ما هي آراء تركيا حول أمن البحر الأسود؟!

Photo of author

By العربية الآن



ما هي آراء تركيا حول أمن البحر الأسود؟!

a patrol boat of ukraine’s coast guard sails in the black sea, amid russia’s attack on ukraine, february 7, 2024. reuters/thomas peter
رفضت أنقرة السماح لإحدى سفن كاسحات الألغام البريطانية المعارة إلى أوكرانيا بالدخول إلى مسارات البحر الأسود (رويترز)

<

div class=”wysiwyg wysiwyg–blog-content css-1vkfgk0″ aria-live=”polite” aria-atomic=”true”>خلال يناير الماضي، تم توقيع معاهدة ثلاثية بين وزراء دفاع تركيا ورومانيا وبلغاريا لحماية ممرات الشحن في البحر الأسود وتطهيرها من الألغام التي زرعها الأسطول الروسي خلال بدء الحرب على أوكرانيا.

ضمن هذه الاتفاقية، تم تشكيل مجموعة عمل تضم ثلاث سفن لمكافحة الألغام – سفينة واحدة عن كل دولة – بالإضافة إلى سفينة للإدارة والتحكم.

أكدت تركيا حرصها على عدم السماح لسفن الحرب غير المنتمية للدول المطلة على البحر الأسود بالمرور عبر مضائقها،وتماشياً مع هذا البيان، رَفَضَ العاصمة أنقرة السماح لإحدى سفن كاسحة للألغام البريطانية المستأجرة إلى أوكرانيا بالتوجه نحو مسارات البحر الأسود، نظراً لاعتبارها سفينة حربية بريطانية.

تجنباً لتعقيد موقفها في ظلّ الصراع الجاري في أوكرانيا، تفضّل تركيا عدم فتح الباب أمام حلف الناتو لزيادة تواجده في البحر الأسود، خاصة مع كون كلٌّ من أوكرانيا وروسيا شريكتان أساسيتان لها في اتفاقيات الطاقة والتجارة.

هنا، أُحيط القارئ علماً بتصريحات قائد البحرية التركية تاتلي أوغلو في العام الماضي، خلال احتفال بالذكرى 133 لتأسيس مدارس الضباط البحرية، حيث أكّد بوضوح على معارضة بلاده لمشاركة أي دولة من حلف الناتو في حفظ الأمن بالبحر الأسود.

بُرِزَت قضية أمن البحر الأسود، وأصبحت تمثل اختباراً حقيقياً لقدرة تركيا على تحقيق التوازن الجيوسياسي في تلك المسارات الاستراتيجية، في ظل استمرار الحرب الروسية الأوكرانية.

من جهة أخرى، تشعر تركيا بعدم الرغبة في تعقيد واقعها بسبب النزاع الحالي في أوكرانيا، خاصة مع تبوؤ كلٌ من أوكرانيا وروسيا مكانة رئيسية في اتفاقيات الطاقة والتجارة.

لماذا تتجنب تركيا فتح الفرصة أمام حلف الناتو لتواجده في البحر الأسود، بوصفها قوة بحرية رئيسية تحترمها في أي تحرٍّ بالمنطقة؟

الحفاظ على السيادة والكرامة

إذا كان الأمر كذلك، فالاستفسار الذي قد يتبادر إلى أذهان بعض الناس هو: لماذا ترفض تركيا المبادرات الدولية المقدمة لمشاركتها في نزع الألغام من البحر الأسود؟

يرى الباحث والمرتبط سابقاً ببرنامج البحر الأسود في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، السيد هوتاكا ناكامورا، أن أنقرة تسعى جاهدة للحفاظ على موقعها كوسيط في الصراع الروسي الأوكراني، وتتمسّك بعلاقاتها مع موسكو وتجنب إهمال فلاديمير بوتين.

وبعد تدمير الأسطول البحري الروسي بشكل هائل، ترى أنقرة أن تواجد حلف الناتو المتزايد في البحر الأسود قد يؤدي إلى انحراف التوازن الإقليمي المُناسب لصالح الأسطول التركي بالمقارنة مع أساطيل روسيا والناتو وأوكرانيا في المنطقة.

هل توجد لذلك مصلحة تركية في السماح بوجود فرقة دولية لنزع الألغام في البحر الأسود؟

يُتابع السيد ناكامورا بالقول، “يُمكن للمجموعة الدولية لكاسحات الألغام في البحر الأسود، المتعددة الجنسيات والمدَعومة من حلف الناتو، تعزيز مكانة تركيا الجيوسياسية بين القوات البحرية في البحر الأسود، مما يَعزز مكانة البحرية التركية كأقوى قوة بحرية ويُزيد من تأثيرها وقيادتها كمشارك رئيسي في جهود نزع الألغام وحفظ الأمن في البحر الأسود.

لذا، وفي ضوء ما سبق، لماذا تُتجنب تركيا توسيع مشاركة حلف الناتو في البحر الأسود على الرغم من تمثيلها قوة بحرية رئيسية يصعب تجاهلها في أي تدخل بالمنطقة؟

يُعتقد صانعو السياسة التركية أن تعارض المواقف الأمريكية نتاجٌ لمواقف حزب العدالة والتنمية وتبنيه لسياسات خارجية مُستقلة عن الشريك الأمريكي والتوافق مع الفلسفة والرؤية الإستراتيجية الجديدة للحزب وتوجهاته الجيوسياسية.

مسار سياسي خاص

وفي سياق متصل، يمكننا الرد على هذا التساؤل من خلال الاستعانة بتصريحات قائد الأسطول البحري التركي التي أكد فيها رغبة بلاده بعدم تحويل البحر الأسود إلى منطقة نزاع آخر، إلا أن هذه التصريحات تعكس أزمة ثقة عميقة بين تركيا وحلفائها في الناتو، وبالأخص الولايات المتحدة.

اتسعت هذه الأزمة في الثقة بين البلدين على مدى العقد الماضي، جراء تصرفات الولايات المتحدة المناهضة لتركيا وتبنيها لأجندة سياسية تتجاهل مصالح تركيا الإستراتيجية كما في القضايا السورية والتعامل مع حزب العمال الكردستاني والجماعات المملوكة له، أو قرار الولايات المتحدة رفع الحظر عن تسليح قبرص اليونانية.

انظُرت القيادات التركية إلى هذه المواقف على أنها تعدّ تجاوزاً لجميع هياكل صِناع السياسة الأمريكية، سواء داخل الكونغرس أو الرئاسة، بغضّ النّظر عمّا إذا كانت الإدارة ديمقراطية أو جمهورية.

يعتقد صنّاع السياسة التركية بأن تلك المواقف الأمريكية تأتي كرد فعل على مواقف حزب العدالة والتنمية وتبنيه لسياسات خارجية مستقلة عن الشريك الأمريكي، وهي السياسات التي تندرج تحت الفلسفة والرؤية الإستراتيجية الجديدة للحزب وتوجهاته الجيوسياسية.

نهج مستقل

ومن جهتها، نُشرت تقارير تسلط الضوء على “أولويات السياسة الخارجية التركية”بعد الاقتراحات الرئاسية – فترة جديدة” ظهر فيها، أنّ تركيا قد تبنت سياسات خارجية مستقلة في الأونة الأخيرة لم يكن الدافع وراء ذلك مجرد رغبة سياسية عابرة بل فرضتها اعتبارات الضرورة والظروف الإقليمية المحددة لتلك المواقف.

تمثلت تلك الظروف في شعور تركيا المتنامي بأن أولويات أمنها القومي ومصالحها الحيوية يتم تجاهلها في كثير من الأوقات بل ووصل الأمر إلى حد استهدافها من جانب الولايات المتحدة والحلفاء الغربيين ضمن حلف الناتو.

مع استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد القطاع المحاصر، وما يترتب عنها من مأساويات وكوارث إنسانية واضحة، يبدو أنّ لا حلول ممكنة للمواقف المتباينة تلوح في الأفق.

قضايا متنازع عليها

وفي تقرير آخر يدرس السياسة الخارجية التركية نشره معهد سيتا تحت عنوان “خريطة تركيا الجيوسياسية لعام 2024 – السعي إلى تحقيق الاستقرار في عالم يعمه النزاعات” كتبت الباحثة غلوريا أوزديمير أنّ عام 2023 شهد استمرار التوتر بين الولايات المتحدة وتركيا في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط وبشكل خاص مسألة رسوّ قطع بحرية أميركية قرب موانئ قبرص التركية، ومنها الغواصة USS San Juan والمدمرة USS Arleigh Burke.

وإلى جانب ما ذكرناه عن رفع حظر الأسلحة وهي المسائل التي تعتبرها تركيا تحيزًا أميركيًا يمكنها زعزعة الاستقرار وإفساد الفرصة للتوصل إلى حل عادل ودائم للأزمة في قبرص.

وأخيرًا، فإنّ الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي والدعم الغير مشروط الأميركي للكيان الصهيوني، أدى إلى تصاعد التوتر في العلاقات بين البلدين لأنه يتعارض تمامًا مع الموقف التركي المؤيد للحق الفلسطيني.

ومع استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد القطاع المحاصر، وما تترتب عنها من مأساويات وكوارث إنسانية واضحة، يبدو أنّ لا حلول ممكنة للمواقف المتباينة تلوح في الأفق.



أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.