مجتمع المعلومات: رؤية نقدية في البناء والثقافة (2)
12/9/2024
–
|
آخر تحديث: 13/9/202402:35 ص (بتوقيت مكة المكرمة)
نواصل مناقشتنا لما بدأناه في المقالة السابقة التي تحمل نفس العنوان، ونسلط الضوء هنا على موضوعين رئيسيين..
- ثقافة الحرية المقيدة
إن أبسط تعريف للحرية يتجلى في قدرة الفرد على اتخاذ القرار والتعبير عن آرائه وتحقيق رغباته. ومع ذلك، يطرح تساؤل: هل ما نسعى لتحقيقه نابع من إرادتنا الحرة، أم أننا تحت تأثير توجيهات خارجية؟
الإجابة على هذا السؤال ليست سهلة، والموضوع يتطلب تحليلاً عميقاً، فهو جوهر مفهوم الفعل الإنساني. ولكني أؤكد على أهمية التمييز بين الأفعال التي تضيف قيمة حقيقية لحياتنا، وتساعد في تحقيق إنتاج اجتماعي، وبين الأنشطة الفائضة التي تفتقر إلى القيمة الفعلية.
تظهر الحقيقة في أننا نواجه تزايداً كبيراً من الخيارات المتشابهة التي تدمر شعورنا بالوعي الذاتي، وتعزز ارتباطنا بثقافة الاستهلاك. إن هذه الخيارات نتاج جهود رجال الأعمال والشركات التي تسعى لتحقيق الربح، مما يجعل الحرية هنا مصطنعة ولا تعكس وعينا الذاتي.
مع تداخل المال السياسي مع الشركات متعددة الجنسيات، أصبحت الحريات مقيدة من قبل رجال الأعمال الذين لديهم توجهات سياسية تخدم الأجندات الغربية، من خلال التحكم في وسائل التواصل الاجتماعي وحجب الحقائق التي تُعتبر تحريضًا على العنف.
إذا اعتبرنا أننا نتلقى توجيهات من رجال الأعمال والأخبار التي تقدمها وسائل الإعلام الغربية، نجد أننا لا نستطيع فهم حقيقة الأحداث في بلدان مثل العراق أو أفغانستان إلا من خلال تلك المصادر الموجهة. وهو ما تحدث عنه عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديه عندما وصفه بـ”الواقع المفرط”.
من الأشياء الدالة على ذلك هي الإجراءات الغربية لحجب وسائل الإعلام الروسية، بما يعكس الفائدة لتوجيه الرأي العام، ولا يمكن تجاهل الهزيمة الأميركية في أفغانستان مقابل ما يدعيه الإعلام الدولي.
على الرغم من ذلك، قدم الإعلام الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي بديلاً مدهشًا، حيث أصبح الأفراد قادرين على نقل الأحداث وصناعتها، مما يسمح بإظهار الحقائق. وقد أدى ذلك إلى صعوبة تجاهلها أو إخفائها، ويمثل سمة بارزة للإعلام التفاعلي.
لكن مع استمرار تداخل المال السياسي، استمرت القيود المفروضة على الحريات في الصعود، حيث يصبح رجال الأعمال ذوي التوجه السياسي مؤثرين على محتوى وسائل التواصل الاجتماعي.
في هذا الصدد، تمنع وسائل التواصل الاجتماعي مناقشة مصطلحات معينة مثل “القضية الفلسطينية” أو “إسرائيل”، مما يؤدي إلى توجيه أذهاننا نحو مقاصد السياسة الغربية. فإذا تم ذكر هذه المواضيع بشكل يتعارض مع المصالح السياسية، قد يتم تقييد حسابات الأفراد أو حجب منشوراتهم.
كما تقوم وسائل التواصل الاجتماعي بإعادة إنتاج المصطلحات والرموز بشكل يعكس التاريخ والمعاني بحسب الثقافة السائدة، مما قد يجعل مجتمعاً كهذا يتقبل تلك المعاني المغلوطة.
إن إعادة التطوير من قِبَل الصفوة المؤدلجة تعني في جوهرها تبرير السياسات الغربية واعتبارها نموذجاً للمضي نحو الحداثة، مما يعكس أن تلك الطبقة هم أدوات لنشر الثقافة الغربية في بلادهم.
صناعة الصفوة المعولمة
المفهوم الغربي للتحديث يتضمن تحويل كل شيء – بما في ذلك الإنسان – إلى منتجات وتقنيات تفيد مصالح القوى الكبرى في الدول الغربية. وموضوعنا هنا هو صناعة الصفوة المعولمة، أولئك الذين يحملون الأيديولوجيا الغربية وأفكارها، دون أن يعوا الأهداف الحقيقية وراء هذه الأفكار مثل الليبرالية والحداثة.
تلك النظرة تجاه الثقافة الذاتية تكشف عن طابع تقليدي للشعوب. كما أشار عالم الاجتماع ابن خلدون: “إن المغلوب مولع أبدًا باقتداء الغالب”. ومع ذلك، فإن الوضع الحالي يختلف؛ لأن الغرب يستخدم دبلوماسية التعليم كوسيلة مباشرة لنشر ثقافته.
الهدف الظاهر لتعليم الدول الغربية هو توفير فرص للتعليم الجيد للدول الأقل حظًا؛ لكن الغرض الحقيقي هو إنتاج صفوة تؤمن بأفكار الثقافة الغربية، مما يجعل هذه العناصر تتجاوز رغبتها الصادقة في تطوير بلادها.
المسألة هنا أن التطوير في مفهوم هذه الصفوة يعني تبرير السياسات الغربية والترويج لها، في حين تمرير الثقافة الغربية كموعد مع العصرنة، مما يعكس تمسكهم بإعادة تفسير التراث الثقافي من منظور غربي مستشرق.
لا يعني ذلك أننا نتحدث عن ثقافة واحدة أو نخبة واحدة، بل نحن في زمن التنوع الثقافي. كثيرًا ما أدت الدعوات الإيجابية للتنوع إلى تقسيم الثقافات في العالم العربي.
لا توجد دولة ستقدم معلومات ببساطة، فسرية المعلومات تتنافس عليها الدول، وقد نشهد توجه دول مثل الصين لسرقة المعلومات.
تعليم الخارج لا يعني الانصهار في الثقافة الغربية أو إثبات الولاء للأفكار والسياسات الغربية، حيث إن كثيرًا من شعوب الدول الغربية تعارض سياساتها. من جهة أخرى، نجد بعض الصفوة العربية والإسلامية تروج مع السياسة الغربية تحت مسميات مختلفة.
تريد الشعوب العربية والإسلامية الوصول إلى المعلومات، وضمان حقوقها في الحياة. إن الجائحة العالمية مثل كورونا قد أبرزت قصور الدول الإسلامية في توفير الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية.
نحتاج إلى مزيد من المعلومات، وليس إلى الفرض الثقافي الغربي، فالمجتمعات الغربية تعاني من معظم الأفكار السائدة.
بشكل واقعي، إن المعلومات ليست معطاة مجانا، وكشف الحقائق صار أمرًا يتطلب الصراع. لذا تعمل العديد من الشركات والمؤسسات على منع مركزية المعلومات من الوقوع في يد قلة.
برغم ما تواجهه هذه المؤسسات من ضغوط واعتقالات، فإنها تسعى لتأسيس مجتمع معلومات أكثر استقلالية ودون تأثير من الدول الغربية، حتى لو كان ذلك يتم بصورة سرية مثل أنشطة ويكيليكس وإدوارد سنودن.
بينما يُنظر إلى بعض هؤلاء على أنهم خونة، فإنهم في الواقع يكشفون عن الحقائق بشأن الثقافة الليبرالية الغربية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
رابط المصدر