من البراكين للعواصف.. هل تؤثر اقترانات الكواكب في السماء على الأرض؟
تتألق الكواكب في السماء نتيجة انعكاس ضوء الشمس، على غرار القمر. لكن بسبب بعدها الكبير، تظهر بلون خافت، مما يجعلها تبدو كنجوم.
لطالما لاحظ أسلافنا حركة الكواكب في السماء، حيث اعتقدوا في الماضي بوجود صلة بين تلك الكواكب وأحداث على سطح الأرض. فمن دور المنجمين في الربط بين مصائرنا والوضع الفلكي، إلى الإدعاءات الأحدث التي تفيد بأن اقتران الكواكب يؤثر على الظواهر الجيولوجية، مثل البراكين والزلازل، وكذلك المناخية مثل الأعاصير والفيضانات.
تأثير الكواكب
على الرغم من ذلك، يتفق العلماء على أن هذه النظرية ليست صحيحة، حيث أن اقترانات الكواكب هي في الأساس ظاهرة بصرية. الكواكب التي نراها قريبة من بعضها في السماء تبعد في الحقيقة مسافات شاسعة عن بعضها البعض؛ فالمريخ مثلًا يبعد عن الأرض حوالي 220 مليون كيلومتر، في حين أن المشتري يبعد حوالي 800 مليون كيلومتر، ورغم ذلك نراهما بجانب بعضهما في السماء.
من بين الدراسات التي أُجريت في هذا السياق، كانت هناك توقعات نشرها في عام 1974 الفيزيائي الفلكي البريطاني المعروف جون جريبن بالتعاون مع ستيفن بلاجمان في كتاب بعنوان “تأثير المشتري”. تحدث الكتاب عن التأثير المحتمل للاقترانات الكوكبية على الزلازل الأرضية، حيث توقع الكاتبان -من ضمن توقعات أخرى- حدوث زلزال في فالق سان أندرياس بولاية كاليفورنيا في العاشر من مارس عام 1982.
وذكر العالمان أن الاقترانات الكوكبية قد تؤثر على الشمس، ما قد يؤثر بدوره على الأرض عبر تقليل دورانها، مما قد يسبب حدوث كوارث مثل زلزال سان أندرياس المزعوم. لكن، مرت أحداث العاشر من مارس دون أي حادثة تذكر، وفي عام 1990، أقر جريبن بأنه أخطأ في فرضيته واعتذر عن صلته بهذا الموضوع.
اتفاق العلماء
يُجمع علماء الفلك والجيولوجيا على عدم قدرة اقترانات الكواكب على التأثير بشكل يسبب الزلازل والبراكين وغيرها من الكوارث المناخية، نظراً لبعد تلك الكواكب. فعلى الرغم من أن القمر، الذي يُعتبر صغيرًا مقارنة بالكواكب، له تأثير أقوى بكثير بسبب قربه من الأرض حيث يتحكم في حركة المحيطات، لا يتم ملاحظة التأثير نفسه مع تزامن الكواكب.
الكواكب الكبرى مثل المشتري وزحل تملك جاذبية كبيرة، ولكن حتى مع هذه الجاذبية، تضعف تأثيراتها بسبب المسافة البعيدة. فعلى سبيل المثال، جاذبية المشتري أقوى بكثير من جاذبية الأرض، لكن تأثيرها علينا ضئيل جدًا بسبب بعدها الكبير.
قد يقارن تأثير الأجرام السماوية بالقمر، حيث تنتج تأثيرات أكبر من أي كوكب آخر. فعلى مقياس تأثير جاذبية الشمس على الأرض، يتساوى مع 1، بينما يصل تأثير القمر إلى 2.1، مما يجعله الأكثر تأثيراً في حركة المد والجزر.
في حالة كوكب الزهرة، فإن تأثيره الجذبي على الأرض يبلغ 0.000113، في حين أن تأثير المشتري هو 0.0000131، بينما نبتون يقدم تأثيرًا يكاد يكون معدومًا عند 0.000000002.
توضح وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) أن إذا اصطفَت جميع الكواكب بشكل مثالي، فإن تأثير جاذبيتها لن يرفع المد والجزر لأكثر من 21 جزءًا من المليمتر، فما بالك بالتأثير على القشرة الأرضية الصلبة وإحداث الزلازل والبراكين.
لم تتزامن بعض الزلازل والبراكين مع اقترانات الكواكب؟
في بعض الأحيان، قد تتوافق الكوارث الطبيعية مثل الزلازل مع الاقترانات الكوكبية، لكن ذلك يعد مجرد صدفة ناتجة عن استخدام مصطلحات غامضة.
على سبيل المثال، يُعد الخبير الهولندي فرانك هوغربيتس من أبرز المروجين لهذه الأفكار، لكنه يتجاهل معايير أساسية تنطبق على توقعات الزلازل، مثل مكان حدوثها، وتوقيتها، وقوتها.
تشهد الأرض أكثر من مليون زلزال سنويًا، يمكّن نحو نصفها من الرصد بأجهزة قياس الزلازل، وأما 100 ألف زلزال منها تتمكن الناس من الشعور بها، ويعتبر 100 منها فقط قادرة على إحداث أضرار، بينما تتراوح الزلازل المؤثرة (أعلى من 7 درجات) بين 15 إلى 20 زلزالًا سنويًا.
لكن بما أن اقترانات الكواكب تحدث تقريبًا كل شهر، فإن فرصة حدوث مصادفة ليست بالأمر الغريب، خصوصًا عند استخدام عبارات وعبارات عامة ولا تحدد معايير الزلازل الأساسية.
حتى في حال نجاح أحد التنبؤات، فإن المنهجية العلمية تستدعي أن يقدم الباحث مجموعة من التوقعات لتجنب المصادفة. وهنا عادة ما يفشل هوغربيتس وأقرانه، حيث يملؤون الإنترنت بالعديد من التوقعات سنويًا، وعندما يتحقق أحدها يتصور الناس أنه كان دقيقًا.
يتسم المنجمون بنفس الأسلوب، حيث يقومون بإطلاق تنبؤات غامضة (مثل “رئيس دولة كبرى سيتوفى هذا العام” أو “حرب عظمى ستقع في الشرق”)، وما إن يحدث أحد هذه الأحداث، حتى تتصاعد النقاشات حول مصداقية توقعاتهم.
رابط المصدر