التنوير: أهميته ومخاوف المثقفين العرب منه
تتردد في أذهان البعض فكرة أن التنوير هو مجرد فكرة فكرية ترفيهية أوجدها بعض المثقفين الأوروبيين، دون إدراك لأهميته التاريخية. يعتقد العديدون أن الغرض من التنوير هو التميز والتفاخر بين المثقفين، مما يعد تركيزاً على قضايا سطحية. ولكن في الواقع، التنوير جاء استجابةً لحاجة تاريخية ملحة كان لها تأثير كبير، خاصةً في ظل الصراعات الطائفية التي عانت منها المجتمعات الأوروبية على مدى القرون الماضية.
الحروب المذهبية وتأثيرها على التاريخ
فرنسا، مثلاً، شهدت حروبًا مذهبية قاسية، تعرضت خلالها الأقلية البروتستانتية للاضطهاد على يد الأغلبية الكاثوليكية التي حاولت استئصالها تحت مزاعم الهرطقة. وقد شدت هذه الأحداث الأنظار إلى أهمية وجود فكر تنويري يعالج هذه الانقسامات. تتجلى أهوال تلك الحروب في مجزرة سانت بارتيليمي عام 1572، والتي أسفرت عن مقتل نحو ثلاثين ألف شخص في باريس وحدها، وهو رقم يمثل مأساة في ذلك الوقت.
تصفية القادة وأهمية دور الملك
الهدف الرئيسي لمذبحة سانت بارتيليمي كان تصفية قادة الطائفة البروتستانتية، ولكنه تحول إلى قتل عشوائي للعديد من الأبرياء. الملك الكاثوليكي شارل التاسع حاول إيقاف المجزرة، ولكن الشعب الذي تأججت مشاعره بالتعصب لم يستمع إليه. هذه الأحداث تعكس قوة الغرائز الطائفية التي يمكن أن تعصف بالمجتمعات وتخرج الأمور عن السيطرة.
غياب العصبية الوطنية في العالم العربي
اليوم، عندما ينظر الفرنسيون المعاصرون إلى تلك الأحداث، يجدون أنه لم يعد هناك أثر للتعصب الطائفي. فقد تحول البروتستانتيون والكاثوليكيون إلى مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، بينما تعاني المجتمعات العربية من غياب مشابه للعصبية الوطنية الجامعية، حيث تُسيطر الانتماءات الطائفية.
الحاجة إلى فكر تنويري في العالم العربي
لا يزال العالم العربي يفتقر إلى فكر تنويري قادر على معالجة العصبيات الطائفية. لم يظهر حتى الآن فلاسفة مثل فولتير أو كانط في السياق العربي، مما يساهم في استمرار الهيمنة الطائفية على عقول الناس. التعصب الذي يوجه من قبل بعض المثقفين أو أشباه المثقفين يحد من إمكانية تحقيق التغيير.
الدافع وراء ظهور فلاسفة الأنوار
تأسست حركة التنوير كرد فعل على العنف والتعصب الذي شهدته أوروبا، حيث تم النظر إلى المجازر كأعمال تنفر من الدين، بينما تعكس فهماً أعمق للدين يتجاوز الطائفية. ما يزال هذا الفهم غير مستوعب في العالم العربي، مما يعيق مسيرة التقدم الفكري.
الخاتمة
إن التحولات الفكرية التي شهدتها المسيحية الأوروبية بفعل فلاسفة الأنوار كانت نتيجة سنوات عديدة من التعصب، ومن الضروري أن يسعى العالم العربي إلى استنباط فكر تنويري يعزز من قيم الوحدة والمساواة. بالعمل على ذلك، يمكن التغلب على الانقسامات الطائفية وإيجاد سبل جديدة للتعايش السلمي.
[featured_image]
رابط المصدر