مسار التغيير من الفرد نحو المجتمع

Photo of author

By العربية الآن

سُلَّم التغيير من الفرد إلى المجتمع

المجتمعات الإسلامية ليست متدينة فحسب، بل من أكثر مجتمعات العالم تدينًا (الجزيرة)
القيم الروحية هي العنصر الصافي الذي يُربّي الفرد ويهذبه ويحثّه على الطريق الصحيح (الجزيرة)
يميل الإنسان منذ قديم الزمان إلى الاندماج في مجتمعه، إذ يبدأ بفطرته ثم يدرك عادات وتقاليد هذا المجتمع. ويعتبر هذا اندماجًا للفرد في مجتمعه، مما يجعله جزءًا منه ويخدمه بناءً على عاداته.

لكن يجب التفريق بين التوجهات الأولية للفرد وبين بناء شخصية متوازنة تسهم في تقدم المجتمع. لفهم تطور المجتمع، ينبغي علينا فهم العوامل التي تساهم في بناء الفرد.

إسقاط الجانب الروحي على الجانب المادي يساهم في إزالة المعيقات التي قد تمنع الفرد من تحقيق أهدافه الدنيوية والتمسك بها.

يمكن تصنيف الفرد إلى جانبين: الغريزي والطبيعي الفطري، والجانب الثقافي الذي يتشكل مع مرور الزمن في ظل المجتمع. وبذلك، يكون المجتمع هو الداعم الأول لتكوين الفرد، حيث يمكن أن يعود عليه بالنفع أو التسبب في مشاعر اللامبالاة. وهذا يمكن أن يؤدي إلى ضياع الفرد الذي يتحول إلى كومة من العقد النفسية.

أهمية الهدف الأسمى

الهدف الأسمى لا يتعلق بتحقيق الرغبات المادية أو الشهوات، بل يتعلق بأبعاد روحية وإنسانية ترتقي بالنفس نحو القيم الأخلاقية. عندما نفهم الهدف الأسمى بأنّه ليس سوى إرضاء الحواس، ندرك أنه ينقلب ليصبح عبئًا على الروح.

الهدف الأسمى يرتبط مباشرة بجانبين: الروحي الميتافيزيقي والمادي الدنيوي. يجب على الفرد إدراك أهمية القيم الروحية التي تساهم في تطويره الأخلاقي، إذ أن الغفلة عن الهدف الأسمى تجعل الفرد كالأطفال الذين يسيرون خلف شهواتهم بلا وعي.

مالك بن نبي وتأثيره

قدم المفكر الجزائري مالك بن نبي (رحمه الله) توضيحًا نفيسًا عن نظرية عالم النفس السويسري كارل غوستاف يونغ في كتابه “ميلاد مجتمع”. حيث قام بتمييز بين جانبين من الفرد؛ القناع (La persona) والظل (L’ombre). القناع يمثل الجانب المتجه نحو المجتمع، بينما الظل يشير إلى الجانب الحيوي والغريزي.

إن فهم هذا التمييز يساعد في إبراز كيفية بدأ عملية التغيير التي تبدأ من الفرد وتصل إلى المجتمع. يعد القناع العائق بين العالم الداخلي للفرد وخارجه، حيث تعكس الطاقة الحيوية التي ترتكز على الظل.

# أهمية القناع في المجتمع

سؤال محوري

في خضم النقاش حول المجتمع وما وراء القناع، يطرح سؤالٌ مهم: ما هو سبب وجود القناع الذي يفصل الأفراد عن العالم الخارجي؟

تأمل في المسؤوليات الفردية

قبل توجيه اللوم للآخرين بسبب تقصيرهم في أداء واجباتهم، ينبغي علينا أن نتساءل: هل قمنا نحن بواجباتنا والتزمنا بمسؤولياتنا تجاه أنفسنا والمجتمع بشكل عام؟

مفهوم القناع (la persona)

يمكن فهم القناع على أنه أداة تنظيم وتوجيه للطاقة الحيوية التي تعكس ظلال الشخصية. ليكون هذا القناع فعّالًا، يجب أن يحتضن القيم والمبادئ، وأن يكون الشخص الذي يرتديه ذا فكر سليم يمكنه من التعامل مع الواقع. ففقدان السيطرة على هذه الطاقة الحيوية عند اختفاء القناع يمكن أن يؤدي إلى خروجها بشكل همجي وغير منضبط، مما يفقد الفرد البوصلة ويقوده إلى الضياع.

يتجلى مفهوم (Persona) في إحدى أدوار الممثل في المسرح الروماني، حيث كان يرتدي قناعًا لتجسيد شخصية معينة.

أهمية التلقين والتنشئة الصحيحة

التلقين هو نظام تقليدي يتلقى من خلاله المتعلم المعلومات من معلميه، وتكمن أهميته في توصيل المعرفة وتعزيز الهوية الثقافية. إلا أنه في حال افتقر التلقين إلى دعائمه الأساسية، يصبح غير مؤثر ويظل كديكور خارجي هش.

تعتبر التنشئة على الأسلوب الصحيح الدعامة الأساسية لهذا التلقين، إذ تعزز من المعارف وتنمي القيم الروحية والهوياتية. زرع فكر سليم وقيم ثابتة يجعل الأفراد أكثر التزامًا بالمعلومات المتلقاة، مما يعزز من فرص تغيير حقيقي في الأجيال القادمة.

من المهم أن يتم زراعة روح الإبداع وحب الاستكشاف في الأفراد، ليصبحوا عناصر فعّالة في بناء مجتمع متين.

الخطوة الأولى نحو التغيير

لإحداث تغيير حقيقي، يجب العمل على إصلاح الفرد كخطوة رئيسية، عبر توفير بيئة تربوية صحيحة وتهدف إلى تعزيز الجانب الثقافي. هذا يعزز الانتماء ويوفر للفرد دافعًا للقيام بدوره بكفاءة وحرص.

قبل أن نوجه اللوم للآخرين، يجب أن نتذكر، هل قمنا بواجباتنا نحن؟ كما قال الله تعالى: {إنّ الله لا يغيّر ما بقومٍ حتى يغيّروا ما بأنفسهم}.. صدق الله العظيم.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.