مقرر أممي سابق: محكمة غزة تحاكم مرتكبي الإبادة بطرق غير تقليدية
صرح ريتشارد فولك، المقرر السابق للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، بأن “محكمة غزة” تعمل بعيدًا عن القيود التي تفرضها المحاكم التقليدية، سواء كانت وطنية أو دولية.
وأوضح فولك -في مقابلة خاصة مع الجزيرة نت- أن “محكمة غزة”، التي تتخذ من لندن مقراً لها، تهدف إلى تجاوز الشوائب التي تؤثر على الولاية القضائية والنطاق الجنائي. وأشار إلى أن إسرائيل تلقي بالاً كبيراً للأحكام السلبية التي قد تصدرها المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، وتستخدم نفوذها لتخفيف هذه التأثيرات، مع تشويه سمعة الأمم المتحدة ووصفها بأنها “مستنقع حقير لمعاداة السامية”.
تأتي تصريحات فولك في وقت أصدرت فيه المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، حيث أشارت إلى وجود “أسباب منطقية” تدل على ارتكابهما جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة.
يُعتبر فولك محامي حقوق إنسان يهودي أمريكي، وهو أستاذ فخري للقانون الدولي بجامعة برنستون، وقد عُرف بمواقفه المناهضة للسياسات الإسرائيلية ودعمه للحقوق الفلسطينية. وقد وصفت وزارة الخارجية الإسرائيلية فولك بأنه غير “مرحب به في إسرائيل”.
تفاصيل الحوار:
فكرة إنشاء “محكمة غزة”
تعتبر فكرة إنشاء محكمة مدنية تعنى بالاعتداءات المتكررة ضد الفلسطينيين المحاصرين مبادرة ذات قيمة. إلا أنه لم يتم التوصل إلى مشروع محدد مع التمويل الكافي إلا في مايو الماضي، عندما تم اقتراح ذلك من مجموعة من المشاركين في منتدى التعاون الإسلامي. تم تعييني لرئاسة المحكمة.
قمنا بدراسة الاقتراح بعناية، وأكدنا على ضرورة أن تبقى المحكمة مستقلة عن جميع الحكومات والسياسيين. ومع تصاعد الحرب في غزة، وظهور قصور الأمم المتحدة والولايات المتحدة في وقف إطلاق النار، بدأنا التخطيط لتنظيم المشروع.
عُقد اجتماع ناجح لإطلاق “محكمة غزة” في لندن نهاية أكتوبر وبداية نوفمبر الجاري، حضره العديد من العلماء والنشطاء البارزين ولاقى اهتمامًا كبيرًا من المنظمات الفلسطينية.
لماذا تم اختيار لندن؟
اختيار لندن كموقع لإطلاق المبادرة جاء لتعزيز الرغبة في العالمية وتجنب الانطباع بأننا حزب سياسي أو فلسطيني. كما أن التنوع الثقافي في لندن أسهم في معالجة القضية المعنية، وكان التنسيق فيها سهلاً حيث نخطط لعقد اجتماعات مستقبلية في أماكن متعددة.
الأهداف الرئيسية للمبادرة
نرغب في تنظيم المحكمة بطريقة تعطي الأولوية للتفاصيل المتعلقة بالإبادة الجماعية حسب القانون الدولي. ومن بين الأهداف:
- تكملة جهود محكمة العدل الدولية بسرعة أكبر وتقديم نصوص واضحة.
- العمل بعيدًا عن القيود المفروضة على المحاكم التقليدية، لا سيما في الولاية القضائية.
- إنتاج سجل دقيق لما حدث في غزة منذ هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023.
- تقديم نموذج لفهم نقدي للقانون الدولي، يربط بين القانون والعدالة.
- مواجهة الانحرافات في إجراءات العدالة وملء الفجوات الناجمة عن قصور عمليات الدولة.
فرص تحقيق الأهداف
في سياق الجهود المبذولة، نأمل بأن تسهم هذه المبادرة في إيجاد حلول فعالة وتعزيز العدالة للفلسطينيين وتأمين حقوقهم في ظل الظروف الحالية الصعبة.
“`html
يبدو أن جودة الأداء في مختلف مراحل “محكمة غزة” تتماشى مع التطلعات والإمكانات المتنوعة. على الرغم من افتقار محكمة المجتمع المدني إلى أي قدرات تنفيذية مباشرة، إلا أنها تستطيع تشجيع المبادرات التضامنية التي تضغط في اتجاه معين، وقد كان لهذا دور حاسم في حالة حركة مناهضة الفصل العنصري، رغم اختلاف الظروف الفلسطينية. فقد مارست الأمم المتحدة تأثيرًا كبيرًا في نزع الشرعية.
تضمنت العناصر المنظمة في المجتمع المدني، مثل الجماعات الدينية، والنقابات العمالية، وأنشطة الاحتجاج الجامعية التي تدعو لسحب الاستثمارات، ومدافعين عن حقوق الإنسان، دورًا محوريًا في نزع الشرعية عن نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات “بي دي إس”
واحدة من أبرز الجهود في النضال الفلسطيني هي حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات “بي دي إس”، التي أُطلقت عام 2005 من قبل ائتلاف من النشطاء الفلسطينيين والمنظمات المدنية.
الحكم القوي من “محكمة غزة” قد يمنح شرعية للمبادرات المجتمعية، مما يمكن أن يؤدي إلى ظهور مبادرات غير حكومية أخرى ذات مغزى مثل المقاطعات الثقافية والرياضية. مع ذلك، فإن نجاح جهودنا أو خيبة الأمل في نتائجها ستعكس الوضع العام، خاصة إذا استمرت المخاوف الواسعة من سلوك إسرائيل تجاه الحقوق الأساسية للفلسطينيين.
إذا استمرت إسرائيل في خططها المعلنة لضم الضفة الغربية ونفت أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، فإن التأثير سيكون كبيرًا. كما من الممكن أن يقود ذلك إلى رد فعل من الحركة الصهيونية ضد “محكمة غزة” باستخدام تكتيك “معاداة السامية”.
منظمات المجتمع المدني المشاركة في المبادرة
تشمل “محكمة غزة” ممثلين عن العديد من المنظمات النشطة والفعالة في المجتمع المدني الفلسطيني، منها “الحق”، و”المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان”، و”الضمير”، و”مركز الميزان لحقوق الإنسان”.
وقد أنشأنا مجموعة عمل خاصة تضم ممثلين عن منظمات المجتمع المدني والحركات المتضامنة مع القضية الفلسطينية، وسنعتمد عليهم دائمًا للحصول على التوجيه المناسب أثناء عمل المحكمة.
تنسيق الجهود بين المنظمات
كبادرة من المجتمع المدني تدعم النضال الفلسطيني من أجل تقرير المصير، سعينا لمشاركة مجموعة واسعة من المنظمات غير الحكومية الفلسطينية، وقد كانت استجابتهم إيجابية وقوية.
أنشأنا مجموعة عمل للمجتمع المدني الفلسطيني، إلى جانب مجلس استشاري عالمي لضمان وجود قنوات واضحة للمشاركة والتأثير. هناك تعاون مثالي بين المنظمات الفلسطينية والعالمية، ونسعى لأن يستمر هذا التعاون ويعكس نفسه في الحكم النهائي لـ”محكمة غزة”.
كيف تُجيب على فقدان الأمل في نجاح المبادرات؟
واجهت مثل هذه المبادرات دائمًا تحديات من القوى الجيوسياسية ووسائل الإعلام السائدة، التي استخفّت بها وعارضتها منذ نشأتها في محكمة “راسل” في الستينيات.
وليس “محكمة غزة” الحالة الأولى من نوعها، فقد أثرت محاكم الشعوب بالفعل على سلوكيات الحكومات، بما في ذلك الأنشطة المناهضة للحرب. وهذا الشكل المجتمعي يعكس نموذجًا مدنيًا يتسم بالتعليم والنشاط الذي يتغير حسب القضية والسياق السياسي.
إن النضال الفلسطيني والإبادة الجماعية الإسرائيلية يمثل وضعًا خاصًا، مما يجعل التأثير المحتمل إما أقل أو أكبر مما هو مأمول. إسرائيل تعلمت من تجربة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، مستخدمةً موارد كبيرة لتشكيل الخطاب العام بشأن سلوكها.
تاريخ اضطهاد اليهود يعتبر عائقًا أمام النقد الموجه لإسرائيل، لاسيما في ألمانيا والديمقراطيات الغربية، والتي نشأت مع شعور بالذنب نتيجة لعدم معارضتها لمعاداة السامية النازية. هذه الديناميكيات جعلت الفلسطينيين العرب غرباء مضطهدين في وطنهم.
حتى في حال عدم التأثير المباشر على سلوك إسرائيل، نحن واثقون من التأثيرات الثانوية لـ”محكمة غزة” على الثقافة القانونية وجمع السجلات التاريخية، لإسهامها في دراسة وتطبيق القانون الدولي.
وفي النهاية، أشك في أن معظم أولئك الذين “فقدوا الأمل” قد وضعوا آمالهم في “مثل هذه المبادرة” في الأساس.
هل ستترتب على هذه المبادرة التزامات قانونية؟
عندما تتعارض الالتزامات القانونية الدولية مع المصالح الجيوسياسية القوية، قد تكون تأثيرات المؤسسات الرسمية رمزية بشكل أساسي. إسرائيل تتحدي القانون الدولي والأمم المتحدة ولا توجد إرادة سياسية لمواجهة هذا السلوك.
مع ذلك، فإن إسرائيل تميل إلى الخوف من الأحكام السلبية من قبل محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية، وتعمل على تخفيف هذه التأثيرات بكل نفوذها، مثل وصف الأمم المتحدة بأنها “مستنقع حقير لمعاداة السامية”.
كما كتب المؤرخ الإسرائيلي توم سيغيف: “ليس كل نقد ضد إسرائيل معاديًا للسامية”. هذه التصريحات تعكس محاولات نتنياهو للنيل من مصداقية النقد عبر وصف الأمم المتحدة بأنها منظمات معادية لإسرائيل.
وفي هذا السياق المدعوم جيوسياسيا، تعمل القوانين بشكل رمزي، لكن التأثيرات الرمزية على الجهات الفاعلة السياسية هي تأثيرات حقيقية. لذا، من المهم عدم التقليل من شأن الساحات الرمزية لصنع القوانين، وسأستمر في التأكيد على أهمية “محكمة غزة” ونشاطها.
“`