ما بعد استشهاد السنوار.. هل تنتهي الحرب على غزة قريبا؟
“التحق لواء غفعاتي بالفرقة 162 في إطار توسيع العملية العسكرية في جباليا”
هذا الإعلان العسكري من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي لم يتم في بداية الحرب على غزة، بل صدر بعد أكثر من عام من اندلاعها، وتحديداً في صباح اليوم التالي للإعلان عن مقتل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، يحيى السنوار، خلال اشتباك في منطقة تل السلطان برفح.
موت السنوار أسقط الشائعات الإسرائيلية التي كانت تقول إنه كان يحتمي بعشرات الأسرى في أنفاق تحت الأرض، حيث أظهر شجاعة غير متوقعة من خلال قتال الاحتلال وجهًا لوجه في منطقة يُعتبرها جيش الاحتلال منطقة عسكرية مغلقة.
استمرار المواجهة العسكرية
على الرغم من مقتل السنوار، فإن الإعلان عن توسيع العملية العسكرية في جباليا ينفي الفكرة السائدة بأن شهادة السنوار تعني نهاية العدوان على غزة. هذا يبرز الأهمية الكبيرة للهجوم في جباليا، الذي أصبح أولوية للجيش الإسرائيلي بعد رحيل المطلوب الأول له.
استراتيجية الحرب والتحضيرات العسكرية
مع اندلاع “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر 2023، شكل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، حكومة حرب وجند 360 ألف جندي من الاحتياط للانضمام إلى 169 ألف جندي نظامي، حيث تم اتخاذ قرار بشن حرب شاملة بعد انهيار الاستراتيجيات السابقة التي اتبعتها إسرائيل ضد غزة منذ استيلاء حماس على السلطة عام 2007.
استندت تلك الاستراتيجيات إلى إضعاف حركة حماس بدلاً من القضاء عليها، بهدف prolonging periods بين المواجهات وتعزيز الانقسام بين الحركة والسلطة الفلسطينية للتملص من تنفيذ اتفاقيات أوسلو.
أطلق الاحتلال الإسرائيلي عملية عسكرية تحت اسم “السيوف الحديدية”، وقد حددت ثلاثة أهداف رئيسية: القضاء على حكم حماس في غزة، وتفكيك القدرات العسكرية للفصائل المقاومة، والإفراج عن الأسرى الإسرائيليين.
اعتمدت المرحلة الأولى من الحملة العسكرية على قصف جوي غير مسبوق بهدف تدمير كافة هياكل المقاومة، مما أدى إلى دمار هائل في المؤسسات الاجتماعية والمرافق الحكومية. ترافق ذلك مع حصار خانق للقطاع، مما زاد من معاناة السكان.
بعد الإعلان عن وقف مؤقت في نوفمبر 2023 لبدء صفقة تبادل الأسرى، استؤنفت الهجمات على قطاع غزة مرة أخرى.
استمرار المقاومة
في ظل الفارق العسكري الكبير، كانت كتائب القسام وفصائل المقاومة تتبع منهج القتال عبر تشكيلات صغيرة، مما أدى إلى تكتيكات استنزاف فعالة ضد القوات الإسرائيلية. وهذا أسفر عن اضطرار جيش الاحتلال للقيام بعمليات عسكرية جديدة في المناطق التي اعتقد أنه قد طهرها.
توجه الاحتلال نحو القضاء على حكم حماس في غزة
يسعى الاحتلال الإسرائيلي جاهداً إلى إلغاء أي مظاهر لحكم حماس في غزة، حيث يُعتبر توزيع المساعدات الإنسانية أبرز دليل على قدرة حماس على إدارة القطاع في أوقات الأزمات. وفي هذا السياق، أقدمت السلطات الإسرائيلية في فبراير/شباط 2024 على السماح لدول عربية وغربية ببدء عمليات إنزال جوي مباشره لهذه المساعدات، غير أن هذه العمليات توقفت بسبب ضآلة حجم المساعدات وارتفاع تكلفتها، بالإضافة إلى تسببها في إصابات جراء سقوطها على رؤوس النازحين.
محاولات استمالة العشائر والوقف الأمريكي
حاول الاحتلال استمالة بعض العشائر والعائلات للتنسيق مع الأجهزة الأمنية في إدخال وتوزيع المساعدات، إلا أن هذه الجهود باءت بالفشل، حيث اشترط وجهاء العشائر التنسيق أولاً مع السلطات الأمنية في غزة. في مارس/آذار الماضي، بدأ الجيش الأمريكي ببناء رصيف بحري عائم في شمال القطاع، يدعي أنه سيوفر مليوني وجبة يومياً عند اكتماله، ولكن سرعان ما فشل هذا المشروع وتم التخلي عنه.
فشل الاحتلال في تحقيق الأهداف العسكرية
يتجلى الفشل العسكري للاحتلال في العمليات المتكررة على غزة، حيث يقوم بشن هجمات ثم الانسحاب، وتعود مجموعات المقاومة للظهور مجدداً. وقد برزت خطة جديدة وضعها الجنرال غيورا آيلاند، المستشار السابق للأمن القومي الإسرائيلي، حيث أشار في تصريحات له قرب اندلاع أزمة الأقصى إلى ضرورة محاصرة غزة بشكل كامل.
أفكار آيلاند وتطبيقاتها
استندت أفكار آيلاند على تصريحات حول عدم قدرة إسرائيل على تزويد خصمها بالمؤن أو الإمدادات أثناء الحرب. ومع مرور الوقت، طور آيلاند خطته إلى فرض حصار على شمال غزة، حيث أقر بفشل الجيش في تحقيق الأهداف المعلنة للحرب والضغط العسكري على حماس لإطلاق سراح الأسرى.
تضمنت خطته تجويع سكان شمال غزة حتى الموت بعد إعطائهم مهلة أسبوع لمغادرة مناطقهم، مع منع إدخال كل من الماء والغذاء والوقود. وقدر آيلاند عدد السكان في شمال القطاع بنحو 300 ألف شخص.
بعد هذه المهلة، اعتبر أن الخيارات المتبقية للسكان إما الموت أو الاستسلام، وأطلق على خطته اسم “خطة الجنرالات”.
أنباء عن دعم الحكومة الإسرائيلية للخطة
بحسب تسريبات، صدّق كل من رئيس الوزراء نتنياهو ووزير الدفاع غالانت على تنفيذ عمليات في غزة وفق خطة الجنرالات، التي تركزت حول حصار شمال القطاع وإيقاف مساعدات الإغاثة. في حال نجاح هذه الخطة، تتجهزلإمكانية تطبيقها في مناطق أخرى من غزة.
بداية العمليات العسكرية من جباليا
بدأ الاحتلال في الذكرى الأولى لطوفان الأقصى، بتنفيذ عملية عسكرية في مخيم جباليا عبر الفرقة 162، ساعياً إلى اتباع الإجراءات المتماشية مع خطة الجنرالات، رغم محاولة من قبل الإعلام للادعاء بعدم تنفيذ حصار شامل على شمال غزة.
جاءت هذه الخطوات في ظل معارضة من الإدارة الأمريكية، حيث أعطت الحكومة الأمريكية مهلة شهر لحكومة نتنياهو لتحسين إدخال المساعدات، وتمكنت القوات من فرض حصار مشدد، مما أسفر عن وقوع العديد من الضحايا.
جوانب استراتيجية للمخيم في الصراع
يعتبر مخيم جباليا أحد أكبر المخيمات في غزة، حيث عاش فيه نحو 116 ألف شخص. وقد كانت له دور كبير في الانتفاضة الأولى ولعب عدداً من قادة المقاومة دوراً بارزاً فيه. وسعت القوات خلال الحرب الحالية إلى تنفيذ عمليات عسكرية في المخيم لكن تكبدت خسائر كبيرة في المعدات.
انتقادات داخلية لنقص الفعالية
على الرغم من القسوة والعنف المستخدمين في الهجوم على جباليا، ظهرت انتقادات داخل إسرائيل نفسها تجاه خطة الجنرالات، حيث تراودت شكوك حول قدرتها على الاعتناء بالأهداف الرئيسية، وطرحت تساؤلات حول كفاءتها في تحقيق استعادة الأسرى.
### مأساة سكان شمال غزة
تشير التقارير إلى أن قلة من السكان يواجهون ظروف مأساوية في شمال غزة، حيث يعانون من نقص حاد في الطعام والشراب. ومن المتوقع أن يختار عدد كبير من هؤلاء السكان البقاء في شمال القطاع، متجنبين معاناة النزوح إلى جنوب غزة، الذي يعج بالنازحين.
### القلق الدولي من تصعيد الحصار
تحذر بعض الدوائر من أن حصار المدنيين قد يؤدي إلى تفاقم الشرعية الدولية لإسرائيل، مما يعرض قادتها لمزيد من الاتهامات بما يتعلق بتنفيذ إبادة جماعية، وقد يزيد من احتمالات صدور أوامر اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية ضد نتنياهو وغالانت. كما ينذر هذا الوضع بمزيد من الضغوط على واشنطن، التي تقدم مساعدات عسكرية وسياسية لإسرائيل.
### غياب الحلول السياسية
النقد الأكبر يتجه نحو خطط الجنرالات الإسرائيلية، حيث تعاني من نقص الحلول السياسية القابلة للتطبيق، مما يجعل من الصعب تكوين قيادة بديلة لحركة حماس في غزة. وفي حال نجحت هذه الخطط، فمن المحتمل أن تنتج عنها سيطرة عسكرية إسرائيلية، مما يزيد من التحديات الاقتصادية والأمنية للاحتلال، وينعكس سلبًا على الوضع العام في المنطقة.
### الأبعاد التاريخية للحرب
عند النظر إلى التصريحات التي أدلى بها عضو الكنيست الإسرائيلي عوفر شيلح، نجد أن تاريخ الأمن الإسرائيل يتميز بسلسلة من النجاحات العسكرية التي أدت إلى طمع متزايد في تحقيق المزيد. ويستشهد شيلح بفشل المفاوضات الدبلوماسية عقب حرب 1967، مما أدى في النهاية إلى اندلاع حرب 1973.
### استغلال الأحداث لمزيد من التصعيد
تتجه الحكومة الإسرائيلية نحو توسيع العمليات العسكرية في غزة، مستغلة ما تعتبره إنجازات. وتهدف إلى خلق واقع جديد في المنطقة، كما تعزز هذا الاتجاه من خلال تصعيد العمليات العسكرية في لبنان وتوجيه ضربات ضد إيران، بهدف تقويض المقاومة في غزة.
### دروس من التاريخ
بغض النظر عن العمليات العسكرية الناجحة، يؤكد التاريخ أن إنجازات إسرائيل غالباً ما تقودها إلى خسائر لاحقة. فحصار بيروت عام 1982 لم يجلب الأمن، بل أسس لحزب الله الذي لا يزال مصدراً للإزعاج. كما أن الحملة العسكرية على مخيم جنين خلال الانتفاضة الثانية لم تمنع تحوله لاحقًا إلى معقل للمقاومة.
وتبقى الحقيقة هي أن إسرائيل تعيش في بيئة محيطة أكبر منها، ورغم الدعم الغربي المستمر، لم تتمكن من تحقيق الأمن الدائم منذ نشأتها عام 1948.
### الاستمرار في الصراع
عمليات الاغتيال، مثل تلك التي استهدفت قيادات في حماس، لن تنهي الصراع، إذ إن تاريخ القضية الفلسطينية يطغى عليه استشهاد القادة. لذا، فإن الحصار أو التهجير في شمال غزة لن يضمن لإسرائيل الأمن، كما أن مقتل القيادات لن يقدم حلاً دائمًا للمشاكل التي تواجهها.