مدونة الأسرة بالمغرب تدخل مرحلة الحسم.. النقاش يترقب البرلمانيين
25/12/2024
مراكش- زاد اهتمام المغاربة في الآونة الأخيرة بقضية تعديل مدونة (قانون) الأسرة. جاء ذلك بعد أن أعلنت الهيئة المكلفة بمراجعتها، الأسبوع الماضي، عن أهم مضامين التعديلات وآراء المجلس العلمي الأعلى، والتي قدّمها أعضاء من الحكومة للملك محمد السادس في ورشة رسمية.
حظيت التعديلات المقترحة بتفاعل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تعكس العديد من الآراء النقاشات التي تدور في البيوت والمنتديات حول تأثير هذه التعديلات على مفاهيمهم عن الزواج.
وعبر أحد مستخدمي فيسبوك عن وجهة نظره قائلاً: “أصبح الزواج قريبًا من مفهوم الشركة أكثر من كونه شراكة في الحياة”. بينما كتب آخر: “من يفكر في الطلاق، لا ينبغي له التفكير في الزواج أصلاً”.
تتباين ردود الفعل بين الجمعيات النسائية والهيئات الحقوقية والأحزاب السياسية، حيث تتناول كل منها التعديلات من منظورها الخاص. ولذلك، أبدت كافة الأطراف حذرها من المقترحات، مع اعترافها بأنها قد تلبي بعض المطالب، لكن تظل هناك مطالب أخرى تنتظر تلبيتها.
جدل
تنطلق مقترحات التعديلات بعد تبني الحكومة منهجية استشارية، بناءً على تعليمات ملكية لجمع مختلف الآراء، وهو ما لم يكن سهلاً. وسط انتظار نقاش محتدم بالبرلمان المغربي، تم التصويت عليها من قبل مجلس الحكومة قبل تحولها إلى قوانين ملزمة.
أشادت الناشطة الحقوقية والعضو في منتدى الزهراء (شبكة نسائية) صالحة بولقجام -في تصريح للجزيرة نت- بتأكيد الملك على إشراك المختصين في القضايا القضائية والمدنية، وحماية الجوانب المعتمدة على الشريعة الإسلامية بيد المجلس العلمي الأعلى.
وثمنت بولقجام رفض كل المقترحات المتعارضة مع النصوص القطعية، مع التأكيد على أهمية الاجتهاد في التعامل مع التحولات الأسرية في الجوانب القيمية والاجتماعية.
من جهتها، اعتبرت أمال الأمين، منسقة ائتلاف دنيا (شبكة نسائية)، أن الجدل حول مدونة الأسرة يمثل ظاهرة صحية وضرورية، تعكس حيوية المجتمع وتطلعه لتطوير منظومته القانونية وفق التحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
وأشارت إلى أن النقاشات الحالية تعد فرصة ثمينة لإثراء التصورات وتعزيز الرؤى، بهدف صياغة مدونة أسرة متوازنة وعادلة تأخذ بعين الاعتبار حقوق جميع مكونات المجتمع من نساء ورجال وأطفال.
تعديلات
تعديلات المدونة: تباين في الآراء حول حقوق الأسرة
تلقى عدد من مقترحات تعديل مدونة الأسرة ردود فعل متباينة، حيث اعتبرت الناشطة الحقوقية أمال الأمين أن هذه التعديلات تمثل خطوة إيجابية نحو تحقيق العدالة الاجتماعية، داعية إلى تعزيز حقوق الأفراد. مع ذلك، أكدت استيائها الشديد من رفض استخدام الخبرة الجينية (اختبار الحمض النووي) لإثبات النسب، مشيرة إلى أنه يمثل انتهاكاً صارخاً لحقوق الأطفال المولودين خارج إطار الزواج.
فيما يتعلق بتحديد سن زواج القاصرين عند 17 سنة كاستثناء، اعتبرته الأمين خطوة إيجابية، لكنه لا يلبي تمامًا تطلعاتها في حماية حقوق الأطفال. إذ رددت دعواتها للحظر التام لزواج الأطفال، مشيرة إلى المخاطر التي يواجهها الفتيات في التعليم والصحة والنمو.
تدابير إيجابية وشروط تقييدية
أعرب أستاذ أصول الفقه إدريس أوهنا عن ارتياحه للإصلاحات التي طرأت على المدونة، مضيفاً أنها تضمنت تعديلات منصفة، مثل منح المرأة حقوق الوصاية والحضانة والاعتراف بالزواج العرفي، شريطة توثيقه لاحقاً. كما نوّه بضرورة تحفيز مقترح المجلس العلمي الأعلى بشأن إرث البنات، والحرص على اعتبار الطلاق الاتفاقي تعاقداً مباشراً بين الزوجين.
أوهنا، الذي يشغل منصب رئيس مركز القرويين للدراسات، أشار إلى أن بعض الأحكام الشرعية تم إحاطتها بحماية كافية مثل قاعدة التعصيب، ورفض اعتداد الخبرة الجينية في إثبات النسب الشرعي، فضلاً عن رفض التوارث بين المسلم وغير المسلم. ولكنه انتقد تعديلات المتعلقة بتعدد الزوجات، التي اعتبرها تقييدًا يقترب من المنع.
ردود الأفعال حول التعديلات
في السياق ذاته، عبّر خالد الصمدي، الوزير السابق عن حزب العدالة والتنمية، عن رضاه عن حذف تعديلات مثل التعصيب من نظام الإرث، والمساواة في الإرث، ومنع تعدد الزوجات، وتجريم زواج القاصرات دون سن 18، وضمان النسب للمولود حتى في حالات غير الشرعية.
بدوره، رحب حزب التقدم والاشتراكية بزيادة سن الزواج من 16 إلى 18 سنة، مع السماح بالاستثناء عند 17 سنة، وبتضييق شروط تعدد الزوجات، بالإضافة إلى تعزيز المساواة في الوصية بين الأبناء والبنات وتحسين شروط النفقة.
وخلال تقديمه لمقترحات تعديل قانون الأسرة، أظهر عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، حماساً خاصاً لتحديد سن الزواج وتدابير الطلاق الجديدة.
قضايا حقوقية وتربوية
في إطار التعديلات المقترحة، أشارت بولقجام إلى أهمية الإصلاح القضائي الذي يحافظ على كرامة الأسرة المغربية، وتفعيل مؤسسات الوساطة الأسرية للحد من الطلاق وزيادة الإقبال على الزواج. بينما أكدت أمال الأمين أن ارتفاع نسبة الطلاق عقب إصدار مدونة الأسرة في 2004 يُظهر تطور حقوق النساء وقدرتهن على اتخاذ قرارات مصيرية بشأن حياتهن.
واتفقت الناشطتان على أن القوانين تبقى ضرورية لتنظيم المجتمع وحماية الحقوق، لكنها ليست كافية دون دعمها بتنشئة اجتماعية سليمة وحملات توعية لتعزيز قيم الاحترام والمسؤولية المشتركة للأسرة.