آي” لنسخة تجريبية أولية لروبوت المحادثة الجديد “شات جي بي تي”، وهو الروبوت البارز الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي التوليدية، ومنذ ذلك الحين انطلقت منافسة حادة في هذا الميدان بين كبرى شركات التكنولوجيا، ومعها بدأت رحلة صعود إنفيديا التاريخية حتى اللحظة الحالية.
ثورة الذكاء الاصطناعي
النماذج اللغوية الضخمة مثل النموذج “جي بي تي-4” هي التي تدير روبوت المحادثة المعروف بـ “شات جي بي تي”.
تلك النماذج اللغوية الكبيرة تتطلب خدمات سحابية قوية، التي تعتمد بدورها على أجهزة حاسوب عملاقة، من أجل تدريبها على كميات ضخمة من البيانات، وهذه الأجهزة العملاقة موجودة ضمن مراكز بيانات تابعة لشركات التكنولوجيا. تُعتبر وحدات معالجة الرسومات المُقدمة من قبل شركة إنفيديا الحل الأمثل لتسريع جميع عمليات الحسابات المُعقدة التي تحدث داخل الأجهزة العملاقة في مراكز البيانات.
أدرك مُطورو نماذج الذكاء الاصطناعي بسرعة أن معالجات إنفيديا الرسومية كانت مفيدة وقوية جداً في إجراء العمليات المعقدة التي تُدعم أنظمة الذكاء الاصطناعي الحديثة. تتميز تلك المعالجات عن وحدات المعالجة المركزية بقُدرتها على إجراء العديد من الحسابات في نفس الوقت.
وهو الاكتشاف نفسه الذي وصل إليه مُعدِّني العُملات الرقمية، مثل البيتكوين والإيثريوم، حيث أظهرت وحدات المعالجة الرسومية قوتها وفاعليتها في تسريع عملية التعدين، وهي عملية تَتطلب حسابات مُعقدة للوصول إلى تلك العُملات الرقمية.
على سبيل المثال، تطوَّرت شركة “أوبن إيه آي” نماذجها اللغوية باستخدام خدمات مايكروسوفت السحابية، ولذلك، تحتاج مايكروسوفت إلى معالجات إنفيديا بكميات كبيرة، تصل إلى آلاف الوحدات، لتقديم قُدرة معالجة هائلة، سواء لـ “أوبن إيه آي” أو لأي شركة أُخرى ترغب في تطوير نماذجها الخاصة بالذكاء الاصطناعي.
المستفيد الرئيسي
مع الصراع الحالي بين الشركات العُملاقة مثل مايكروسوفت وغوغل في سباق الذكاء الاصطناعي، يكون المستفيد الأكبر هو شركة إنفيديا نفسها، حتى أن جنسن هونغ، مُؤسس ورئيس تنفيذي للشركة، وصف هذه المرحلة الحالية في مايو/أيار الماضي، بأنها “لحظة الآيفون” في عالم الحوسبة، مُقارناً نمو هذا المجال بالنمو الهائل للهواتف الذكية بعد إطلاق شركة آبل لأول هاتف آيفون عام 2007.
بطبيعة الحال، أدى ازدياد الطلب الكبير على وحدات المعالجة الرسومية إلى ارتفاع أسهم إنفيديا خلال الفترة الأخيرة، مما جعلها الثالثة في الترتيب من حيث القيمة السوقية في القطاع.
يبدو أن الشركة لم تصل بعد إلى قمة نجاحها، حيث يرون المحللون أن ثورة الذكاء الاصطناعي تتضمن مستقبلاً واعداً وأكثر استدامة بالنسبة لشركة إنفيديا مقارنة بالعملات الرقمية أو الألعاب، ولا يوجد حالياً أي منافس حقيقي يمكنه مجاراة ما تقدمه لتلبية احتياجات المعالجة المعقدة لأنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي.
كانت جميع أحداث هذه القصة تدور في الخلفية، وربما لا نعي مدى حدوثها في الأساس، ولكن ما أثار التفاعل حول إنفيديا مؤخراً، ودورها في مجال الذكاء الاصطناعي، هو إطلاقها لروبوت المحادثة “شات جي بي تي”، ليستفيق العالم فجأة ويدرك أن إنفيديا هي في قلب هذا العمل المعقد، حيث يرى الناس أهمية هذه الشركة العملاقة بحقيقتها، أو على الأقل هكذا رأوها المستثمرون وتفاعلوا معها، لتصل هذه الشركة إلى هذا النجاح الرائع في وقت قصير.