مساعي واشنطن لتهدئة التوتر في المنطقة محاصرة بحركة نتنياهو

Photo of author

By العربية الآن



مساعي واشنطن لتهدئة التوتر في المنطقة محاصرة بحركة نتنياهو

doc 36436jq 1721504827
نتنياهو استقبل بياناً يدعو لجولة جديدة من المفاوضات (الفرنسية)

منذ البداية الفورية لإعلان اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية هرعت الإدارة الأميركية إلى التركيز على مسألة مفاوضات وقف العداء وتبادل الأسرى، في سعي منها لاحتواء ردود الفعل المحتملة من إيران وحلفائها في المنطقة.

تزامن اغتيال هنية مع اغتيال الزعيم العسكري البارز في حزب الله اللبناني فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت، وسبقه استهداف مرفأ الحديدة اليمني الواقع تحت إدارة جماعة أنصار الله الحوثية فيما اعتُبر تصعيدا إسرائيليا غير مسبوق على مستوى الإقليم، وجاءت مذبحة الفجر في مدرسة الطلاب في غزة لتكمل المشهد الدامي بالشكل المرغوب من قبل الحكومة الإسرائيلية المتطرفة.

وفي أول ردها على اغتيال الشهيد هنية رفضت وزارة الخارجية الأميركية التعليق على عملية الاغتيال، وقال المتحدث باسمها ماثيو ميلر “إن تحقيق اتفاق لتحرير الأسرى ممكن، وأن واشنطن لا تزال تعمل نحو إغلاق الفجوات في الاتفاق بين إسرائيل وحماس”.

السياسة الأميركية

بحثت الإدارة الأميركية في سبيل تهدئة التوترات الإقليمية عبر وضع خطة استراتيجية تركز على الاستعداد العسكري والتقني لدرء أي هجمات إيرانية ضد إسرائيل، حيث نشرت أنظمتها الدفاعية وأرسلت حاملات طائرات مع تعزيز التعاون مع حلفائها في المنطقة.

وزادت من الجهود الدبلوماسية واستخدمت وساطات مع إيران وحزب الله بهدف تقليل شدة الصدام أو منعه بما يحول دون تصعيد موسع في الإقليم.

وعندما أُعتبرت الصراعات في قطاع غزة مصدرًا رئيسيًا للتوتر في المنطقة، قامت إدارة الرئيس جو بايدن بتنشيط مسار المفاوضات لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى في غزة.

ولكن لم يكن هدف تفعيل مسار التبادل لتحقيق تقدم حقيقي، بل كان بمثابة تقديم لعرض ضعيف، لأن إدارة بايدن كانت تعرف جيدًا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعتزم التخلص من الضغوط المحيطة به للانتقال إلى تصعيد في غزة والمنطقة.

البيان المشترك

جسّد البيان المشترك بين الولايات المتحدة وقطر ومصر الجهود الأميركية لإدارة عملية المفاوضات للتأثير على موقف إيران وحلفائها بخصوص ردود الفعل وحجمها المحتمل.

حاولت الولايات المتحدة عزل موقف إيران وحلفائها من خلال تصويرهم كالجهة التي تريد تصعيد الأمور، مع تحفيز جو إيجابي لاستئناف المفاوضات التي دعت إليها الأطراف في منتصف هذا الشهر.

وتُعزز هذه الرؤية ترحيب نتنياهو المستقبلي بالبيان المشترك واستعداده لإرسال وفد من المفاوضين إلى القاهرة.

في الوقت المُحدد الذي حدده الإعلان الثلاثي لبدء جولة تفاوضية جديدة.

بينما يعكف نتنياهو على الترحيب السريع بالبيان، مما يعكس اعتقاده بأن الولايات المتحدة ترغب في خدمة استراتيجية الاحتواء الإقليمية بدلاً من التركيز على جهود وقف إطلاق النار في غزة. وفي هذا السياق، أقر مسؤولون في إدارة بايدن بأن اغتيال إسماعيل هنية قد يعرقل جهود الوساطة.

ردّ حماس

من ناحية أخرى، أعربت حركة حماس في بيان عن موقف واضح يركز على ضرورة أن يكون أي جهد لفتح مسار لوقف إطلاق النار وصفقة تبادل جهدًا عمليًا لتنفيذ الاتفاقات المسبقة التي قدمها الوسطاء.

وجاء في بيان الحركة أنها “تطالب الوسطاء بتقديم خطة لتنفيذ ما قدموه للحركة ووافقت عليه في 2 يوليو 2024 وفقًا لرؤية بايدن وقرار مجلس الأمن، وإلزام الاحتلال بذلك”.

واعتبرت أن ذلك يعد “أفضل من الانغماس في جولات تفاوضية إضافية أو اقتراحات جديدة تُمكّن عدوان الاحتلال وتمنحه مزيدًا من الوقت للاستمرار في حرب التطهير العرقي ضد شعبنا”.

ويشير بيان حركة حماس إلى أنها تدرك الغاية الحقيقية من الضغوط الأميركية لتعزيز مسار التفاوض على وقف إطلاق النار، واستقبال الاحتلال لهذا التوجُّه الأميركي مباشرة.

مجزرة الفجر

جاءت مجزرة مدرسة التابعين في غزة لتُعيد المشهد إلى حقيقته وتُسقط بسرعة التركيز الأميركي على جولات التفاوض وقف إطلاق النار في ظل اتساع نبرة المنطقة، إذ يُعتبر التصعيد الخيار الوحيد لنتنياهو في الشهور التي تسبق تنصيب رئيس جديد في البيت الأبيض.

وشهدت المجزرة المروعة، التي خلفت أكثر من 100 قتيل بالإضافة إلى أكثر من 200 جريح بين المدنيين، استعراضًا حقيقيًا وعمليًا من نتنياهو ردًا على أي جهد لمسار تفاوضي جدي يهدف إلى وقف الحرب وإبرام صفقة للتبادل.

هذا المنظر الذي يفرضه نتنياهو على إدارة بايدن والمنطقة

تم رفع درجة الهشاشة وعدم اليقين في استراتيجية احتواء التصعيد الإقليمي الأميركية إلى آفاق جديدة.

تظهر رهانات نتنياهو على عجز ورفض إدارة بايدن لتمارس ضغوطًا فعّالة لوقف الحرب بصورة قوية وناجحة في كل مرة، فهو الذي يضع الواقع الأميركي.

بذلت نتنياهو جهودًا لتوجيه الجهود الأميركية، بما في ذلك مساعي تحقيق وقف إطلاق النار، تعمل على تعزيز إستراتيجيته في تطويل فترة الحرب.

الإلتزام بإيران

على الرغم من ذلك، فإن التزام إيران وحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن بالرد على التصعيد الإسرائيلي الأخير يعرض رهانات نتنياهو باللعب على حافة الهاوية لاختبار جدي، قد يكون غير مسبوق، وذلك لأن معادلة إيران تخطت الصراع في غزة، وأصبحت مرتبطة بأمنها القومي وسيادتها وأمان أراضيها ومسؤولياتها.

والتخطّي للخطوط الحمراء مع حزب الله عبر استهداف قادته في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت ينقل التصعيد في الجبهة الشمالية لإسرائيل إلى مستوى متقدم أيضا.

قد يُشكّل عنصر التزام عناصر محور المُقاومة – بما في ذلك الحوثيين في اليمن – أحد السيناريوهات التي لم يتوخ نتنياهو مواجهتها، ما يعقّد المهمة على الولايات المتحدة ويزيد من احتمال فشلها في ضبط إيقاع التصعيد.

ويبدو أن الأداة الدبلوماسية الرئيسية التي كانت ترغب إدارة بايدن في استخدامها لاحتواء التصعيد قد تعرضت لإغراقها من قبل نتنياهو في دماء الفلسطينيين في مدرسة التابعين.

كما أن تجربة إيران في الرد على استهداف السفارة الإيرانية في دمشق في أبريل/نيسان الماضي لم تكن مُشجعة لمحور المقاومة من حيث النتيجة النهائية.

وعرضت طبيعة الضربة الإيرانية ومَدى ابتعادها عن استهداف المناطق السكنية والمنشآت الحيوية في عمق الكيان الاحتلالي أن إيران قد استجابت نسبيا لجهود تهدئة التصعيد التي قادتها الولايات المتحدة حينها، على أمل أن تشكل تلك الجولة من التصعيد المتبادل تحذيرًا يمنع إسرائيل من تكرار استهداف مصالح إيران والتطاول على سيادتها.

ولكن إغتيال هنية في قلب طهران وفي منشآت تابعة للحرس الثوري الإيراني يُجبر إيران على إعادة تقييم مواقفها من الموقف الأميركي، سواء من ناحية قدرته على ضبط الاحتلال أو رغبته في القيام بذلك.

التورط في المنطقة

تبدي إدارة بايدن قصورا في استعمالها الأدوات للسيطرة على التصعيد في الساحة، باصرارها على تعزيز الجانب العسكري لصد الهجوم الممكن من إيران، مما يُرجح عودة الولايات المتحدة للاشتباكات العسكرية في المنطقة.

تلزم استراتيجية القوات المسلحة الأمريكية بتعاون وجهد مشترك من الحلفاء المحليين، وذلك قد يضعهم في مأزق محرج، مما يحد من التوازن مع إيران ويزيده التوترات مع دول المنطقة.

في السياق نفسه، على الأردن أن يشد حيله لتقليل من الاستفزازات، نظرا للضغوط والمسؤوليات التي ستتحمّلها إذا شاركت في الرد على هجوم إيراني محتمل، وهنا تعمل إدارة بايدن على تفادي فرض مزيد من الضغوط التي يفرضها نتنياهو على الحلفاء.

الجانب الأكثر حساسية في هذا السياق هو احتمال تأثر مجرى الصراع بأقوال إيران أكثر من إسرائيل، وهذا يُعتبر عائقا رئيسيا أمام الولايات المتحدة التي تواجه خيارين، تصاعد إقليمي أو تدخل إيراني أكبر لتحقيق استراتيجية التهدئة الإقليمية، بما في ذلك حرب غزة، على سبيل المثال.

من الواضح أن إدارة بايدن ترفض الخيارين، فإما أن تسمح إيران بدخولها ضمن إطار الجهود الشاملة للتهدئة ووقف حرب غزة، مما يتيح للفلسطينيين تعزيز مواقفهم، أو أن تفرض إيران خيار التصعيد لفترة طويلة لاستعادة مكانتها وتوازن الردع، بالإضافة إلى دعمها لمواقف التفاوض الفلسطينية.

المصدر : الجزيرة



أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.