من قصة نيكاراغوا التي دافعت عن فلسطين، كتب أنطوان التلحمي لمحكمة العدل
وأكد الفريق القانوني لنيكاراغوا في مرافعته أن الدعم العسكري الألماني لإسرائيل زاد 10 أضعاف خلال الأشهر القليلة الماضية، مطالبا محكمة العدل الدولية بأن تفرض على برلين وقف دعمها العسكري لإسرائيل.
وفي هذا يروى الخبير في القانون الدولي الأستاذ سعيد جبار أن هذه الحالة في غاية الأهمية، لأنها بنيت على موضوع جنوب أفريقيا، وهي بذلك تعتبر نقطة البداية التي تساعد في منع الدول التي تسهل عملية الإبادة الجماعية في غزة.
وصحيح أن محكمة العدل رفضت تلك الشكوى بحجة أن لا مسؤولية للمحكمة في فرض اجراءات مؤقتة ضد ألمانيا، لكن يضعنا هذا الموقف أمام التساؤل: لماذا اتخذت نيكاراجوا هذه الخطوة، وما هو مستوى الاتصال بينها وبين دولة فلسطين؟
بداية السرد
في عام 1906 ولد “أنطوان داود” في كولومبيا، وقد اشتهر بـ”التلحمي” نسبة إلى مدينة بيت لحم الفلسطينية التي ينحدر منها، وكان قد زارها للمرة الأولى عام 1936، حسب وصية جده، ثم عاد إليها مرة أخرى حيث نفذ إحدى أبرز عملياته في فلسطين، وهي تفجير الوكالة اليهودية في 11 مارس/آذار 1948.
وفي عقود القرن الماضي، انضم الثائر داود إلى قوات القائد الشعبي النيكاراغوي، أوغستو ساندينو، الذي كان يحارب التدخل الأميركي في بلاده، وكانت حكم رئيس نيكاراغوا، أناستاسيو سوموزا غارسيا، تابعة تمامًا للولايات المتحدة. وفي ذلك الزمن ظهر التعاون بين نيكاراغوا وفلسطين بشكل فردي.
وشارك داود في تدريب العناصر المتمردة على نظام سوموزا، لأنه كان يرى أن الدول الاستعمارية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا تسبب معاناة الشعوب في العالم بأسره وخاصة في بلده فلسطين، لذا تعاون مع الحركات التحررية، سواء بتدريب العناصر أو بالمشاركة في وضع الخطط.
ويحكي داود الحكاية خلال لقاء مع مجلة بوهيما الكوبية أُجري في عام 1959 حيث يقول: لقد كانت تلك 4 سنوات من الصراع المتواصل، دون أن يتمكن شعب نيكاراغوا من تحرير نفسه، فقط مدينة ليون استجابت لنداء الوطن. (ويقصد هنا أن أبناء مدينة ليون النيكاراغوية انضموا لثورة ساندين).
ويضيف أن الوضع تعقد من يوم لآخر بسبب الحكومة، وصلت المشاكل إلى ذروتها عندما دعا سوموزا الجنرال ساندينو لاجتماع لمناقشة الأمر وشروط المساعدة في تحقيق السلام.
وعقد ساندينو اجتماعًا مع معاونيه الموثوقين واتفقوا على خطة الرئيس لإنهاء النزاع، وهنا تحدثت الخيانة. بعد المحادثة الحادة بينهما ووصولهما إلى اتفاق عادل ووطني، دعا الرئيس ساندينو لتناول العشاء، وهذا يعني إنهاء الحرب وتوقف سفك الدماء.
داود يروي بأن سوموزا غادر القصر بسرية، وانطلق بسرعة نحو مقر الحرس الوطني، حيث كان قائده في تلك الفترة، ثم جمع جنوده من المرتزقة وتجمع معهم في موقع استراتيجي خارج القصر. بعد دقائق، خرج ساندينو ورفاقه من القصر وهم واثقون من عدم تعرضهم لأذى وكانوا راضين عن الاتفاق المبرم وأهميته لصالح البلاد. إلا أنهم فاجأوا بنيران رشاشات أدت إلى سقوط قتلى.
ووفقًا لقول الفلسطيني المهاجر في بنما، خالد سلامة، كان داود ينتظر ساندينو خارج موقع اللقاء وقد حذره من خطورة اللقاء وتناول العشاء مع ساندينو.
يقول داود “بعد مقتل المهندس ساندينو، شربت مرارة خيبة أمل لا توصف، ثم جاءني فرسي وانطلقت بسرعة بين الجبال، قطعت مسافة 18 يومًا مع لياليها، حتى وصلت تيغوسيغالبا في هندوراس” ومن هنا انطلق داود إلى عدد من الدول مشاركًا في ثوراتها، وتوفي في الكويت بسبب الضربة الحارقة عام 1969، ودُفن هناك ملفوفًا بالعلم الفلسطيني.
وظل نظام الحكم في نيكاراغوا كما هو حتى نهاية السبعينيات. ومع ظهور التعاون الفعّال والحقيقي بين نيكاراغوا وفلسطين من خلال الحركة الساندينيستا.
التعاون مع ثوار الساندينيستا
في ستينيات القرن الماضي، ظهرت الحركة الساندينية في نيكاراغوا لمحاربة حكم الرئيس سوموزا وإنهاء التبعية السياسية والاقتصادية للولايات المتحدة. وفي تلك الحقبة ظهرت حركات تحريرية أخرى سواء في أمريكا اللاتينية أو العالم العربي الذي كانت بعض دوله تعاني تحت وطأة الاستعمار.
في هذه الفترة الحاسمة، تواصل أفراد من الحركة الجزائرية خلال وجودهم في أوروبا مع أعضاء من الحركة الساندينية، وفقًا لأوسكار رينيه فارغاس أحد أعضاء التأسيسيين للساندينيستا الذي شرح أنهم عملوا مع الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين جورج حبش ووقعوا على اتفاقية تعاون تضمنت “تدريب النيكاراغويين على الأراضي التابعة للجبهة”.
يقول فارغاس “أخبرناهم بأننا لا نحتاج إلى تدريب، فقد تلقينا تدريبًا سابقًا في كوبا، ولكن ما نحتاجه هو تأهيل الأفراد الجدد القادمين من جنيف. بدأت مجموعات مختلفة من النيكاراغويين بالتوافد، بدأنا باثنين ثم 4 أفراد ثم مجموعة ثالثة، ليصل العدد الإجمالي إلى 18 شخصًا بينهم الذين انتقلوا إلى الأردن ثم لبنان لاحقًا”.
وجرى التفاهم على التعاون المشترك، حيث شارك بعض أعضاء الساندينيستا في عمليات اختطاف الطائرات عام 1970، حيث تم خطف 5 طائرات بينها طائرة الخطوط الجوية الإسرائيلية.
استمر التعاون بين الجبهة والتنظيم لعام كامل حتى تم إيقافه بسبب حرب أيلول الأسود، وعلى هذا النحو، تدربت مجموعة من أعضاء جبهة الساندينيستا في لبنان قبل تعليق التعاون تمامًا وإعادته عام 1979 بعد فوز الثورة الساندينية ما جعله يحمل طابعًا دبلوماسيًا”.