كيف قرأت الأوساط الإيرانية موقف موسكو حيال ممر زنغزور؟
طهران- في ظل العلاقات المتنامية بين إيران وروسيا، اللتين تستعدان لتوقيع اتفاقية تعاون استراتيجي شامل، يثير موقف موسكو المؤيد لأذربيجان بشأن فتح ممر زنغزور إشارات قلق لطهران، التي تعتبر أي تغيير في الحدود الإقليمية أحرجا لها.
وخلال زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أذربيجان الشهر الماضي، أكد على حق باكو في الحصول على ممر بري يربطها بإقليم نخجوان، حيث انتقد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف سياسة أرمينيا التي تعرقل تنفيذ اتفاقيات المعابر الموقعة في 2020. وقد أثار هذا التصريح ردود فعل حادة داخل الأوساط الإيرانية التي اعتبرت موقف موسكو “طعنة في خاصرة طهران الشمالية”.
في هذا الإطار، استدعت وزارة الخارجية الإيرانية السفير الروسي ليكسي ديدوف، حيث نقل نائب وزير الخارجية مجتبي دميرجي بعيداً عن المعتاد رسالة إلى موسكو تعبر عن معارضة طهران لأي تغييرات جيوسياسية في المنطقة، وأنه يتعين الأخذ بمصالح الدول بعين الاعتبار.
خط أحمر
في هذا السياق، أشار وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى أن أي تغيير في الحدود يعد “غير مقبول بدلاً من ذلك”. في تغريدة له على منصة إكس، قال إن “أي تهديد ضد سلامة أراضي الجيران أو أي تغيير جيوسياسي قرب حدودنا يمثل خطاً أحمر بالنسبة لإيران”.
هذا “الخط الأحمر” الذي تشدد عليه طهران في الحدود الجنوبية للقوقاز تحدث عنه الناشط السياسي علي مطهري على منصة إكس، الذي أوضح أن “هذا الممر سيغلق الطريق الذي يربط إيران بأوروبا عبر أرمينيا”.
ويتعبر المراقبون في إيران أن جزءاً من مخاوف البلاد يتعلق بالخطط الهادفة إلى إنشاء عالم تركي عبر ممر زنغزور، الذي يربط تركيا بمنطقة آسيا الوسطى ذات الأغلبية التركية، مثل أذربيجان وكازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزستان، وصولاً إلى منطقة شينجيانغ التي يقطنها غالبية من الإيغور التركية في شمال غرب الصين وتركمانستان بصفة مراقب.
من جانبه، يعتقد الأستاذ في جامعة الشهيد بهشتي، علي بيكدلي، أن التحركات الروسية لتفعيل ممر زنغزور تأتي في سياق محاولة موسكو الالتفاف على العقوبات الغربية التي تؤثر على اقتصادها.
مصالح
وفي حديثه للجزيرة نت، اعتبر بيكدلي أن موسكو غالباً ما تفرط بالمصالح الإيرانية من أجل تحقيق مصالحها، مشيراً إلى أن إثارته لموضوع الممر يشكل هدية من بوتين لحلفائه الأتراك في تركيا وأذربيجان على حساب المصالح الإيرانية والأرمينيا، مما قد يفترض أن تسهّل موسكو أسواقها الجديدة.
وأضاف أنه في حال قبول طهران بفتح ممر زنغزور عبر مقاطعة سيونيك الأرمينية، سيكون ذلك كقبول محسوبية البلاد وقطع الطريق المؤدي إلى أوروبا الشرقية، حيث لن تتمكن من التحكم بأي ممر ينشأ على حدودها، مما قد يعرضها لمخاطر جيوإستراتيجية تهدد أمنها بسبب تشكيل ما يعرف بـ”الهلال التركي” على حدودها.
واستشهد بيكدلي بسياسة التوجه شرق التي اتبعتها إيران، مطالباً بعدم الاعتماد على عدد محدود من الدول ووصف علاقاتها بأنها استراتيجية، مشيراً إلى أهمية تطبيع العلاقات مع الدول الغربية.
رغم الضغوط الغربية على طهران فيما يخص تعاونها العسكري مع روسيا بسبب الحرب على أوكرانيا، فإن موسكو تغاضت عن حساسية إيران تجاه التغييرات الجيوسياسية قرب حدودها، مع توقع بتواصل الدعم الروسي لأذربيجان بشأن فتح الممر، مما يتطلب من إيران إعادة النظر في علاقاتها مع حلفائها السابقين.
تغريدة الصحفي والناشط السياسي محمد بارسي حول دعم الروس لأعداء إيران عبر التاريخ نالت تفاعلاً واسعاً على منصات التواصل، إذ طالب المغردون الإيرانيون الحكومة باتخاذ العبر من تجاربهم مع موسكو.
قال بارسي على منصة إكس إن “الروس وقفوا مع صدام حسين خلال الحرب العراقية الإيرانية، في القرارات الأممية مع أميركا، وفي العقوبات مع أوروبا، وفي قضية الجزر الثلاث مع العرب، وفي حرب غزة مع إسرائيل، وفي ممر زنغزور مع أذربيجان”. وكان تساؤله “لماذا لا تزال الجمهورية الإسلامية تعتبر موسكو صديقاً وشريكاً استراتيجياً؟”.
التوجه الإيراني
حول سبب إثارته لموضوع الممر في الوقت الراهن، يعبر الأستاذ في الجغرافيا السياسية بجامعة الخوارزمي، يد الله كريمي بور، عن قلقه من التوجه الإيراني نحو الغرب لإعادة فتح قنوات الاتصال مع العالم الغربي. وعلق على هذا الموضوع في قناته على تليغرام، قائلاً إن الجانب الروسي يعتبر أي خطوة من إيران نحو الغرب بمثابة “رصاصة الرحمة” على علاقتها بعدد من الدول، منها إيران.
يعتقد كريمي بور أن التحركات الروسية في جنوب القوقاز تستهدف مواجهة الناتو، مما يؤكد ضرورة توطيد العلاقات الدبلوماسية بين طهران وموسكو وباكو ويريفان لاحتواء السياسات الغربية التوسعية في هذه المنطقة.
على الرغم من وجود ضغوط على يريفان للتعامل بحذر حول مسألة فتح ممر زنغزور، فإن تصريحات القادة الروس قد أشعلت قلقاً في الجانب الإيراني الذي يعتقد أنه قد يُحدث نتائج كارثية على حدوده، حيث سارعت إيران لتجميع قواتها المسلحة قرب الحدود مع أذربيجان وأرمينيا لمنع أي عمليات عسكرية قد تؤدي إلى فتح الطريق البري.
رابط المصدر