من يثير الصراع في غزة.. القادة أم شركات الأسلحة؟
تم تنشيط أسواق السلاح بعد الصراع في غزة، وأظهرت التقارير والأخبار صفقات متواصلة بقيمة مليارات الدولارات، وتصدرت الولايات المتحدة القائمة باجتماع أكثر من 100 صفقة بقيمة أكثر من مليار دولار.
الصراعات تعزز سوق الأسلحة الحديثة
يؤدي التغير في سياسات الحروب والنزاعات إلى تحفيز اقتصاد الدول، إذ تعمل على تحريك تجارة السلاح، وتزيد من إقبال الدول والشركات المصنعة على الشارات، حيث تجد فيها منافذ لإطلاق منتجاتها، وعرض إمكانياتها، واختبار نماذجها الجديدة على الأرض دون النظر إلى التكاليف البشرية والمبادئ الأخلاقية.
بالإضافة إلى ذلك، أصبحت الحروب ترتكز على تبرز فيها القوات العسكرية قوتها وتفردها في المجال العسكري واستراتيجيتها الجيدة وتكتيكاتها، مع دخول الشركات الأمنية الخاصة في المعركة، حيث أنشأت أسواقًا جديدة لجذب المرتزقة وفتح فرص عمل جديدة استهوت فئة من الشباب المحروم والمعوزين، تم توريطهم في حروب بالوكالة، مقابل مبالغ مالية كبيرة تحملها من أرواحهم وأمانهم.
تم تنشيط أسواق السلاح بعد الصراع في غزة، وأظهرت التقارير والأخبار صفقات مستمرة بقيمة مليارات الدولارات، وتصدرت الولايات المتحدة القائمة باجتماع أكثر من 100 صفقة بقيمة أكثر من مليار دولار، تلاها ألمانيا التي زادت صادراتها للسلاح إلى إسرائيل بمقدار 10 أضعاف، وبعدها إيطاليا، حيث تحولت المنطقة المنكوبة التي تضم حوالي مليوني مدني إلى حلبة لاختبار الوسائل الحديثة والذخائر الذكية وغير الموجهة، والمدافع الحديثة، والصواريخ التي تعمل بالليزر وما إلى ذلك.
وقد انتقلت الذكاء الاصطناعي إلى قطاع الصناعات الحربية مؤخرًا، مع ازدياد الطلب على المعدات العسكرية المتطورة.
لم تكن مصادر دخل شركات تصنيع الأسلحة تأتي فقط من خلال الصفقات المباشرة، بل ساهم صراع غزة في رفع قيمة أسهم هذه الشركات بفعل الإقبال الكبير من المستثمرين على شراء المزيد من الأسهم، حيث قام المسؤولون في تلك الشركات ببيع المزيد من أسهمهم الشخصية مقارنة بالأعوام السابقة، محققين بذلك المزيد من الأرباح.
وعلى الرغم من الدعاية الزائفة التي تروج لها مُصنعي ومستخدمي هذه الأسلحة، بأنها الأكثر “كفاءة” و”إنسانية”، وأن بعضها قادر على ضرب الهدف بدقة جراحية ودخول المبنى من النافذة دون أن يُسبب أضرارًا جانبية، إلا أن عدد ضحايا هذه الأسلحة في غزة قد تجاوز 33 ألف مدني، و40% منهم من الأطفال.
وقد أصيب أكثر من 100 ألف آخرين، وزاد عدد الأطفال الشهداء من ضحايا هذه الأسلحة عدد ضحايا 22 نزاعًا مسلحًا حول العالم خلال أربع سنوات. وقد دمرت القنابل الذكية وغير المووجهة 65% من مساحة القطاع، مستهدفة المدارس والمستشفيات والمرافق الخدمية.
تسببت الحملات العسكرية الروسية في سوريا في مقتل حوالى 7 آلاف مدني، و30% منهم من الأطفال، وارتكبت أكثر من 360 مجزرة موثقة، إضافة إلى 1246 حادثة اعتداء على منشآت حيوية مدنية بما في ذلك مدارس ومستشفيات وأسواق.
المأساة تتكرر من جديد
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تشهد فيها تجارة الأسلحة نشاطًا بعد الصراعات في مناطقنا العربية، إذ اعترف وزير الدفاع الروسي بتقديم بلاده لأكثر من 320 نوعًا مختلفًا من الأسلحة خلال عملياتها في سوريا، مشيرًا إلى أن مشاركتهم في القتال ساهمت في تطوير العديد من الأسلحة مثل المدرعات وناقلات الجند والطائرات وأنظمة الدفاع الجوي، بالإضافة إلى الصواريخ على مدى بعيد.
بالإضافة إلى ذلك، شاركت مليشيات فاغنر الروسية في القتال في سوريا، وفتحت روسيا بعد ذلك باب تجنيد الشباب السوريين في مليشيات خاصة وإرسالهم للقتال “كمرتزقة” في مناطق أخرى مثل ليبيا وأذربيجان وأوكرانيا وغيرها، بالإضافة إلى إقامة قواعد عسكرية في سوريا واستيلاء بعض فيالق الجيش السوري عليها.
تسببت الحملات العسكرية الروسية في سوريا في مقتل حوالى 7 آلاف مدني، و30% منهم من الأطفال، وارتكبت أكثر من 360 مجزرة موثقة، بالإضافة إلى 1246 حادثة اعتداء على منشآت حيوية مدنية بما في ذلك مدارس ومستشفيات وأسواق، إضافة إلى استخدام أسلحة ممنوعة.دوليا كالذخائر العنقودية والأسلحة الحارقة، تسبب طرد نحو 4.8 مليون مدني وفقا لتقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
قامت روسيا في الوقت نفسه بعرقلة أي محاولة لإنقاذ المدنيين واستخدمت الفيتو مرات عديدة في مجلس الأمن، مما زاد من فترة الصراع ودعم وجودها العسكري والاقتصادي والسياسي في سوريا.
إلى جانب ذلك، انتعشت تجارة السلاح الروسية جراء هذا المشهد، فاستطاعت روسيا فتح أسواق جديدة، وتوقيع العديد من الصفقات العسكرية مع دول عربية مثل السعودية، والإمارات، وقطر، وسلطنة عمان، والكويت، والجزائر، ومصر والتي لم تقتصر على نقود فحسب، بل فتحت الباب لروسيا لتعزيز تأثيرها العسكري في المنطقة من خلال خبرتها.
بين جهود السلام ودوافع التصعيد
أطلق خبراء في الأمم المتحدة تحذيرات متكررة حول خطورة نقل الأسلحة إلى إسرائيل كانت تعتبر انتهاكا صارخا للقانون الدولي، نظرًا لأن الدول العاملين تحت اتفاقية تجارة الأسلحة ملزمة بالتزاماتها خاصة وتفضح أن هذه الأسلحة تُستخدم لارتكاب جرائم إبادة وجرائم حرب، مما يظهر بوضوح أن القادة السياسيين العاملين في تلك الصفقات قد يتحملون مسؤولية جنائية عن تلك الجرائم.
هناك حراك مدني وقضائي داخل العديد من تلك الدول حاول التصدي لجهود الحكومات نحو توقيع صفقات الأسلحة التي تشعل الصراع وفرض الأحكام القانونية التي تجبرها على التوقف كما حدث حديثًا في هولندا. وبينما أوقفت بعض الدول عمليات التوريد، تجاهلت الدول الأكثر دعما لإسرائيل عسكريًا كافة الردود الداخلية والخارجية، مما أظهر بوضوح أن عمليات تصدير الأسلحة إلى إسرائيل أصبحت مسألة سياسية تتجاوز القوانين القانونية الملزمة.
من ناحية أخرى، زادت حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل في غزة من حدة التوترات في المنطقة، خاصة في الدول المجاورة حيث وسعت “إسرائيل” عملياتها العسكرية باتجاه جنوب لبنان، وشنّت غارات مستمرة على أهداف ومناطق، واستهدفت عددًا من الشخصيات العسكرية البارزة الإيرانية في سوريا، كما دمرت مقر السفارة في عاصمة دمشق.
مع تزايد الهجمات والردود الإعلامية، زادت التوقعات بتوسع دائرة الصراعات، وتحضرت الدول لهذا السيناريو بالمزيد من الاستعداد والمزيد من التسليح، مما فتح أسواق جديدة لشركات السلاح، مما يعني مزيدًا من الأرباح والصراعات المستقبلية المتوقعة، وزيادة في الخسائر البشرية.
هذا العالم يحتاج من شرقه إلى غربه إلى وقفة جادة ومراجعات أخلاقية، حيث تتجاوز هذه التجاوزات السياسية الاعتبارات القانونية والإنسانية والحقوقية.
في الوقت الذي تعلن فيه الدول عجزها عن إيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحتاجة، تاركة الملايين من البشر ضحايا لنقص الطعام والدواء والماء النقي، كانت هذه الدول قادرة على تزويد مستمر بالمعدات العسكرية التي ساهمت في تفاقم المعاناة وتأجيج الصراع تاركة جانبًا كافة المعايير الأخلاقية والقانونية والإنسانية.
سواء احتدت الصراعات من قِبل تلك الدول المدعية للديمقراطية وحقوق الإنسان، أو استفادوا منها بأرباح وراءية تدوم لعقود، فإن هذا العالم يحتاج من شرقه إلى غربه إلى وقفة جادة ومراجعات أخلاقية، حيث تتخطى التجاوزات السياسية الاعتبارات القانونية والإنسانية والحقوقية، والتي تؤدي إلى خسائر بشرية فادحة.