ماذا ينوون طُلاب نيويورك فعله بعد تفكيك تجمعاتهم المناصرة لغزة؟
كانت هذه المدينة النابضة بالحياة، مركز اندلاع الاحتجاجات في العديد من الولايات الأمريكية، وبلدان أخرى.
وفي الأيام الأخيرة، شهدت المدينة هدوءاً نسبياً بعد تفكيك شرطة نيويورك لآخر التجمعات التي كانت تجري فيها، واعتقالكثير من منظميها قاموا باستدعاء إغلاق مباني عدة جامعات بناءً على طلبات إداراتها لمنع تكرار الاحتجاجات داخل حدودها، وتم تعزيز الأمن عند مداخلها محاطًا بالأسوار.
جو هادئ نسبيًا
يثير هذا الهدوء النسبي تساؤلات حول اختيارات الطلاب المقبلين في مواجهة إجراءات إدارات جامعاتهم وشرطة المدينة. وللرد على هذه التساؤلات، التقت الجزيرة نت مجموعة من الطلاب الذين قادوا التظاهرات والاحتجاجات في عدد من جامعات نيويورك.
أبدى هؤلاء الطلاب رغبتهم في عدم الكشف عن هوياتهم لأسباب تتعلق بالاعتقالات المتكررة والمحاكمات المنتظرة وتوقف بعضهم عن الدراسة في الجامعة.
يقول أحد أعضاء الفريق المنظم للاحتجاج في جامعة كولومبيا، الذي تم اعتقاله مرتين منذ أكتوبر الماضي، إنه ينبغي تقييم الأمور بعناية بعد انحسار حدة التظاهرات ليكون التحليل دقيقًا وصحيحًا.
ويضيف أنهم يعيدون التأكيد على صعوبة تحقيق مطالبهم، بسبب “ارتباط بعض أعضاء مجلس أمناء الجامعة باللوبي الإسرائيلي، وامتلاك بعضهم أسهمًا في شركات تقدم تكنولوجيا عسكرية لجيش الاحتلال”.
وبناءً على ذلك، يروي المتحدث أنهم اتخذوا خطوة للاحتجاز على مبنى هاملتون وتسميته “بمبنى هند” تيمنًا بالطفلة الفلسطينية هند رجب التي قتلها جيش الاحتلال في غزة. ويشدد على أنهم يتعرضون للضغط ويشعرون بالتهديد بدلاً من الأمان، على الرغم المزاعم الكاذبة التي يروجها الآخرون.
وبشكل مختلف عن ما تدعيه الجامعة بشأن عرض حياة الطلاب للخطر، كانت التجمعات تتعرض للتهديد والاضطهاد من قبل الجهات الرسمية، بحسب تصريحه.
أهداف الحركة
يعبر عضو آخر من الفريق نفسه الذي اعتقل اثر احتجاجه داخل جامعة كولومبيا وينتظر جلسة المحكمة في مايو الجاري، عن رأيه بأن كشف الانحياز القائم والعنف من قبل النخب يظهر الوجه الحقيقي للعالم.
ويعتبر استدعاء شرطة نيويورك من قبل الجامعة وذكر مواجهات الاعتصام السلمي بالعنف شيئًا غير مسبوق، والانحياز الواضح للشرطة والأجهزة الأمنية في ولايات أخرى تجاه الطلاب غير المسلحين، يكشف – بتعبيره – مدى الجهد الذي يتعين بذله ليبقوا بعيدين عن “كونهم أسرى لأجهزة تخالف مصالحها عندما يساورها النزاع”.
أحد المسارات الهامة التي يتابعها الطلاب بعد انهاء التظاهرات بالقوة، هي تجهيز ملفات قانونية لتقديمها لجهات مختصة، كدعاوى قانونية موجهة ضد الجامعة وشرطة نيويورك. وهذا الإجراء قد أثر في التشريعات سابقًا وأدى لتحمل الجهات العامة لعواقبه، كما حدث في حركة “حياة السود مهمة”.
ووفقًا لمحام من المدافعين عن الطلبة، فإنهم يقومون حاليًا بجمع شواهد مرئية لفض الاعتصامات التي شارك فيها الطلاب، كدليل على التصعيد غير المبرر الذي تعرضوا له والانحياز المنظم تجاه التظاهرات السلمية.
وتعد إحدى الخطوات الأساسية حماية الطلاب الوافدين المهددين بالترحيل من قبل سلطات بعض الولايات، وتوفير سكن للطلاب الذين تضرروا من الخدمات الجامعية بسبب مشاركتهم في التظاهرات والاحتجاجات، وهذه إجراءات تعسفية، وفقًا لفريق الطلاب وممثليهم القانونيين الذين يعتزمون رفع دعاوى قانونية ضد الجامعة.
طرق مبتكرة
يتفق الفريق الطلابي الذي التقى معه الجزيرة نت على أن الهدف الأساسي لم يكن فقط الاحتجاج لأغراض التظاهر أو التخريب، بل لإنهاء الصمت والدعم الهيكلي المساهم في جرائم الإبادة التي تحدث أمام أعين العالم. لهذا، لا يحمل الهدوء النسبي أي فائدة بالنسبة لهم، لأن التظاهرات والهتافات هي وسيلة يستخدمونها لتحقيق أهدافهم.
وتؤكد إحدى المتحدثات للجزيرة نت -التي تعرضت للاعتقال خلال التظاهرات الأولى في جامعة كولمبيا- “إن إدارة الجامعة كانت تتعامل معنا كأننا أطفال، مما يثير السخرية”.لسنا على علم بأفعالنا، لكننا مدركون لما نقوم به، ونتوقع تداعياتها”، معربة عن رأيها “قد تغافل إدارتنا عن حقيقة أننا من العقول البراقة في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وأنّنا نفكر بعناية قبل اتخاذ خطوتنا التالية”.
رفض الطلاب الكشف بالتفصيل عن خططهم القادمة بسبب طابع الضرورة الزمنية، ولكنهم أكدوا أن التحرك الذي شمل 500 طالب يتوجهون إلى منزل رئيسة جامعة كولومبيا، نعمت شفيق، في منتصف الليل ويقومون بالتظاهر أمام منزلها، ليس سوى مثال بسيط على إصرارهم وأفكارهم التي “لن تنضب”.
توجهوا أيضا إلى منازل عدد من أعضاء مجلس أمناء الجامعة في ساعات الصباح الباكر وهم متصلون بشركات تؤيد الحرب الجارية على غزة وقموا بالتظاهر أمامها.
يقول أحد زعماء الاحتجاجات من الخريجين من الجامعة لشبكة الجزيرة “حتى إذا أغلقت الشرطة أبواب الجامعات أمامنا، سيجدوننا في كل مكان”. مؤكدا وعيهم بكل التحديات التي يواجهونها، وبالحملات السامية التي تستهدفهم، والأضرار التي لحقت بالعديد منهم، “لكن كل ذلك لا يضاهي قضية شعب غزة”.
وأكد فريق تنظيم الاعتصام داخل الجامعة أن “الصبر والثبات” في مواجهة القسوة التي واجهوها هي الأساس الذي سيعتمدون عليه. تقول إحدى الطالبات -عضوة سابقة في الفريق- إن “الصراعات السياسية هي صراعات عقول، ونحن نحقق تقدما، بينما يتراجعون”.
وليس شرطا أن تحقق الفريق جميع مطالبهم في هذا اليوم، لكن هذا الحراك يتسارع يوما بعد يوم، وينال تأييدا ودعما متزايدين، وهذا أمر ذو أهمية كبيرة، تضيف الطالبة.
وترى أن الأمر الأهم بالنسبة لهم، هو وقف العدوان على الفلسطينيين، وأن يلعبوا دورا حتى وإن كان بسيطا في دفع الرأي العام نحو مؤسسات وحكومة الولايات المتحدة، “التي نراها شريكا أساسيا في هذه الجريمة”، وفق قولها.