معجم “غزة”: بين الأساطير والدراما

Photo of author

By العربية الآن

معجم “غزة” بين الأسطورة والملهاة

بسبب الحرب.. عام دراسي دون تعليم في غزة
أصبح الغزّيون لغويين دون أن يدركوا يطرحون الإشكاليات على الحياة يواجهون البندقيّة بالرثاء (الجزيرة)
في الوقت الذي تعاني فيه غزة من ويلات الحرب، لا يمكن اعتبارها الحرب الأولى على مر التاريخ. فقد شهدت البشرية مآسي وحروباً مشابهة عبر العصور. في بداية الإنسانية، عُرفت المجازر والحروب في العديد من الأماكن، سواء في أوروبا أو آسيا أو أفريقيا. ومع ذلك، تحمل حرب غزة خصوصية معينة، إذ أطلقت عبارات وجمل اخترقت صمت الألم، مثل: “وين نروح؟”، “يوسف شعرو كيرلي وأبيضاني وحلو”، وغيرها من العبارات التي تلامس وجدان الناس.

الأثر الإنساني وطبيعة العبارات

العناصر اللغوية التي ترددت في غزة لم تكن مجرد تعبيرات، بل كانت تجسيداً للواقع الذي يعيشه الغزيون. فعندما استشهد الطفل يوسف، كانت كلمات والدته بمثابة استنطاق إنسانيتنا. كما أن الحرب شهدت صراعات بين اللغة الوطنية والعبرية، حيث تمكن الغزيون رغم الألم من التعبير عن وجودهم بشكل قوي.

أصبح الغزّيون لغويين دون أن يدركوا، يطرحون الإشكاليات على الحياة، ويواجهون البندقية بالرثاء.

أسطورة أم ملهاة؟

تمثل تجربة الغزّيين أقوى الرموز والملاحم الإنسانية، حيث أصبح الشعر والتعبير الفني لا يكفيان لوصف المعاناة. فقد صارت الأحداث والشخصيات في غزة أسطورية تتجاوز الحدود التقليدية للفن، مما يجعل الحديث عنها أمراً شائكاً وصعباً.

الشعر في غزّة وعن غزّة لم يعد نافعًا، فقد هزم موت الفنون جميعها، كما قال محمود درويش.

# مأساة غزة: حكاية إنسانية ملهمة

لو كنا نتحدث عن حرب جديدة، لكان يمكننا تشبيهها بأحد الأفلام الدرامية. لكن الإبادة التي تحدث الآن في غزة ليست كأي فيلم، فنحن نتحدث عن أناس، عن مدنيين، عن آمال تتقطع، وأيادي ضعيفة تعجز عن حمل الحجارة كما فعلت في الانتفاضتين الأولى والثانية، بسبب الجوع والعطش. الغزاويون يقاومون الآن مع شعور الانتظار، يتساءلون: هل جاء دوري، أم علي أن أحمل البندقية والخبز لأقاتل؟

الشعر والفن في غزة: لغة القلوب المكسورة

لم يعد الشعر المتعلق بغزة كافيًا، فحتى الكتابة عن الطوفان لم تعد مثيرة للاهتمام. ليس ذلك تقليلاً من أهمية القضية، بل هو تكريم لشعب “هزم موت الفنون جميعها” كما قال محمود درويش، في صراعه مع المرض. السلسلة الأليمة من الحروب التي عاشها الغزاويون محفورة في ذاكرتهم، وتجول في شوارعهم كأنهم ما زالوا في مايو 1948، ممسكين بمفاتيح منازلهم ودموعهم مؤجلة. هم ليسوا شخصيات سينمائية، بل نصوص حية تبحث عن كاتب يتذكر، عن نهار لا يذكرهم بالاتفاقات التي سرقت بيوتهم. هم يبحثون عن بحر حي ينقلهم إلى ضفة فلسطين الهادئة.

مستقبل غزة: الأمل في الفوضى

ليس مطلوبًا منا أن نصنفهم، فهم يمتلكون القدرة على رسم العالم وكتابة تاريخنا الساخر من العجز. قد لا يسامحوننا، لكن ربما سيتعايشون معنا. الغزاويون اليوم يدركون أن العيش في هذا العالم هو كالعطش تحت خيمة تتسرب منها هواء بارد. غزة، بواقعها الأليم، أعادتنا إلى حقيقتنا، إلى لغة تعكس فصاحتنا.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.