بالفيديو.. مأساة ياسمين وطفلتيها الكفيفات من داخل مقبرة بغزة
كما تعرضت عائلتها لدخول القوات الإسرائيلية التي دمرت منزلهم في بلدة بني سهيلا شرقي خان يونس قبل أشهر. نزحوا إلى مدينة رفح المجاورة، لكنهم غادروها بسبب عملية عسكرية واسعة لا تزال جارية منذ مايو/أيار الماضي.
وعادت ياسمين إلى منطقتها ولكنها لم تتمكن من الإقامة طويلاً، حيث دمرت آليات الاحتلال خيمتها مجدداً. تروي ياسمين كيف نجت وأسرتها بأعجوبة، حيث تقول: “نجونا بأجسادنا ولم نأخذ معنا شيئاً، وأحرق الاحتلال الخيمة”.
تحديات الحياة في المقبرة
لنحو 12 يوماً، لم تجد ياسمين وعائلتها مأوى سوى شارع مجاور لمقبرة “النمساوي”، وهي فترة قاسية حيث عانت من عدم الأمان والطعام والماء.
وبفضل تبرع من فريق إغاثي يُدعى “إسناد الخير”، حصلت على خيمة، لكن سرعان ما تحول شعورها بالراحة إلى رعب عندما علمت أنه لا مكان لإقامة الخيمة سوى داخل المقبرة، حيث تعيش هذه المقبرة وسط منطقة المواصي الساحلية المتكدسة بمئات الآلاف من النازحين.
تقيم ياسمين مع عائلتها في هذه الظروف الصعبة منذ خمسة أشهر، لكنها لم تتخلص من الخوف الذي يلازمها باستمرار، لا سيما عند حلول المساء. تقول: “أخشى على نفسي، لكن خشيتي على بناتي أكبر”. وقد زاد خوفها بعد حادثة عندما تسلل ثعبان صغير إلى خيمتهم وتمكن زوجها من قتله.
وُلِدت ياسمين كفيفة مثل والدها واثنين من شقيقاتها وأحد أشقائها. تزوجت من ابن عمها سمير (28 عاماً) وأنجبت طفلتيها الكفيفتين، روان (4 سنوات) وتهاني (عامان). وتقوم ياسمين بتقييد حركتهما حرصاً على سلامتهما، حيث تجلسهما إلى جانبها داخل الخيمة بمجرد حلول الليل.
تتحمل الأسرة ظروفاً قاسية مع انتشار الذباب والحشرات المزعجة خلال اليوم. وتقول ياسمين: “نجونا من الحية، وفي الليل يزداد الخوف بسبب نباح الكلاب والطائرات التي تحلق فوقنا وأصوات الانفجارات”.
حياة بائسة
خلال الأشهر الخمسة الماضية، أصبحت ياسمين وطفلتاها على دراية بمحيط المقبرة التي يسكنون فيها، حيث نسجت علاقات مع جيرانها في الخيام المجاورة. يبدأ يومها مبكراً، فتستيقظ لأداء صلاة الفجر ثم تتفرغ لرعاية طفليها. في المقابل، ينطلق زوجها صباحاً لجمع الورق والبلاستيك وكل ما يمكن استخدامه كوقود للنار، حيث لا يتوفر لديهم غاز للطهي ولا يمتلكون سوى القليل من أواني المطبخ.
تعبر ظروف حياتهم عن نفسها في خيمتهم البسيطة، التي تفتقر إلى وسائل الحماية من برد الشتاء، إذ يقتصر الأثاث على عدد قليل من الفراش والأغطية. إحدى زوايا الخيمة مخصصة لإشعال النار، بينما تُستخدم أخرى كمرحاض لغسل الأواني والملابس القليلة.
على الرغم من هذه الظروف الصعبة، تجد ياسمين الوقت لتعليم طفلتيها جزءًا من القرآن الكريم، مستفيدة من مؤهلاتها الأكاديمية في تخصص تربية الطفل. وتقول بثقة “أمي رحمها الله علمتني كيف أواجه المجتمع، وأريد لبناتي أن يتجاوزا حدود الإعاقة”.
تشيد ياسمين بجهود زوجها سمير، مشيرة إلى أنه “هو سندي بعد رب العالمين، يسعى لتوفير الرزق ويساعدني في الطبخ والغسيل والعناية بالفتيات”.
قبل الحرب، كان سمير يعمل في جمع البلاستيك والمعادن من الشوارع ومكبّات النفايات، ويوضح أنه كان يحقق حوالي 20 شيكلا (حوالي 6 دولارات) يوميًا، لكن عمله توقف بسبب المخاطر في المناطق القريبة من السياج الأمني الإسرائيلي. حالياً، يقتصر عمله على جمع ما يحتاجونه لإشعال النار وطهي بعض الأطعمة، والتي غالباً ما تكون من المعلبات، حيث لم يتناولوا اللحم والخضار والفواكه منذ أشهر بسبب نقصها في الأسواق وارتفاع أسعارها.
إسناد الخير
يقول محمد شبير، مؤسس “فريق إسناد الخير”، إن عائلة أبو جاموس تتميز بخصوصيتها بسبب كون الأم وطفلتيها كفيفات، فقد كانت تعيش في الشارع قبل أن توفر لهم هذه الخيمة، “ولم نجد لها سوى هذه المساحة داخل المقبرة للإقامة فيها”.
يشرف فريق إسناد الخير على مئات الخيام التي تأوي الأسر النازحة من مناطق مختلفة، والتي لم تجد مكاناً لتستقر فيه سوى قرب الأموات. وقد أسس شبير، البالغ من العمر 33 سنة، فريقاً يضم 20 متطوعًا من الشباب والفتيات لتنظيم هذه الخيام العشوائية وتلبية احتياجاتها الأساسية.
يشعر الفريق بشح المساعدات الإنسانية بسبب القيود الإسرائيلية، ويؤكد شبير أن معظم العائلات النازحة تعيش أوضاعًا مأساوية وتحتاج للدعم والمساندة. ويقول: “هذه المقبرة هي عالم الأموات، لكننا في غزة نعيش بجوارهم منتظرين مصيرنا المجهول، والغالبية تعاني من ضيق الحال والمجاعة”.