لماذا لم تمنع العقوبة على أسلحة أمريكية الهجوم الإسرائيلي في برفح؟

Photo of author

By العربية الآن



لماذا لم تمنع العقوبة على أسلحة أمريكية الهجوم الإسرائيلي في برفح؟

2151379443 1715602330
محاولات بايدن الجادة لكبح إسرائيل عن احتلال رفح باءت بالفشل (غيتي)
تعد جرأة الادارة الأمريكية بتعليق أو تأخير بعض الشحنات العسكرية المرسلة الى إسرائيل كخطوة ثانوية في تاريخ العلاقة بين البلدين. سابقا، فرض الرئيس رونالد ريغان قرارا مؤقتا على إمدادات من الطائرات، وفرض عقوبة لمدة 6 سنوات على مبيعات القنابل العنقودية لإسرائيل بعد ان كشف استقصاء قام به الكونغرس ان القوات الاسرائيلية استعملتها في مناطق مأهولة بالسكان خلال حرب لبنان.

وجاءت الاجراءات الامريكية بعد تحذيرات متتالية لم تتجاوب معها حكومة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وتعتبرهذه الحركة كانت بُعَثًا سياسيًا أكثر من كونها انتقالًا عمليًا، إذ تتعلق بتجميد إرسال شحنة تتضمن نوعين من القنابل، الأولى تحوي 1800 قنبلة بينما الثانية تضم 1700 قنبلة.

تم استعمال هذه القنابل من قبل إسرائيل بمصاحبة القنابل التوجيهية التي جعلتها ذكية بشكل كبير في غزة، وتسببت في مقتل آلاف الفلسطينيين، ومن بينها القنبلة التي أسقطت على المستشفى المعمداني.

ويعلم الجميع أن معظم القنابل التي أُلقيت على غزة صُنعت في أمريكا، ويؤكد خبراء الأمم المتحدة أن “قوة انفجار تلك القنابل التي استخدمها الكيان بكثافة في غزة تمزق الرئتين وتفجر الجيوب الأنفية وتقطّع الأطراف على مسافات بعيدة من موقع الانفجار”، وهذا ما أدى سابقًا إلى حدوث مشاهد مروعة للمدنيين الفلسطينيين.

رَدّ إدارة بايدن

ومن المهم التنويه إلى أن الإدارة الأميركية عادت وردت بعد سلسلة من الاعتراضات في الكونغرس نفذت بدعم من اللوبي اليهودي، وأعلنت أنها لم تتخذ قرارًا نهائيًا حتى الآن بخصوص الشحنة التي تم تجميدها، مع تأكيد مسؤولين أمريكيين أن التزامهم بأمن إسرائيل دائم وثابت.

وطلب الرئيس جو بايدن من كل الجهات والوكالات الأميركية بذل أقصى جهدها لضمان هزيمة إسرائيل لحركة المقاومة الإسلامية (حماس).

تزامنت هذه الخطوة مع تقرير صادر عن وزارة الخارجية الأميركية، بمشاركة من البنتاغون والبيت الأبيض، أكد على أن شبهات خرق القوات الإسرائيلية للقوانين الأميركية والدولية وحقوق الإنسان بواسطة استخدام الأسلحة الأميركية “ليست ثابتة”.

وفي محاولة لتجنب ادانة اسرائيل، زعم التقرير أن الإدارة الأميركية لم تجمع “المعلومات الكافية” للتحقق مما إذا استخدمت إسرائيل الأسلحة الأميركية في هذه الانتهاكات.

وعلى الرغم من أن هذا التقرير حاول تضمين الكيان، والتخفيف من قرار حظر بعض الأنواع من الأسلحة، إلا أنه يتعارض مع الاقرار الصريح للرئيس الأميركي -خلال مقابلته مع شبكة سي إن إن- بأن الاحتلال استخدم الأسلحة الأميركية لقتل المدنيين في غزة.

كما لا يتناسب هذا أيضًا مع تجاهل نتنياهو المستمر لتحذيرات الإدارة الأميركية، ومحاولات بايدن لردع إسرائيل عن اجتياح رفح، ووقف الاستهداف المكثف للمدنيين، والتجاوب مع الخطة الأميركية لما بعد الحرب، ودعم تأسيس دولة فلسطينية كخطوة سياسية لإنهاء الصراع القائم وتحقيق التطبيع.

دعم غير محدود

ولا تؤثر هذه الخطوة المحدودة على الدعم الأميركي المتواصل للاحتلال خلال حرب غزة، إذ وافقت إدارة بايدن منذ السابع من أكتوبر الماضي على أكثر من 100 صفقة أسلحة وسلمتها لإسرائيل بأوامر تنفيذية دون موافقة الكونغرس، بما في ذلك آلاف القذائف الموجّهة والصواريخ المُجهّزة بتقنيات خاصة لاختراق الدروع، ومساعدات أخرى فتاكة.

وقد وافق الكونغرس مؤخرًا على تمويل عسكري طارئ بقيمة 26 مليار دولار لإسرائيل، بالإضافة إلى المساعدة العسكرية الإستراتيجية للكيان بقيمة 3.3 مليار دولار سنويًا، و500 مليون دولار لبناء الدفاع الصاروخي.

ويظهر كل هذا أن الإدارة الأميركية، التي تدعم فعليًا الاحتلال في حربه على غزة، لن تقوم بأي إجراء يؤثر بشكل واضح على إمدادات السلاح الأميركي لإسرائيل.

ما يحدث هو محاولة من الإدارة الأميركية للسيطرة على مسار الحرب بما لا يتعارض مع مصالحها في المنطقة، ولا يُضعف من سيطرة الرئيس بايدن خلال الانتخابات الأميركية المقبلة في نوفمبر.

خلفيات وتعقيدات

تتفق الولايات المتحدة وإسرائيل على أهداف الحرب على غزة، وهي القضاء على حركة حماس واستعادة الأسرى وضمان أن يظل قطاع غزة لا يشكل تهديدًا على إسرائيل.

ولكن تجربة الحرب أظهرت فشل جيش الاحتلال في تحقيق مهمته في القضاء على حماس على الرغم من التواصل المستمر للإدارة الأميركية، حيث أصبحت الإدارة مقتنعة بأن القضاء على حماس مهمة مستحيلة.

بالتالي، ستكتفي بضعف الحركة ودمجها في إطار فلسطيني لا تكون فيه القائدة الأولى مع تسويقها وإبطال فاعلها.شدة صمودها، بحيث يُنفَّذ هذا الإجراء من خلال تمكين السلطة الوطنية الفلسطينية ودعمها، ويُطلق عليها خطة ما بعد الصراع، وعلى أن تُركز القوات الاحتلالية في الوقت الحالي على إتمام صفقة تبادل مع جماعة حماس تؤدي إلى وقف مستدام للأعمال القتالية.

وهذا يُعدّ تهيئة للمنطقة لتحقيق التطبيع، بالتوازي مع استمرار التعاون بين الاحتلال والسلطة الفلسطينية لضعف القوة العسكرية لحماس ومنعها من تشكيل تهديد كبير على إسرائيل في المستقبل، وجعل وضعها على حال المقاومة الحالية في الضفة الغربية.

ومع ذلك، لم توافق حكومة الاحتلال -بزعامة نتنياهو- مع هذه الخطة من البداية، وأصرت على استمرار التصعيد العسكري تحت شعار الانتصار الكامل الذي ينادي به نتنياهو، بدعم من التيار اليميني المتطرف.

ولذلك، تمسك نتنياهو بغزو رفح بأي ثمن، رغم تأكيد عدد من قادة الأجهزة الأمنية -بما فيهم رئيس أركان الجيش غادي آيزنكوت- بأن حماس تخطط لاستعادة قدراتها بعد كل هجوم تتعرض له، وأنه بدون التوصل لاتفاق مع سلطة بديلة لحماس، سيستمر الجيش في دوامة عمليات عسكرية غير منتهية.

ومن هنا جاء التناقض مع الإدارة الأمريكية، خاصة مع استمرار رفض حكومة الاحتلال الاستجابة لموافقة حماس على مقترح وسطاء لوقف إطلاق النار، وتنفيذ صفقة تبادل للأسرى على مراحل نالت دعم واشنطن في البداية.

رحلة إلى رفح

وبعد تقييد محدود لوصول بعض القنابل للكيان، أعلن بايدن -في مقابلة مع شبكة سي إن إن- “إذا تجاوزوا إلى رفح، فلن أزوّدهم بالأسلحة التي استخدمت سابقًا لمواجهة المدن”، مؤكدًا على أن “الولايات المتحدة ستواصل تقديم أنظمة دفاعية لتمكين إسرائيل من صدها للهجمات الصاروخيّة”.

وأضاف أنه “على استعداد لمنع تزويد بأسلحة إضافية، بما في ذلك قذائف المدفعية، إذا شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي عملية برية كبيرة في رفح”.

ومن خلال تحليل هذا التصريح، فإنه يعني أن الإدارة الأمريكية تهدد أولًا بخطوة إضافية لوقف الصواريخ الثقيلة التي ذُكرت سابقًا، حيث يتأخر قرار وصولها حتى الآن فقط، كما يهدد بايدن باتّخاذ إجراءات تصعيدية لتشمل قذائف المدفعية، وهي الخطوة التي قد تؤثر حقًا على قدرات جيش الاحتلال إذا تم تنفيذها.

ومع ذلك، يبدو أن هذه التهديدات لن تُنفّذ، نظرًا لاعتراضها في الكونغرس، وخصوصًا من جانب الجمهوريين، بالإضافة إلى عدم اتخاذ نتنياهو قرارًا بعد بشن حملة شاملة تستهدف مدينة رفح، حيث يقوم بتجزئة الهجوم إلى مراحل من أجل تجنب إثارة غضب الإدارة الأمريكية.

ويُمكن أن يكون هناك تنسيق بين الجانبين لتفادي التعارض بين سياساتهما، وربما يفسر ذلك ما ذكرته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية عن مصادر تفيد بأن الولايات المتحدة عرضت على إسرائيل “تقديم مساعدة قيّمة إذا انسحبت عن غزوها الواسع لمدينة رفح، تتضمن تقديم معلومات استخباراتية لتحديد مواقع قادة حماس والعثور على أنفاق مُخفية، وبناء مجمّعات استيطانية للفلسطينيين الذين سيتم نقلهم من رفح جنوب قطاع غزة”.

هجوم وتحديات

وهنا نُشير إلى أن المطلب الأمريكي هو تجنب هجوم واسع على رفح يتخلّله إلحاق أضرار جسيمة بالمدنيين، وتشريد نحو 1.4 مليون ساكن في المدينة، ما يؤدي إلى استثارة الرأي العام العالمي، وتزايد الاحتجاجات داخل الجناح اليساري بالحزب الديمقراطي، وتكلف الاحتجاجات الطلابية داخل الجامعات مما يؤثر على فرص بايدن الانتخابية. كما أن أي تهديد من هذا القبيل سيستعصي الحملة التي يقودها الجمهوريون والمؤيدون اليهود للضغط على قرارات بايدن.

ولكن اتمام نتنياهو بالسلطة وعدم اعتماده على المطالب الأمريكية سيستمر في خلق تناقضات مع الإدارة الأمريكية، ربما يكون راهنًا على خسارتها في الانتخابات القادمة، نظرًا لتسهيل التعامل مع ترامب، وإن كان هذا التحامل قد لا يتحقق في ظل المواقف التي أعلنها ترامب ضده.

ومع ذلك، نتنياهو نفسه لا يملك مساحة حرية كبيرة، نظرًا لمعارضة قادة الأمن، وأيضًا زعيم معسكر الدولة وعضو مجلس الحرب بيني غانتس، للاستمرار في الهجوم بهذا الوتيرة، في حين تتزايد تأثيرات تأخير النظر في صفقة التبادل، مما يهدد استقرار الحكومة.

وقد يحفز تقييد الأسلحة الأمريكية دولًا مثل ألمانيا (الثانية بعد الولايات المتحدة في التسليح) وبريطانيا على اتخاذ إجراءات مماثلة التي يمكن أن تكون كبحًا جديدًا لعنجهية نتنياهو.

على الأغلب، ستتقدم عملية رفح بصورة تدريجية، ولكن لا يزال واردًا أن يخرج نتنياهو عن المسار المحدد له أميركيًا نظرًا لكونه شخصًا مغامرًا، مما يجعل صفقة التبادل في وعهده في ضوء تطورات السياسة الداخلية في حكومته، والتحولات العلاقات مع إدارة بايدن، ومسار الهجوم في ظل المقاومة الفعّالة التي ستكلف الاحتلال ثمنًا ربما يكون باهظًا، قبل أن يقرر إنهاء العدوان.

المصدر: الجزيرة



أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.