<
div class=”longform-block”>
يعتبر خطاب كامالا هاريس في المؤتمر الديمقراطي ليلة الخميس بمثابة لحظة حاسمة في حياتها السياسية، إذ شهدت صعودًا مفاجئًا خلال الأسابيع الأربعة الماضية. تعد هذه اللحظة مهمّة لهاريس في تعريف الناخبين بها ومسعاها لتصبح أول سيدة تتولى رئاسة الولايات المتحدة الأميركية.
بل تفوقت هاريس على نفسها خلال ثلاثين عامًا من العمل العام، حيث اكتسبت خبرات وعلاقات جعلت ترشحها لبطاقة الحزب الديمقراطي سهلًا دون معارضة حقيقية.
يعتقد العديد من الخبراء أن هاريس كانت قد خططت لخوض انتخابات 2028، إلا أن الحالة الصحية والعقلية للرئيس جو بايدن دفعتها للترشح مبكرًا، وأسهمت في وراثتها لحملة انتخابية قوية مالياً وبشرياً.
وبنجاح، أدخلت هاريس روح الحماس والتفاؤل داخل الدوائر الديمقراطية التي كانت تشعر بالإحباط بسبب ترشح بايدن، وكانت تستعد لأربع سنوات جديدة تحت إدارة ترامب.
منذ توليها منصب المرشحة الديمقراطية في منتصف يوليو/تموز الماضي، عكست هاريس موجة حماس كبيرة، ظهرت في استطلاعات الرأي وجمع التبرعات وحشود الناخبين التي جاءت لمشاهدة فعالياتها الانتخابية.
<
div class=”longform-block”>
بداية الصعود
قبل أن تبرز كامالا هاريس كنجم في الساحة السياسية، كانت قد شغلت عدة مناصب مرموقة، منها المدعي العام لمدينة سان فرانسيسكو ثم المدعي العام لولاية كاليفورنيا. علاوة على ذلك، حصلت على تأييد الرئيس الأسبق باراك أوباما في انتخابات التجديد النصفي عام 2010.
إلا أن مسيرتها لم تخل من تعقيدات، حيث تعرضت لانتقادات بسبب مواقفها المتباينة، مثل رفضها طلب عقوبة الإعدام لأحد المدانين بقتل شرطي، بينما اضطرت لدعم هذه العقوبة في ولاية كاليفورنيا رغم معارضتها الشخصية لها.
كما انتُخبت هاريس لمجلس الشيوخ في ذات الليلة التي خسر فيها دونالد ترامب الانتخابات أمام هيلاري كلينتون في عام 2016.
عرفها الأميركيون بمهاراتها الاستجوابية القوية خلال استجوابها لقاضي المحكمة العليا بريت كافانو عام 2018، حينما سألته “هل يمكنك التفكير في أي قوانين تمنح الحكومة القدرة على اتخاذ قرارات بشأن أجساد الرجال؟”. كما أظهرت مهارات مشابهة خلال استجواب وزير العدل جيف سيشين الذي عينه ترامب بعد فوزه في 2016.
بعد دخولها لمجلس الشيوخ بعامين، لم تتمكن هاريس من كبح طموحها ورغبتها في الترشح لرئاسة الولايات المتحدة. فعليه، أعلنت رسميًا ترشحها لخوض الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في 2020، لتكون منافسة لجو بايدن الذي كان يعتبر المرشح الأبرز.
استقبلت هاريس حماسًا واسعًا في كاليفورنيا، حيث تجمع أكثر من 20 ألف شخص في مسقط رأسها بمدينة أوكلاند عند إعلانها بدء حملتها الانتخابية في يناير/كانون الثاني 2019.
<
div class=”longform-block”>
مناظرة قاسية ضد بايدن
رغم طموح هاريس، أخفقت في محاولتها الأولى للوصول إلى البيت الأبيض، حيث واجهت صعوبة في تحديد هويتها السياسية وبروزها وسط عدد من المنافسين، من بينهم بايدن وبيرني ساندرز، بالإضافة إلى سوء إدارة حملتها مالياً وإدارياً.
قبل إعلان تعليق حملتها، شاركت هاريس في عدة مناظرات انتخابية مع بايدن وساندرز، حيث استخدمت مهاراتها الاستجوابية للهجوم على بايدن.
في مناظرة جرت في يونيو/حزيران 2019، تحدت بايدن بشأن سجله الذي يتعلق بمعارضته لإلغاء الفصل العنصري في المدارس خلال الستينيات، ووبخته بسبب عمله مع سيناتورين معادين، وواجهته كذلك بتهمة معارضته لنقل الطلاب بين المدارس لتحقيق التكامل.
تأثرت حملتها أيضًا بالنزاعات الداخلية، مما ساهم في عدم تجاوزه حاجر النقاط الخمس في استطلاعات الآراء بين الناخبين الديمقراطيين، الأمر الذي أحبط آمالها الرئاسية في تلك المرحلة.
بعد إخفاقها في انتخابات 2019، اختار بايدن هاريس لتكون شريكته في الانتخابات عام 2020، لتصبح أول امرأة غير بيضاء تتولى هذا المنصب. وكانت هاريس أول سيدة تصل لمنصب نائب الرئيس في يناير/كانون الثاني 2021.
استغرب كثيرون قرار بايدن، وعندما سئلت هاريس عن هجماتها القوية على بايدن خلال الانتخابات، ردت بكلمة واحدة فقط، مما يدل على طبيعة المنافسة.
<
div class=”longform-block”>
قضايا شديدة التعقيد
أدت كامالا هاريس القسم نائبةً للرئيس جو بايدن في 20 يناير/كانون الثاني 2021 بعد انتصاره على ترامب. ومنذ ذلك الحين، واجهت صعوبة في كسب ثقة الناخبين الأميركيين.
لم تتجاوز نسبة رضى الناخبين عن أدائها كنواب للرئيس 40%، مما يعتبر من الأدنى بين من سبقوها في هذا المنصب.
يقول المقربون من هاريس إن انخفاض شعبيتها لم يثنها عن تطوير مهاراتها السياسية، فقد عملت على بناء تحالفات ضمن دوائر الحزب الديمقراطي، وركزت على قضايا مثل حقوق الإجهاض، التي تُعد مهمة للقاعدة الديمقراطية. بمعنى آخر، كانت تستعد للاستحقاقات القادمة بعناية.
وعلى الرغم من ذلك، لم تُظهر هاريس أداءً جيدًا في مهامها كنواب للرئيس، وواجهت قضايا معقدة مثل ملف الهجرة، الذي عانت في التعاطي معه. وتمكنت من إحداث بلبلة خلال أول زيارة لها للخارج إلى غواتيمالا والمكسيك، والتي كانت تهدف لإظهار دورها في تقليص تدفق المهاجرين غير الشرعيين. ورغم تلك الزيارة، واجهت أسئلة محرجة حول سبب عدم زيارة الحدود حتى الآن.
لا تزال قضية الهجرة تُلاحق هاريس، إذ استغل الجمهوريون هذا الأمر في مهاجمة إحباطاتها السياسية بعد ترشحها كمرشحة للحزب الديمقراطي.
ذُكر أن حلفاء هاريس توجّهوا باللوم غير المباشر إلى البيت الأبيض لفشله في تهيئتها بشكل جيد وتكليفها قضايا صعبة. شكاواهم تركزت على أن كونها أول امرأة أميركية من أصل أفريقي وآسيوي تشغل هذا المنصب قد فرض توقعات أعلى مما يمكنها تحقيقه، مما منحها فترة قصيرة لإثبات جدارتها.
<
div class=”longform-block”>
المراهنة على حق الإجهاض
حاولت هاريس على مدار سنوات عملها نائباً للرئيس تحسين صورتها العامة بعد فترة من الانتقادات، واستفادت من حكم المحكمة العليا بإلغاء الحق الفيدرالي في الإجهاض الذي ظل قائمًا لنصف القرن الماضي. حيث ألغت المحكمة هذا الحق في مايو/أيار 2022، مُعيدةً المسألة إلى الولايات لاتخاذ قرار بشأنها.
استغلت هاريس هذه القضية لتصبح المدافعة الأبرز عن حق الإجهاض في إدارة بايدن، حيث تتكرر عبارة “كيف يجرؤون؟ كيف يجرؤون على إخبار امرأة بما يمكنها وما لا يمكنها فعله بجسدها؟” في تجمعاتها الانتخابية.
وأتى تبني هاريس لقضية الإجهاض ثماره كما أظهرت الأداء الجيد في انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، حيث ساعدت الديمقراطيين في تحقيق نتائج أفضل مما هو متوقع في سباقات الكونغرس والسيطرة على مجلس الشيوخ.
كما أن هاريس عملت على إبراز دورها في صنع السياسة الخارجية، إذ زارت بولندا عقب الحرب الروسية على أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، وعقدت اجتماعات ثنائية في آسيا وسط تصاعد التوتر مع الصين، وشاركت في مؤتمر ميونخ للأمن العالمي. كما أن هاريس كانت حذرة في تأييد موقف إدارة بايدن المؤيد بدون شروط للعدوان الإسرائيلي على غزة.
<
div class=”longform-block”>
تسلم راية الديمقراطيين
لم تتنافس هاريس على بطاقة الحزب الديمقراطي كمترشحة لمنصب الرئاسة في انتخابات 2024. وعلى الرغم من وجود عدد من النجوم الديمقراطيين الطموحين، بالإضافة إلى مقترحات من معلقين لدعم عدد من حكام الولايات المشهورين، إلا أنها تصدرت السباق الانتخابي بلا منازع.
في 21 يوليو/تموز الماضي، اتصل بايدن بهاريس ليخبرها عن خططه للانسحاب من السباق وتأييدها كخليفة له، وفقًا لتقارير أخبارية.
وخلال 10 ساعات من ذلك اليوم، أجرت هاريس أكثر من مائة اتصال مع قادة الحزب، وأعضاء الكونغرس، وقادة الاتحادات العمالية والنشطاء. بعد بضعة أيام، حظيت بدعم جميع المنافسين المحتملين، حتى حكام الولايات، مما أظهر أنها ستقود دفة الحزب دون منازع. كما نجحت هاريس في توحيد الحزب الديمقراطي خلفها، وتعزز دعم مختلف تيارات الحزب باختيارها تيم والز، حاكم ولاية مينيسوتا، ليكون نائبها.
<
div class=”longform-block”>
ومنذ توليها قيادة الحزب الديمقراطي، استطاعت هاريس صياغة زخم كبير، رغم عدم إجراء مؤتمرات صحفية، أو إجراء مقابلات سواء مكتوبة أو مرئية. ويُتوقع أن يُعزز المؤتمر الديمقراطي خلال أربعة أيام من هذا الزخم، الذي من المنتظر أن يستمر لأيام بعد انتهاء أعمال المؤتمر في 22 أغسطس/آب 2024.
يبقى أمام هاريس تحدٍ في إثبات قدراتها كقائدة للحزب، وهو أمر صعب في ظل وجود تيارات مختلفة ضمن الحزب، لكنها مصممة على الوصول إلى المكتب البيضاوي كرئيسة للولايات المتحدة، ومواجهة الرئيس السابق ترامب في منافسة صعبة وغير متوقعة.
رابط المصدر