كيف هيّأ قيس سعيد الساحة السياسية والشعبية قبل الانتخابات؟

Photo of author

By العربية الآن



كيف هيّأ قيس سعيد الساحة السياسية والشعبية قبل الانتخابات؟

صورة 1: الرئيس قيس سعيد يسعى لولاية جديدة مق رب الاتخابات الرئاسية الخريف المقبل/قصر قرطاج/العاصمة تونس يوليو/تموز 2024 (صفحة رئاسة الجمهورية)
الرئيس قيس سعيد يسعى لكسب ولاية جديدة مع قرب موعد الانتخابات الرئاسية في أكتوبر/تشرين الأول المقبل (مواقع التواصل)
تونس- قبل صعوده إلى سدة الحكم في تونس، قدم الرئيس التونسي قيس سعيد نفسه بوصفه قائدا نزيها ومنقذا للشعب من الفساد والتجاذبات السياسية التي أرهقت البلاد، لكن بعد توليه الحكم استحوذ على السلطات كافة، مستغلا السخط الشعبي والتراجع الاقتصادي، ليهيئ الساحة السياسية والشعبية لانتخابات خالية من المنافسة الحقيقية.

بدأ سعيد، الذي كان أستاذا للقانون الدستوري سابقا، خطواته الأولى نحو تعزيز سلطته عبر إعلانه التدابير الاستثنائية يوم 25 يوليو/تموز 2021، التي شهدت تجميد البرلمان وحل الحكومة السابقة. ورغم الدعم الشعبي الواسع في البداية، فإن هذه الخطوة تحولت إلى أداة لفرض السيطرة الكاملة على السلطتين التنفيذية والتشريعية.

ويعتقد مراقبون أن سعيد -في الآونة الأخيرة- حوّل الانتخابات إلى مسرحية مشابهة لتلك التي أجراها نظام الرئيس زين العابدين بن علي، حين كان التونسيون يعرفون مسبقا من سيفوز بها، والمشاركون هم أساسا داعمون لمسار الرئيس، مما يعزز الشكوك حول نزاهة العملية الانتخابية واستقلاليتها.

تعديل القوانين

يقول المحلل السياسي إبراهيم العمري للجزيرة نت إن سعيد قدم نفسه بوصفه بديلا نظيفا وصارما ضد الفساد، مما جعله يكسب دعما شعبيا واسعا، خصوصا أنه كان يقوم بزيارات ميدانية إلى مختلف المناطق في تونس ويتحدث مباشرة إلى المواطنين.

وشدد سعيد، بحسب العمري، في مختلف خطاباته على التزامه بتحقيق مطالبهم، وهي إستراتيجية ساعدت في تعزيز صورته قائدا قريبا من الشعب، وجعلت منه الخيار الوحيد تقريبا في أذهان كثيرين، منذ الحملة الانتخابية التي أجراها عام 2019.

ويرى أن الرئيس التونسي استخدم معرفته العميقة بالنظام القانوني للالتفاف على الدستور السابق، وإعداد دستور جديد يمنحه سلطات شبه مطلقة، بهدف ضمان بقاء المنافسة الانتخابية تحت السيطرة، إذ أدخل تعديلات جوهرية على قانون الانتخابات.

ويعتبر العمري أن هذه التعديلات شملت شروطا صارمة للترشح وتمويل الحملات الانتخابية، مما جعل من الصعب على أي منافس جدي الترشح، حتى أولئك الذين حاولوا الدخول إلى الساحة السياسية وجدوا أنفسهم في مواجهة جهاز حكومي يعوق مساعيهم بكل الوسائل المتاحة.

كما يرى أن استفتاء 25 يوليو/تموز 2022 الذي نظمه الرئيس على دستور جديد يمنحه سلطات غير مسبوقة، وأنه “ولد ميتا”، مبينا أنه رغم ضعف نسبة المشاركة في الاستفتاء التي لم تتجاوز حدود 10%، فإن سعيد نجح في تمرير الدستور، مما عزز من قبضته على السلطة.

هذا الدستور الجديد، الذي جاء في سياق سيطرة شبه كاملة على الساحة السياسية، بحسب العمري، أعطى سعيد إطارا قانونيا يشرعن حكمه، ويمهد الطريق أمامه للترشح وحيدا في الانتخابات المقبلة.

جانب من احتجاجات سابقة للمعارضة للمطالبة بانتخابات نزيهة/العاصمة تونس
المعارضة في تونس نظمت عديدا من الوقفات الاحتجاجية للمطالبة بانتخابات نزيهة (الجزيرة)

إضعاف المعارضة

وبالتوازي مع تعزيز سلطته، عمل قيس سعيد على إضعاف المعارضة وتفكيك الأحزاب السياسية، التي كانت تشكل جزءا أساسيا من المشهد الديمقراطي التونسي، ووضع عديدا من السياسيين البارزين تحت الإقامة الجبرية، أو تم استبعادهم من العملية السياسية عبر تهميشهم، أو استخدام القضاء لملاحقتهم.

و”تعمد تشويه صورة الطبقة السياسية، مستخدما خطابا شعبويا يصفهم بالفساد والتآمر ضد مصلحة الشعب”، كما وصف وسام الصغير الناطق الرسمي للحزب الجمهوري في حديثه للجزيرة نت، مضيفا أن سعيد قام بتجميد تمويل الأحزاب وتهميشها في الخطاب السياسي، مما جعلها غير قادرة على تنظيم نفسها لمواجهته.

هذا الخطاب، حسب وصف الصغير، كان له صدى واسعا بين شريحة كبيرة من التونسيين المحبطين من فشل النخبة السياسية السابقة، مما ساعد على تعزيز شعبية سعيد كقائد يسعى لتحقيق العدالة وإصلاح البلاد. وبذلك، وجد الرئيس نفسه في موقع القوة، بعد توظيفه كل أجهزة الدولة لخدمة “مشروعه الانقلابي”.

ويتهم الصغير الرئيس التونسي بارتكاب “مجزرة سياسية” انتخابية، تهدف إلى تصفية خصومه السياسيين، بدأت من خلال تشويه سمعة المعارضة، إلى وضع دستور يتيح له السيطرة على مفاصل الدولة، وصولا إلى إصدار المرسوم 35، الذي حلّ بموجبه المجلس الأعلى للقضاء ليصبح الجهة الوحيدة التي تتخذ القرارات.

ويضيف أنه مرّ أكثر من عام ونصف عام على سجن رموز سياسية بتهمة “التآمر على أمن الدولة”، كما أشار إلى أنه تم منع خصومه السياسيين ذوي التأثير الكبير من الحصول على بطاقة “السوابق العدلية”، التي أصبحت شرطا جديدا في القانون الانتخابي، وذلك بهدف إقصائهم وتمهيد الطريق له لتحقيق الفوز منفردا.

تراجع المؤشرات

ويشير الناطق باسم الحزب إلى “فشل” سعيد في وضع حل لكل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتراكمة، وهو ما يترجمه ارتفاع أسعار السلع وفقدانها في الأسواق، وقد بلغت نسبة النمو 0.2%، وارتفاع معدلات البطالة بزيادة 1800 عاطل عن العمل في الأشهر الأولى لسنة 2023 والأشهر الأخيرة لسنة 2024، على عكس ما تعهد به.

من جهته، يقول القيادي بحزب العمال (يسار) الجيلاني الهمامي إن الرئيس سعيد خطط للوصول للحكم منذ قبل الانتخابات الرئاسية لسنة 2019، ولم يخفِ نيته الحقيقية حول طبيعة النظام السياسي الذي قام بتعديله، وأيضا بشكل عام حول الخيارات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الكبرى للدولة.

ويعتقد الهمامي أن قيس سعيد استغل إخفاقات الحكومات السابقة، واستثمر في غضب الشعب على حساب المعارضة، موضحا أنه عمل في مرحلة أولى على القضاء على حركة النهضة بإجراءات غير قانونية، عبر تجميدها والسطو على مقراتها وإيقاف قياداتها، ثم توجه بعدها لتصفية باقي الأحزاب.

و كانت المعارضة قد قاطعت كل الاستحقاقات التي أشرف عليها سعيد، منذ إعلانه الإجراءات الاستثنائية، التي تسببت في أزمة سياسية واستقطاب حاد في البلاد.

التضييق على الإعلام

ومنذ إعلانه تلك التدابير عام 2021، بدأ النظام في مراقبة وسائل الإعلام وتوجيهها لترويج صورة إيجابية للرئيس، في حين تم تقليل أو حتى منع التغطية الإعلامية للمعارضة. في المقابل، كانت هناك حملات إعلامية مكثفة لتمجيد إنجازات الرئيس وتقديمه بوصفه قائدا لا غنى عنه في المرحلة الحالية.

في هذا الشأن، قال المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي للجزيرة نت إن ما بدأ كتحرك شعبي لإعادة هيكلة النظام السياسي ومحاربة الفساد، تحول تدريجيا إلى نظام يُقصى فيه المنافسون وتُقيد فيه الحريات، مؤكدا أن قيس سعيد، الذي كان يُنظر إليه كرمز للأمل والتغيير، أصبح اليوم مرشحا وحيدا.

ويضيف أن الإستراتيجيات التي يتبعها الرئيس التونسي باتت تثير تساؤلات عميقة حول مستقبل الديمقراطية في تونس، من قبل المؤسسات التي تدافع عن الصحفيين، معتبرا أن البلاد تتجه نحو مرحلة جديدة من الحكم، يصبح الصوت الوحيد فيها هو صوت الرئيس، بينما يتم تهميش جميع الأصوات المعارضة الأخرى.

وشدد الجورشي على أن تصاعد النهج السلطوي للرئيس سعيد أدى إلى تقويض المكاسب الديمقراطية وتعثر حرية التعبير، ولكل المكاسب التي حققتها تونس بعد الثورة، خاصة مع غياب توازن حقيقي في مؤسسات الدولة وضعف المعارضة، في وقت تمر فيه البلاد بأزمة اقتصادية خانقة، مما يعزز من سيطرة سعيد على الحكم ويفتح الباب أمام فترة طويلة من الحكم الفردي.

المصدر : الجزيرة



أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.