كتاب الفوضى: رحلة انتعاش وانحدار شركة الهند الشرقية

Photo of author

By العربية الآن


كتاب الفوضى.. قصة صعود وهبوط شركة الهند الشرقية

كتاب (الفوضى: الصعود المستمر لشركة الهند الشرقية) للمؤرخ الإسكتلندي "ويليام دالريمبل".
كتاب (الفوضى: الصعود المستمر لشركة الهند الشرقية) للمؤرخ الإسكتلندي “ويليام دالريمبل” (الجزيرة)
نعيش اليوم في عالم تهيمن عليه شركات عملاقة مثل مايكروسوفت وآبل، ولكن هناك شركة، رغم انتهائها، كانت لها قوة وتأثير أكبر من مجموع هذه الشركات الحالية. هذه الشركة ليست مألوفة للكثيرين رغم دورها التاريخي وتأثيرها العميق على مسار العالم.
إنها شركة الهند الشرقية، التي كانت قوة عالمية منذ تأسيسها عام 1600 حتى سبعينيات القرن الـ19. المؤرخ الأسكتلندي ويليام دالريمبل وصف تاريخ وأهمية هذه الشركة في كتابه “الفوضى: الصعود المستمر لشركة الهند الشرقية” الذي صدر عام 2019.

تحول الشركة إلى قوة حاكمة

في مقال للأكاديمي أنور هالاري، محاضر أول في المحاسبة والإدارة المالية بالجامعة المفتوحة بالمملكة المتحدة، أشار إلى أن دالريمبل يسلط الضوء على كيفية تحول شركة تجارية إلى الحاكم الفعلي لشبه القارة الهندية لأكثر من قرن. أول حاكم للشركة، السير توماس سميث (1558-1625)، كان شخصًا استثنائيًا، حيث كان مدققًا قبل أن يقود هذه الشركة التي غيرت مجرى التاريخ.

نموذج مبتكر للشركة

تأسست شركة الهند الشرقية كنموذج “مساهمة”، مما وضعها تحت سيطرة المستثمرين. لم يقتصر هؤلاء المستثمرون على النخبة، بل شملوا أشخاصاً من مختلف شرائح المجتمع البريطاني، من صانعي الصنادل إلى تجار النبيذ. وقد مكّن هذا النموذج الشركة من جذب تمويل غير محدود، مما ساعدها على تعزيز دورها كلاعب رئيسي في التجارة العالمية، بعد حصولها على احتكار تجاري حصري في الهند من الملكة إليزابيث الأولى.

توسع القوة العسكرية

تنامت القوة العسكرية لشركة الهند الشرقية تدريجياً، مستغلة الفوضى الناتجة عن تراجع “إمبراطورية المغول”. المستخدم في الكتاب يتناول جشع وغطرسة قادة الشركة، مثل اللورد روبرت كلايف ووارن هاستينغز. وصُفَ كلايف بعدم الاستقرار عقليًا، مما ساهم في اتخاذ قرارات تهدف إلى تحقيق مكاسب شخصية.

معركة بلاسي وعواقبها

لحظة مفصلية في تاريخ الشركة حدثت عام 1757 عندما قاد اللورد كلايف قوات الشركة لتحقيق نصر حاسم في معركة بلاسي. روى دالريمبل تفاصيل دقيقة عن الحدث، بما في ذلك حصول كلايف على ثروة شخصية هائلة بعد الاستيلاء على خزانة النواب، والتي تقارب قيمتها اليوم 35 مليون جنيه إسترليني.
طورت الشركة سلوكًا جشعًا، حيث استغلت الأراضي الهندية وشعوبها لتحقيق الأرباح. ومع ذلك، أدى التوسع المفرط إلى كارثة مالية بعد عام 1769، حيث عانت بلاد البنغال من مجاعة مدمرة بينما لم تتمكن الشركة من سداد ديونها.

إنقاذ الشركة

مع السيطرة على نصف التجارة العالمية بحلول عام 1773، اعتبرت الحكومة البريطانية الشركة “كبيرة جدًا لكي تفشل” وتدخلت لإنقاذها، مما أدى إلى تقليل استقلاليتها.

نهاية السيطرة

بحلول أوائل القرن الـ19، كان لدى الشركة نحو 250 ألف جندي في جيشها، متجاوزة بذلك عدد أفراد الجيش البريطاني. ورغم قوتها، فإن تزايد الانتقادات لتكتيكاتها وفسادها أدى في عام 1857 إلى التمرد الكبير، وهو الاضطراب الذي حطم قاعدة سلطتها وأدى إلى تدخل الحكومة البريطانية المباشر، منهياً حقبتها في السيطرة الاستعمارية.

رابط المصدر

مثَّل تمرد عام 1857 القشة الأخيرة التي أسقطت تلك الشركة، وهو تمرد بدأ بين الجنود الهنود في جيش "شركة الهند الشرقية" وانتشر في جميع أنحاء شبه القارة.

تمرد عام 1857: النهاية لشركة الهند الشرقية

في عام 1857، شهدت شبه القارة الهندية تمردًا برز كحدث تاريخي مهم أدى إلى انهيار “شركة الهند الشرقية”. بدأ التمرد بين الجنود الهنود في جيش الشركة، وسرعان ما انتشر ليعم المناطق المختلفة. بعد قمع البريطانيين لهذا الانتفاضة، والتي أسفرت عن مقتل حوالي 100 ألف هندي، انتقلت السيطرة على الهند مباشرة إلى الحكومة البريطانية. من هنا، بدأت فترة الحكم البريطاني، والتي ترافقت مع استيعاب التاج البريطاني للهيكل العسكري لشركة الهند الشرقية، ولكن بعد بضع سنوات تم حل الشركة.

دروس الكتابة في “الفوضى”

الكتاب “الفوضى” يحمل في طياته العديد من الدروس القيمة، أبرزها اقتباس من شخصية بارزة، وهو البارون “إدوارد ثورلو”، الذي يقول:

“ليس للشركات أجساد لتعاقبها، ولا أرواح لتدينها؛ لذا فهي تفعل ما يحلو لها”.

يوضح الكاتب “ويليام دالريمبل” كيف تجسد التاريخ اليوم في أماكن مثل “قلعة باويس” في ويلز، حيث تحتوي القلعة على غنائم ومقتنيات من الهند تظهر أمجاد شركة الهند الشرقية. لافتًا إلى أن هذا المنزل في الريف الويلزي يحتوي على قطع أثرية مغولية تفوق تلك الموجودة في أي متحف في الهند، بما في ذلك المتحف الوطني في دلهي.

يؤكد الكتاب أن الشركات الرائدة يمكن أن تتحول إلى أدوات للاستغلال عندما تغيب المساءلة والإدارة الجيدة. على الرغم من أن الشركات الكبرى اليوم تفتقر إلى القوة العسكرية التي كانت تتمتع بها شركة الهند الشرقية، إلا أنها لا تزال قوية بطرق متعددة. تشير الإحصائيات إلى أن حوالي 70% من أكبر 100 كيان اقتصادي في العالم هم شركات، سواء كانت أفرادًا أو منظمات.

التحديات والفرص في زمن الشركات الكبرى

تسيطر الشركات العملاقة اليوم على مجالات التكنولوجيا الحديثة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، مما يجعلها تظهر أقل تهديدًا. ومع ذلك، يُذكرنا انهيار شركة الهند الشرقية بأن الحكومات تمتلك القدرة على إعادة تأكيد سلطتها إذا كانت لديها الإرادة السياسية للقيام بذلك.

بالرغم من سرد الكتاب للعنف والاستغلال الذي مارسته الشركات في الماضي، يحمل أيضًا رسالة من الأمل، حيث يؤكد على إمكانية حدوث التغيير. يمكن للحكومات والمؤسسات مواجهة جشع الشركات الكبرى إذا اختارت القيام بذلك. لذا، بلا شك، يعد الكتاب “الفوضى” أكثر من مجرد سرد تاريخي، بل هو دعوة للتأمل في حاضرنا ومستقبلنا، حيث تزداد السلطة الاقتصادية للشركات وارتباطها بحياتنا اليومية.

المصدر : ذا كونفرسيشن

رابط المصدر

أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.