“من الغيبوبة إلى الماراثون”.. أهمية العمل الجماعي في الكيانات السورية
24/9/2024
لا شك أن الأحداث التي أعقبت “الربيع العربي” قد عززت من إدراك الحشود لقدراتها وأدوارها الحيوية. لقد تزايدت أهمية المجتمع المدني، حيث أصبح فاعلاً مؤثراً وموجهاً، خصوصاً في الدول التي تحولت فيها الثورات إلى صراعات مسلحة. وقد برزت بعض الكيانات المدنية الجديدة أو القديمة كمساهمات واضحة في الأبعاد السياسية والإنسانية.
يحاول كتاب “من الغيبوبة إلى الماراثون” الصادر عن مركز الحوار السوري، بجهود الباحثة كندة حواصلي، دراسة تجربة “العمل الجمعي” في الكيانات السورية بعد عام 2011. يعالج الكتاب مجموعة من الأسئلة المشتركة بين السوريين حول قدرتهم على التعاون والعمل الجماعي، ويقدم تحليلاً لهذه الأسئلة لفهم الأسباب وراء هذا التحدي.
### أهمية الكتاب في تحليل تجارب العمل الجماعي
يتميز هذا الكتاب بمحاولته تقديم تحليل عميق لتجارب العمل الجمعي الجديدة في سوريا، وإبراز الجوانب الإيجابية والسلبية لهذه التجارب. يسعى الكتاب إلى تسليط الضوء على مشكلات هذا النوع من العمل المدني، بهدف تعزيز الفهم العميق والتوصل إلى حلول فعالة. كما يقدم المبادئ الأساسية اللازمة لإدارة وتقييم أداء هذه الكيانات.
### فهم أنماط العمل الجماعي
يبدأ الفصل الأول من الكتاب بتحديد المصطلحات وفهم أنواع العمل الجماعي، حيث يفرق بين “المجموعة” و”فرق العمل” و”الكيانات الجمعوية”. ويشير هذا الفصل إلى أهمية العلاقات الداخلية والأساليب القيادية في تحديد طبيعة هذه الأنماط المختلفة، وخاصة في كيفية اتخاذ القرارات ومشاركة الأعضاء في هذه العمليات.
يعرف الكتاب العمل الجمعي كجهد غير ربحي يشمل كيانات تهدف إلى خدمة المجتمع وتقديم حلول لمشكلاته، مع ضرورة أن يتسم العمل بكونه طوعياً ويعزز القيم المجتمعية.
### تجربة العمل الجماعي في سوريا
يتناول الكتاب نظرية توكمان التي تصف مراحل تشكيل مجموعات العمل، ويستعرض خمس مراحل رئيسية تشمل التشكيل والاحتدام والاعتماد على النموذج. يهدف هذا التحليل إلى فهم السلوكيات والاحتياجات المطلوبة لتقديم أداء قيادي فعّال.
## لمحة عن واقع العمل المدني في سوريا
يتناول القسم الثاني من الكتاب صورة واقع العمل المدني في سوريا بعد الاستقلال، مع توضيح التطورات التي طرأت عليه بعد صدور قانون التنظيم النقابي عام 1964. ينتقل الكتاب بلطف إلى عام 2011، متجاوزًا فترة الجمود السياسي والمدني، ليبرز الظروف الداخلية والخارجية التي أدت إلى عودة متزايدة للعمل المدني بجهود ذاتية من بعض السوريين.
تحليل التجربة السورية الناشئة
يمتد الفصل الثالث ليتناول تفكيك التجربة السورية الناشئة. يشير الكتاب إلى أن معظم التجارب الجمعيّة في سوريا انضمت إلى نمط متقارب يتماشى مع النظريات المطروحة، وهو نمط واضح في التجارب المدروسة. ويُحلل هذا الفصل دوافع التشكيل والأفكار والمشاعر والسلوكيات بين السوريين، مؤكداً أن معظم التجارب عانت من الجمود بين مرحلتي العواصف واعتماد النموذج.
أنماط المشاكل المتكررة
ينتقل الكتاب إلى الفصل الرابع الذي يقدم تحليلًا مفصلًا لمشاكل التجارب المدروسة، حيث صنفت الباحثة هذه المشاكل إلى أربعة أنماط رئيسية. تتضمن المشاكل المرتبطة بالصفات الفردية مثل الأنانية وغياب الضوابط الأخلاقية، بالإضافة إلى مشاكل ثقافية تتعلق بفقدان الثقة و”الشللية” و”المناطقية” التي طغت على الهوية الوطنية.
المشاكل الإدارية وتأثير الدعم الخارجي
تشير الباحثة إلى أن المشاكل الإدارية تكررت في جميع التجارب بوضوح، مع غياب الوعي والمهارات القيادية المطلوبة. كما تتناول تأثير الدعم الخارجي وتأثيره السلبي على الأداء العام لهذه الكيانات، حيث تعرضت لقيود من الجهات الداعمة.
جذور المشكلة وفهم الأسباب
في الفصل الخامس، يقدم الكتاب معلومات عن الأسباب التي أعاقت السوريين عن العمل في هذه الكيانات. يتم تسليط الضوء على تأثير تجميد العمل المدني والأجواء القمعية التي عانى منها السوريون لعقود.
الجوانب الإيجابية لتجارب العمل المدني
في الفصل السادس، تبرز الباحثة بعض الجوانب الإيجابية لهذه التجارب، مشيدة بنموها في بيئات استثنائية وقدرتها على إثبات وجودها. تشير إلى أن هذه التجارب تعد أولى خطوات النضج والنمو، حيث ساهمت في تطوير أدوات جديدة للممارسة والتجريب.
معايير تقييم النجاح والفشل
على الرغم من الصعوبات المحيطة بالتجارب، تشير الباحثة إلى ضرورة الابتعاد عن أحكام متسرعة وتقييم هذه التجارب بشكل منطقي ومعاصر، رافعة مستوى الوعي بأهمية العمل الذي تم إنجازه.
معايير نجاح كيانات العمل الجمعي
يستعرض الفصل السابع من الكتاب معايير يمكن استخدامها لتقييم مدى نجاح الكيانات الناشئة في العمل الجمعي، رغم الصعوبات المرتبطة بتعقيد ظروف نشأتها. ويقترح الفصل ثلاثة معايير رئيسية: أولاً، يستند إلى 12 معيارًا للحوكمة تهدف إلى قياس جودة “الحكم الديمقراطي الجيد”. ثانياً، ينظر في معايير قياس الأداء التي تتراوح بين قيمة وأداء المؤسسات وتأثيرها، وصولًا إلى إدارة الصراعات ورأي أصحاب المصلحة. وأخيرًا، يتوقف عند التحولات في اتجاهات النمو والتطور التي تتيح للكيانات الانتقال من مرحلة النمو إلى التأثير المستدام.
فرص وتحديات العمل الجمعي
أما الفصل الثامن، فيتناول مجموعة من الفرص والتحديات التي تواجه مؤسسات العمل الجمعي السورية. يسلط الضوء على جوانب القوة والفرص المتاحة التي يمكن استغلالها، مثل المرونة وسرعة التعلم والإحساس بالمسؤولية. بالإضافة إلى ذلك، يستعرض الفصل احتياجات ضرورية لتعزيز الأداء، مثل بناء الوعي الذاتي والمجتمعي حول الأدوار والمهام الموكلة لتلك الكيانات، وتأهيل الكوادر بشكل يمكنهم من مواجهة المشاكل.
السلوكيات المطلوبة لتقدم العمل الجمعي
ينبه الكتاب إلى ضرورة تغيير بعض السلوكيات التي قد تؤدي إلى إخفاق العمل الجمعي، مثل المحاصصات والإقصاء وتصحيح العلاقة مع الداعمين. كما يسلط الضوء على الأدوار الغائبة عن الكيانات والتي تتعلق بدورها المجتمعي المحلي والدولي، ما قد يفتح لها مجالات تأثير جديدة.
التوصيات وآليات التحسين
يختتم الكتاب بعرض نتائج البحث والدراسة، متضمنًا مجموعة من التوصيات العملية التي تعزز التجربة وترفع الوعي. كما تشير التوصيات إلى أهمية تطوير مستويات الإدارة الحالية وإعادة تشكيل الذهنية الجمعية والثقافية لدى المشاركين في هذه الكيانات والمجتمعات المحيطة بها.
يتألف الكتاب من 188 صفحة، حيث يقدم دراسة متعمقة للتجربة السورية، مدعمة بأمثلة وشهادات من المشاركين فيها. واستندت الدراسة على أكثر من 33 مقابلة معمقة استغرقت حوالي 50 ساعة، بالإضافة إلى حالات دراسية لخمسة كيانات جمعوية سورية عملت في مجالات متعددة خلال 13 عامًا.
كتاب “من الغيبوبة إلى الماراثون” لا يقدم فقط دراسة للتجربة السورية الناشئة، بل يتقاطع مع الواقع المدني ومشاكل العمل في البيئات العربية والإسلامية. يسلط الكتاب الضوء على غياب الدراسات العلمية الرصينة حول هذا الواقع، ويعتمد على المعرفة المستوردة من الغرب. يساهم الكتاب في إثراء المكتبة العربية بدراسة تحليلية عميقة تساهم في فهم الواقع المعقد وتحسين مؤسسات العمل الجمعي.