ما هو الكشف الناتج عن حرب غزة؟

Photo of author

By العربية الآن



ما هو الكشف الناتج عن حرب غزة؟

70% من مساكن غزة تعرضت للتدمير الكلي والجزئي ولم تعد صالحة للسكن-رائد موسى-رفح-الجزيرة نت
عدم وجود القدرة الإسرائيلية على التقدم في القتل والدمار وتمديد الصراع دون الدعم العربي المهمل (الجزيرة)
تم الكشف في اليوم عن العديد من الحقائق نتيجة الصراع الحاصل في غزة، مما يتطلب من العقلاء والمتابعين الوقوف عندها والتأمل في نتائجها والسياقات التي تحيط بها، بل المزيد من الفضائح.

إن الصراع الحالي في غزة لا يتم بين الشعب الفلسطيني الممتلك للتاريخ والأرض، وبين الاحتلال الإسرائيلي والعدواني، فهو ليس كأي حرب تقليدية، ولا يمثل صراعًا إقليميًا بين دولتين، بل هو صراع بين قيم مختلفة تحمل إرثًا تاريخيًا، ومنطق يعود عبر الزمان، إنها ملحمة تجاوزت الحدود الجغرافية للاتحاد الحضاري والاصطدامات، وهذا يقودنا إلى المنهج أو النظرية التي طرحها صمويل في كتابه “الصراع”。

الحضارات

حدث في هذا الصراع استخدام كافة الوسائل القتالية إلا النووية حتى الآن. بالرغم من المطالبات التي ترددت في إسرائيل بضرورة استخدامه، إلا أن الركائز التقليدية استُخدمت كأهم الأسلحة التي تتمكن من تحريض وإندماج الجماهير، بالإضافة إلى دخول عالم “وسائل التواصل الاجتماعي” الذي أصبح بديلًا حقيقيًا عن الإعلام التقليدي.

هذه الورقة تمكّنت من تحفيز التطويق وتحريف التاريخ وتغيير الحقائق واستخدام النصوص الدينية لتحقيق أهداف سياسية. نجدها تقوم بصقل هذا السلاح، بالإضافة إلى الأسلحة الثقافية وغيرها، تلك الأسلحة التي تُعطي طابعًا حضاريًّا للصراع الذي يدور في المنطقة والواقع العسكري في قطاع غزة.

ورغم أنه في الأساس لا يقتصر على غزة، إذ توسّع وتغلغل في مجالات أخرى، حيث نرى أن انتفاضة الطلاب تعتبر جزءًا من هذا الصراع بين واقع القمع وواقع الحرية. فقد تحوّل السابع من أكتوبر إلى حدث تأريخي يشبه الصدمة الحضارية التي شكلت نوعًا من الوعي التراكمي الذي تغير مع الزمن من فعل نظري وثقافي إلى فعل تطبيقي تنفيذي من خلال النشاط الطلابي، والذي سيلقى أثرًا في الساحة السياسية على الرغم من كونه محدودًا حتى الآن.

عند إلقاء نظرة على طبيعة الصراع من جديد، نجد أنه توسّعت حتى حدود الهاوية سياسيًا وترجمت من خلال الرسائل العسكرية بين إيران وإسرائيل تحت إشراف الوسيط الأمريكي، كما توسّع فلسفيًا إلى حد تهافت القيم الغربية التي يُدّعى تفوّقها ديمقراطيًّا وليبراليًّا على باقي العالم

المنطقة الشرقية والموقع الاستراتيجي

إذا نظرنا إلى الحرب الجارية بين الروس والأوكران، ندرك أن تلك الحرب لم تكن لها نفس الأثر في النظام العالمي كما حدث في غزة، على الرغم من صغر حجم هذه المنطقة مقارنة بأوكرانيا، إلا أن موقعها الجغرافي حسّاس، خاصة بعد إطلاق مشروع طريق الهند الاقتصادي.

إن الموقع الجيوسياسي لمنطقة الشرق الأوسط يعتبر ذو أهمية كبيرة، حيث يمثل ميزانًا سياسيًا واستراتيجيًا لقلب العالم وأمته المحايدة التي تحتل وسط العالم، حتى أن الله سبحانه وتعالى ذكر هذا الموقع في سورة الروم، حيث جاء: “غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ”. بالتالي، يتمحور الصراع الحضاري منذ بداية تاريخ البشرية معظمه في هذا الموقع الجغرافي، ومفهوم الأمة المحايدة من الناحية الجيوسياسية وخاصة الجيوبوليتيكية يشير إلى أنها تقع في قلب العالم وتعتبر قلب العالم كما رأى كيسنجر.

الخلل الحضاري الناتج

وفي سياق الصراع مرة أخرى، نرى أنه اتسع إلى حدود الشلل من الناحية السياسية وعكستها في رسائل ما بين إيران وإسرائيل برعاية الوسيط الأمريكي، وامتد أيضًا فلسفيًا إلى حد تدهور القيم الغربية التي ادعت دائمًا تفوقها ديمقراطيًا وليبراليًا على بقية العالم. بيد أن تلك التصريحات اهتزت بعد ظهور مطالب بوقف التصعيد، وفي ظل هذه الانقسامات المتزايدة نشهد صمتًا مريبًا في الوسط العربي، ويعزى هذا الصمت إلى الخلل الحضاري الحاصل الذي أدى إلى تشكيل منطقتين وخيارين في المنطقة دون خيار ثالث.

الخيار الأول هو المعسكر المقاوم الذي يتبنى شعار المقاومة ومواجهة الاستبداد الغربي، بينما الخيار الثاني هو المشروع الغربي وقيمه المدافعة التي تدعم النظام الإسرائيلي. وأمام هذه الخيارات القليلة التي لا تحتمل تقديم خيار ثالث، نشهد انقسامًا وتنافسًا في الفكر بين الانضمام إلى المعسكر الأول أو المشروع الثاني.

لو لم يكن هناك الغياب العربي الفادح، لما تجرأت القوة الإسرائيلية على التفاقم في القتل والتدمير وإطالة الحرب؛ أما التوسّع الإيراني في المنطقة، فهو نتيجة واقعية وحتمية، إذ تتبنى إيران سياسة تصدير الثورة إلى جيرانها الإقليميين

العسر الفكري العربي

عند تحليل هذا الاستسلام وتبريره أو تفسيره، نجد أن الأسباب التي أدت إلى سيطرة هذا الاستسلام تستند على فكرة العسر العقلي والفكري العربي الذي لم ينجح في تحرير نفسه وابتكار خيار مناسب له غير متوفر في الساحة السياسية الحالية.

تظهر العديد من الأمثلة التي تدل على العسر هذا؛ على سبيل المثال، كيفية تفسير طبيعة العلاقة بين إيران وأمريكا. ونظرًا لهذا العسر الحاصل، قام العقل العربي بتفسير علاقة المشاركة بينهما على أنها شراكة وتعاون، مما يُظهر تراجعًا غير مسبوق في الوعي السياسي لدى الطبقات النخبوية، السياسية والثقافية، نتيجة لأن التفسير الحالي غير منطقي نظرًا لأن العلاقة المتبادلة بينهما تتغير تبعًا للمصالح في بعض المناطق، وتتعارض في مناطق أخرى، وهذا هو جوهر العلاقات الدولية.

وقع هذا الخلل الذي حدث دفع العقل العربي للاعتماد على المشاعر في تحليل المسائل بدلاً من العقل السياسي الذي يملك القدرة على التفكيك والتحليل.

هذا النزاع يمثل فرصة تاريخية للجانب العربي لاستعادة مكانته التاريخية والسياسية والعودة إلى المسرح الحضاري، لكنه رفض الاندماج في الحدث وبقي خارج المعادلة التاريخية والحضارية. هذا الصراع ليس كأي صراعات سابقة حول الأراضي الفلسطينية، وهو ما أكده الرئيس بايدن قبل 7 أكتوبر.

الصراع بين الإيراني والكتلة الغربية على الأراضي العربية هو صراع بين جانبين على أرض طرف ثالث يبقى متفرجًا لا يمتلك أي صلة بهذا الصراع إلا أنه دخل في المعسكر، دون أن تعبّر مصالحه الاستراتيجية على الإطلاق. هذا الغياب أدى إلى الضرورة الإنضمام إلى التكتلات الموجودة، تنفيذًا للقاعدة الأساسية التي تقول إن الفراغ لا يُسمح به في الطبيعة.

القوة الإسرائيلية لم تكن ستتجرأ على التمادي في القتل والدمار وإطالة الحرب لولا الغياب العربي المميت. أما التوسع الإيراني في المنطقة، فهو نتيجة طبيعية وحتمية، حيث قامت إيران منذ ثورة الخميني، على فكرة تصدير الثورة إلى جوارها الإقليمي، ونجحت في ذلك لعدم قدوم الجانب العربي برؤية حضارية تستطيع مواجهة المشاريع المحيطة وملء الفراغ.

الطرفان المتصارعان هما دولتان استعماريتان لكل منهما رؤيتها الاستعمارية، حيث تقيم مصالحهما على تقسيم المنطقة واعتبار العرب عدوًا مشتركًا. ورغم تصادمهما، يتنافسان على تقسيم الكعكة، بينما تبقى النخبة العربية متفرجة ووضعها يشبه وضع أمراء الطوائف في فترة الأندلس.

طلاب الغرب خرجوا في العاصمة العالمية (الولايات المتحدة الأميركية) بدعم كامل للدولة الصهيونية، وواجهوا القيود بشجاعة من السلطات الجامعية والشرطة، دون الالتفات لأحد. بينما لم نشهد حراكًا مماثلا في المنطقة العربية، مع وجود ترابط ثقافي وديني وجغرافي وتاريخي، وهو ما يشير إلى الحالة المأساوية التي وصلت إليها الحشود العربية.

نحن محاصرون بين فكي كماشة، الأول ينشغل بالطائفية في حول الهلال الخصيب كمركز عربي حضاري متقدم، بينما الثاني حول الاستهلاك وفقدان الإنتاجية. يجب أن نستوحي من النموذج الأوروبي بعد الحرب العالمية الثانية، حيث نجحت أوروبا منهكة ومدمرة في الخروج من الأزمة وإنشاء تكتل سياسي واقتصادي موحد، الاتحاد الأوروبي. يكمن الحل في التكامل الاقتصادي أولاً، حتى يصبح للمجتمع العربي القدرة على التأثير في المشهد العالمي والحضاري.

هذه الآراء هي وجهة نظر الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر قناة الجزيرة.

أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.