ما موضع برنامج إيران النووي في عقيدتها الدفاعية؟
طهران- بالرغم من إصرار إيران على أن برنامجها النووي سلمي بالكامل، تعتبر سياساتها النووية من القضايا الأكثر إثارة للجدل في الشرق الأوسط والعالم. يُعتبر البرنامج النووي جزءًا أساسيًا من العقيدة الدفاعية الإيرانية، حيث يهدف إلى تحقيق أهداف تتعلق بالأمن القومي، السيادة، والردع، ضمن معادلة القوة والتوازن الإقليمي.
يدرك قادة إيران أن برنامجهم النووي يمنحهم وسيلة ضغط استراتيجية داخليًا وخارجيًا، ورغم عدم نيتهم تصنيع أسلحة نووية، فإن تطوير تقنيات علمية في هذا المجال يعطيهم نفوذًا يمكن استغلاله في الردع الشامل لمواجهة أي تهديدات محتملة من خصومهم الإقليميين والدوليين.
بدأ البرنامج النووي الإيراني في خمسينيات القرن الماضي بتعاون استراتيجي مع دول الغرب، ولكن هذا التعاون توقف بعد الثورة الإيرانية عام 1979 حيث انسحبت الشركات الغربية وتوقف البرنامج لفترة قصيرة. ومع تصاعد الحرب العراقية وانقطاع الإمدادات العسكرية، عادت القيادة الإيرانية لاستئناف الأبحاث النووية. خلال التسعينيات، بحثت إيران عن شراكات جديدة، وبدأت التعاون مع روسيا، لكنها واجهت توترات بعد أن كشفت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن منشآت نووية غير معلنة في 2003، مما زاد الخلافات مع الغرب.
الردع النووي الكامن
تعتمد إيران بشكل رئيسي على مفهوم الردع في تشكيل عقيدتها الدفاعية، إذ تتطور فلسفة الردع الإيرانية بسبب عدة عوامل، بما في ذلك القدرة على الرد بقوة عند التعرض لأي عدوان، من خلال استخدام قدراتها الصاروخية أو عبر حلفائها الإقليميين. يُعتبر البرنامج النووي جزءًا من هذه المنظومة، رغم تأكيد إيران على عدم سعيها لتطوير أسلحة نووية.
يرى العديد من المحللين أن وجود برنامج نووي حتى لو كان سلميًا هو أداة ردع استراتيجية مهمة. وتُعزز التهديدات من خصوم مثل إسرائيل والولايات المتحدة رغبة إيران في تطوير قدراتها النووية لتكون أداة تفاوضية فعّالة، حيث تُعتبر القدرة على تطوير التكنولوجيا النووية بمثابة أداة سياسية لردع الضغوط والهجمات الخارجية.
أكد محمد مرندي، مستشار الفريق الإيراني المفاوض، أن البرنامج النووي سلمي، وأنه لا توجد نية لتغييره، مشيرًا إلى أن إيران قد رفعت نسبة تخصيب اليورانيوم كوسيلة ضغط في المفاوضات مع الغرب. كما أضاف أنه في حال شعرت إيران بتهديد، فقد تضطر إلى تعديل استراتيجيتها، مؤكدًا على صراحة تصريحات كمال خرازي التي تفيد بأن إيران ستغير عقيدتها النووية في حال تعرضها لتهديد وجودي.
كما يشير الباحث في الأمن الدولي عارف دهقاندار إلى أن إيران، في ظل الفوضى الحالية في النظام الدولي والتهديدات المتزايدة من إسرائيل، قد تبنت إستراتيجية الردع النووي الكامن، مما يعني توافر المعرفة والعلماء والتكنولوجيا اللازمة لصناعة الأسلحة النووية إن اقتضى الأمر. ويضيف أن مثل هذه الخطوات تعود لأسباب سياسية ودينية واقتصادية ولكن مع عدم التوجه لصنع أسلحة نووية في الوقت الحالي، ومع ذلك يمكن للدولة البدء في إنتاجها سريعًا إذا تعرضت لهجوم.
يشير الباحث أيضًا أن “الردع النووي الكامن” لا يتعارض مع القانون الدولي، حيث تتحقق إيران من هذه القدرة بموجب معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، وتواصل تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ويختم حديثة بأن استراتيجية إيران تهدف إلى السيطرة على السلوك العدواني لإسرائيل والحصول على تنازلات في المفاوضات المحتملة مع الولايات المتحدة، حيث بدأت جهود تعزير هذه الاستراتيجية بشكل واضح بعد 7 أكتوبر 2023. وقد اتخذت هذه الجهود طابعًا مكثفًا بسبب الصراع المحدود بين إيران وإسرائيل الذي حدث في أبريل الماضي.
الأمن الوطني والإقليمي
من جهة أخرى، يقول أستاذ السياسة برهام بور رمضان إن البرنامج النووي الإيراني يُعتبر مشروعًا سلميًا بحتًا، ويدخل في إطار الأمن الوطني والمصلحة الوطنية، كما أن له علاقة بالأمن الإقليمي، وتهدف إيران من خلاله إلى تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة عبر السلام.
يوضح أن البرنامج النووي السلمي قد يُعتبر حصان طروادة لإيران في حالة تغيّرت الأوضاع الإقليمية والدولية، مما يجعلها تعيد النظر في دور هذا البرنامج في إطار عقيدتها الدفاعية. يتحدث عن التهديدات الإسرائيلية كعامل مُحرك للتفكير في كيفية التحول إلى ردع إقليمي أو عالمي.
ومع ذلك، يرى الباحث أن إيران ليست في وارد تغيير عقيدتها الدفاعية في الأجل القريب، نظرًا للأوضاع الداخلية والإقليمية، بل تمتلك أدوات ضغط دبلوماسية فعّالة. إذا خُيّرت بين الوضع الحالي والحرب الإقليمية، فمن المرجح أن تختار التركيز على الوضع الذي تعيشه مع التكيف مع الظروف.
يعتبر كثير من المحللين أيضًا أن البرنامج النووي الإيراني يتجاوز حدود السياسة والردع ليصبح رمزًا للتطور التقني والقوة الوطنية. يُظهر الكثير من الإيرانيين، سواء من أصحاب السلطة أو المواطنين، أن لديهم القدرة على تحقيق تقدم علمي على الرغم من العقوبات المفروضة عليهم.
يمثل البعد الوطني جزءًا أساسيًا من خطاب الحكومة الإيرانية، والتي تستخدم البرنامج النووي لتعزيز قاعدة الدعم الشعبي وتعزيز فكرة القوة الوطنية، معتبرة أنه سلاح غير عسكري ولكنه فعّال في مواجهة التهديدات وتحقيق الأهداف الاستراتيجية.
رابط المصدر