تولى إخراج “جولة أخيرة” مريم أحمدي، وقام بالتأليف كل من أحمد ندا ومحمد الشخيبي، وشملت الأدوار البارزة أحمد السقا وأشرف عبد الباقي وأسماء أبو اليزيد وعلي صبحي ورشدي الشامي، وتكون المسلسل من 9 حلقات، يتم عرضها على منصة “برايم فيديو” بشكل تتابعي.
تحدي بين النجاح والفشل
تقدم “جولة أخيرة” في أحداث أولى حلقاته نجمها “شجيع/يحيى/ أحمد السقا” في قمة نجاحه، ثم تراجعه الكارثي. ينطلق المسلسل بمقارعة قتالية ضد اللاعب الناشئ “سند”، يفوز “يحيي” فيها بسهولة، وبعد الانتصار واستقبال التهاني، يسقط منافسه ميتا جراء عنف ضرباته.
تتقدم الأحداث بضع سنوات، حيث خسر “يحيي” كافة معنوياته تقريبًا بسبب هذا الصدمة، تركته زوجته واصطحبت ابنته، ولم تقدم له الأدوية النفسية الضرورية لمواجهة شعوره بالذنب. ينسحب عن رياضته المفضلة، ويعاني من عبء الديون الضخمة بينما راتبه كطبيب في المستشفى لا يكفي لتغطية نفقاته الشخصية، وتتفاقم معاناة والده من مرض الزهايمر.
نلتقي بالبطل في أحد لحظاته الأكثر ضعفًا، حيث تُعيد له زوجته السابقة ابنته وترحل إلى الخارج لتدبر احتياجاتهما المالية في قلب فقر “يحيي” العميق، وتعود الابنة التي أبعدت عنها نتيجة التدهور الذي عاشه خلال السنوات الماضية، بعد اعتزاله بكل جوانب حياته سواء ماديا أو نفسيًا أو عقليًا، وبتشخيصه بمراحل مبكرة من مرض الزهايمر لم يخبر إلا مدربه السابق الكابتن “تمبي”.
يستعيد “يحيى” الأمل مجددًا بعرض شبكة “علي صبحي” له -المراهن الرياضي- المشاركة في بطولة عالمية مع ضمان كافة التجهيزات والتدريبات الرياضية الضرورية مقابل نسبة من الأرباح عند الانتصار، الأمل الذي يتشبث به “يحيى” ليخرج من الورطة المالية، ويظهر أمام ابنته كبطل لآخر مرة قبل أن تنساه ويمثل عبءًا عليها إلى الأبد مثل والده الآن.
الشبيه الروحي لروكي
موضوع البطل الرياضي المتقاعد الذي يعاني من تحديات نفسية وصحية، ويحاول العودة لممارسة رياضته لآخر مرة ليثبت لذاته نجاحه بالطريقة الوحيدة التي عرفها، هذا الموضوع تكرر في العديد من المسلسلات والأفلام بمختلف اللغات، ومن أبرزها سلسلة أفلام “روكي”.
روكي اعتزل الرياضة وعاد من الاعتزال 4 مرات خلال 6 أفلام، آخرها وأقربها لمفهوم “جولة أخيرة” الجزء السادس بعنوان “روكي بالبوا” (Rocky Balboa) الذي أنتج عام 2006 وأخرج وقاد بطولته “سلفستر ستالون”، يعيش الشيخ “روكي بالبوا” حياة هادئة بعد وفاة زوجته “أدريان”، وتتلاشى علاقته مع ابنه بشكل تدريجي، ثم تتحديه إحدى الشباب في مباراة تخرجه من اعتزاله. يفتقد “روكي” اللياقة البدنية لخوض النزال، فيبدأ في التدريب جسديًا ويحاول التقرب لابنه عاطفيًا، وفي الآن ذاته يخشى من تأثير المواجهة على عقله، حيث اعتزل الرياضة بسبب الإصابات المتواترة للدماغ.
بمقارنة هذا المؤامرة بمسلسل “جولة أخيرة”، نجد العديد من الشبهات، لا يمكن تجاهلها، حيث تظهر تأثر المنتجين بسلسلة “روكي” أو غيرها من الأفلام والمسلسلات التي استعرضت هذا المفهوم من قبل.
النقد الموجه للعمل هنا يتعلق خاصة بتضمينه لفكرة مرض الزهايمر سواء لوالد البطل أو البطل نفسه، وقلقه من فقدان ابنته ونفسه ووالده في نفس الوقت، ما أضفى على القصة بعدًا إنسانيًا لم يكن متوفرًا لو كان العمل يركز بشكل أساسي على فكرة عودة بطل رياضي متقاعد.
توجيه أضاع السيناريو والتمثيل
يقدم مسلسل “جولة أخيرة” نجمه أحمد السقا في دور
متفاوت عما يشاع، إذ يظهر هنا بصورة غير مألوفة، ليس كبطل شجاع خدوم، أو كشخص عنيف يتحكّم بالآخرين، بل بصورة هشّة جسديّا ونفسيّا، تسعى لتحقيق أي انتصار يعيد إليها إنسانيتها.
أظهر السيناريو تعقيد هذه الشخصية، والشخصيات الأخرى كـ”تمبي” الكابتن الذي يبحث عن ابنه المفقود أو “شبكة” ذي الماضي المظلم الذي لا يستطيع الفرار من ظله، وحتى شخصية “عليا” التي تميل إلى “يحيى” وتكرهه في الوقت ذاته، لذلك يمكن اعتبار عنصر السيناريو وبالأخص رسم الشخصيات مميزات المسلسل.
بالمقابل، يعاني تنفيذ هذا السيناريو من العديد من العيوب، أبرزها الأداء التمثيلي، بشكل خاص أداء “أحمد السقا” الذي يحاول بجد إبراز جانب الضياع الذي يعيشه البطل، سواء تجاه حياته السابقة التي فقدها فجأة، أو مستقبله غير المؤكد بسبب تشخيصه بمرض الزهايمر.
تركز السقا في أدائه على هذا الجانب فقط من الشخصية، ظهر ثقيلا مندفعا بالادعاء، ومقارنة بأداء كل من “أشرف عبد الباقي” و”علي صبحي”، نجد تكرارا في هذا الأسلوب التمثيلي الذي يعتمد على تعزيز وجهة نظر محددة مسبقا حول الشخصية والاستمرار في إبرازها مع تجاهل باقي جوانبها حتى الوصول إلى تعميم، مثلاً، “يحيى” البطل الخائف و”شبكة” يغمرهما الشعور بالخجل والرغبة في الفرار من ماضيهما و”تمبي” الوحدة.
ولا يمكن أن ينسب هذه العيوب كلها إلى الأداء الفردي، بل لإدارة الممثلين عموما، وهي مسؤولية المخرجة “مريم أحمدي” التي تركز أسلوبها على السطوح الخارجية للشخصيات دون الانحياز للعمق، الأمر الذي تكرر في مسلسلها السابق “60 دقيقة” حيث تم تنميط الشخصيات رغم غناها.
يمثل مسلسل “جولة أخيرة” فرصة فائتة، فعلى الرغم من تكرارية الموضوع، زودها بجانب إنساني فريد، لكن هذا التميز ضاع بفعل إخراج أهمل الأعماق الشخصية، وركز على السطحيات، فجور السيناريو والأداء التمثيلي معا.