من واسعة أراضي “جراش” إلى ضيق المُعتقل.. حكاية تهجير الفلسطينية “خضرة”

Photo of author

By العربية الآن



من واسعة أراضي “جراش” إلى ضيق المُعتقل.. حكاية تهجير الفلسطينية “خضرة”

10-أسيل جندي، مخيم الدهيشة، بيت لحم، اللاجئة خضرة رمضان تشرح عن العروق التي اشتهرت بها أثواب قرية جراش المقدَّسة(الجزيرة نت)
الفلسطينية خضرة رمضان تحن إلى بيتها في قريتها المهجّرة بالنكبة وهي تعيش في ضيق المعتقل (الجزيرة)
بيت لحم- في شوارع معتقل الدهيشة للنازحين بمدينة بيت لحم في الضفة الغربية، تمامشت الجزيرة نت بحثًا عن بيت المُسنة خضرة رمضان، التي تقيم هنا رهينة وتُصر على عودتها إلى قريتها “جراش” في قضاء القدس التي تم تهجير أهلها إبان النكبة.

نادرًا ما تجد جدارًا واحدًا في معتقل الدهيشة -الذي أُسس في عام 1949- خاليًا من شعارات رفض الاحتلال وتمجيد المقاومة الفلسطينية، وأبناء المعتقل الشهداء الذين فارقوا الحياة على مدى السنين.

دون مبالغة، تعبق في كل زاوية رائحة الطبق المُقلوب الفلسطيني التي تنبع من مطابخ نساء المعتقل خصوصًا في يوم الجمعة.

شعارات رفض الاحتلال وتمجيد المقاومة وأسماء المقاومين على جدران أزقة مخيم الدهيشة (الجزيرة)

حي المقاومة

تتسم حارة “الجراشية” بأزقتها الضيقة وتُعرف بأهلها بـ “الجراشية” أو “الرمضانية” نسبةً إلى عائلة رمضان وقرية جراش التي هاجروا منها. يَقَع منزل اللاجئة المسنة خضرة في هذه الحارة، حيث يُوجد بابٌ حديدي لا يُشبه على الإطلاق البوابة المعتادة في قريتها الأصلية، وليس منزل طفولتها الحالي يُشبه منزل جيلها السابق.

خضرة وُلدت في عام 1936 في قرية “جراش” التي تقع على السفح الغربي لجبل في القدس، وكانت القرية محاطة بأودية من الشمال والجنوب والغرب. وكانت تربط بالطريق الفرعية التي تقاطع قرية “سُفلى” بطريق القدس-بيت لحم. كانت القرية على شكل مستطيل واستخدمت الحجارة في بناء معظم منازلها.

هذا هو وصف المؤرخ الفلسطيني وليد الخالدي للقرية كما ذُكر في موسوعة “كي لا ننسى”، ولكن كانت خضرة تصوِّر قريتها بشكلٍ أكثر شعرية، وبحسرة تذكر “كانت منزلنا يضم طابقين: السفلي للحيوانات والعلوي لأفراد الأسرة، وكانت الغرف كبيرة بأسقفٍ شاهقة”.

تذكر خضرة هذه الذكريات وتنظر إلى سقف منزلها المتداعي في المخيم، تعبّر عن ألمها وتُصمم على متابعة حديثها الذي يتضمن الكثير من المصطلحات التي قد تختلف عنها الأجيال الحديثة.

اللاجئة خضرة رمضان تشرح لحفيدتيها عن العروق التي اشتهرت بها أثواب قرية جراش المقدسية (الجزيرة)

أرض الزراعة

“كنّا نُخصِص وقتنا للعمل الزراعي والاهتمام بالأرض، في كل شهر من السنة كان لنا مهام زراعية. نزرع ونغرس بذور المحاصيل في الأرض بعد شقها، وننتظر نضوجها لنقوم بجنيها، ثم نعصرها ونحتفظ بالمنتجات في الخوابي كونها الغرف الطينية المُخصصة لتخزين المحاصيل المجنوبة”.

تزرع القمح والعدس والشعير والذرة والحِلبة وغيرها خلال فترات زمنية معينة من السنة. وكان يُولَى الاهتمام طوال العام بأشجار اللوز والزيتون والتين والمحاصيل التي تُستهلك يومياً مثل البندورة والورقيات والكوسا والباذنجان ومنتجات أخرى.

“عاشت طفولتي بجمال.. شاركت في جميع الأعمال اليومية التي يُفهمها على عاتق النساء في الأرض. كما تعلمت فن التطريز الفلسطيني التقليدي، وأنتجت بعض القطع قبل هجرتنا، ولا زلت أحتفظ بعملي وأشهر الزخارف التي اُشتهِرت بها نساء جراش كانت تشمل العصافير وعروق الدوالي والوردتان والريش”.

الرحيل الحزين

وعندما وصلت خضرة ككبيرة من العُمر إلى محطة التشرد واللجوء، تغير نبرة صوتها وقالت بأسى عميق “يجب على الجميع معرفة أننا كنّا لنملك أراضٍ تعج بالثمار، وأننا اضطررنا للخروج من بلدنا بعد مواجهة باب الوادي ورحيل جميع أهالي القرى المجاورة مثل سُفلى وإشوع ودير ابان وصرعة وعرتوف”.

“عندما وصلت العصابات الصهيونية إلى قرية دير ابان، هاجموا سكانها بالمدافع والأسلحة الثقيلة، ولم يتبق لنا خيارٌ سوى الرحيل. صعدنا إلى الشاحنتين التي كانا يملكها أقاربنا وودعنا القرية بقلوب مثقلة، ولكن ملؤها الأمل بالعودة يوماً ما”.

ومع تفاقم معاناة الفلسطينيين خلال العدوان الحالي على القطاع، استحضرت خضرة الذكريات المريرة عن رحلتها بعيداً عن قريتها، وقالت “يُسْتَحَل بمرساة عيوني من شدة البكاء على الأهل في غزة، إنهم يواجهون إبادة قاسية لا تُضاهى بما تعرضنا له عام 1948.. وأبكي عليهم لأنني أعلم بالويلات التي ينتظرونها الآن من تشرّد وضياع بعيداً عن ديارهم وأملاكهم”.

قرية جراش المهجرة جنوب غرب القدس - خاص بالجزيرة نت
منازل قرية جراش المهجرة تم تدميرها بشكل كامل (الجزيرة)

مسار الهجرة

كانت قرية “بني نعيم” موقعا مثاليا لأهل جراش، حيث تحولوا إليها قبل الانتقال إلى “جورة الشمعة”، ثم “بيت سكاريا” في بيت لحم، حيث تزوجت خضرة ابن عمها في عام 1950، واستقرت معه في مخيم الدهيشة للاجئين، والذي يضم حاليا 13 ألف لاجئ فلسطيني تنتمي جذورهم إلى 45 قرية من غرب القدس ومنطقة الخليل، وفقًا لموقع وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).

تقول خضرة إنها شخصيا عدت عدد سكان جراش الذين غادروا القرية وكانوا 300 فرد. وأشارت موسوعة “تاريخنا” إلى أن عدد سكان القرية بين عامي 1944 و1945 كان 190 فلسطينيا يعيشون في 33 منزلا.

تمكنت هذه اللاجئة من زيارة قريتها المهجرة عدة مرات بعد النكبة، قبل فرض الحواجز العسكرية الإسرائيلية على سكان الضفة الغربية.

وأكدت أن المساكن دمرت بالكامل، لكنها حرصت على معاينة آثارها، مما يتماشى مع المعلومات المذكورة في الموسوعة حول غطاء العشب الذي يغطي موقع القرية، وبقايا المباني المدمرة وأنقاض السلالم، وبأن أشجار الكرمة والزيتون واللوز والتين لا تزال قائمة هناك.

قرية جراش المهجرة جنوب غرب القدس - خاص بالجزيرة نت
بعض القرى المهجرة تم تحويلها من قبل الاحتلال إلى محميات طبيعية (الجزيرة)

رحلة من الطنطورة الى غزة

خلال زيارتنا لمنزلها، كانت تستحضر خضرة الماضي بكل كلمة، وعندما تزوجت قدمت مجموعة من 12 ثوبًا تقليدية فلسطينية إلى منزل زوجها، وكلما تآكل أحد الثياب بادت تقطع أجزاء منه، وصُنعت منه وسائد وأثاث تقليدي لتزيّن مسكنها الصغير في المخيم.

قبل مغادرتنا، كشفت لـ الجزيرة نت عن أمنياتها قائلة “أدعو دومًا الله لنصرة الفلسطينيين، وإعادتهم إلى أرضهم ليعيشوا بسلام، وأن تبدي كافة الدول الرحمة للنازحين وضحايا القصف لإنهاء هذه المأساة.. مجازر دير ياسين والطنطورة تبقى حزني منذ النكبة، واليوم حزن غزة ينضم إليهما، وسيظلان حتى آخر لحظات حياتي”.

فيما كانت خضرة مشغولة بشرح أصل الثياب لحفيدتيها، وكلما ارتكب إحداهما خطأً في المعلومات انزعجت السيدة الكبيرة وعادت لتوضيحه، فالتراث والتاريخ يجب نقله بدقة لجميع الأجيال في ظل محاولات التشويه والتهويد لكل ما يتعلق بالهوية الفلسطينية منذ النكبة.

المَصْدَر : الجزيرة



أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.