الدكتور عصمت النمر، استشاري جراحة مصري، لم يكن يتوقع أنه سيضطر يومًا ما لبيع مكتبته الشخصية أو أرشيفه الموسيقي الضخم. ومع ذلك، ظهرت الظروف التي أجبرته على ذلك، حيث قام بنشر إعلان على حسابه في فيسبوك يعلن فيه عن عرض أرشيفه الموسيقي التراثي للبيع.
أرشيف موسيقي ضخم للبيع
يتضمن عرض الدكتور النمر مئات من شرائط الكاسيت وآلاف الملفات الموسيقية التي تحتوي على تسجيلات تراثية نادرة من نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، بالإضافة إلى مئات الأسطوانات المدمجة وأقراص الحاسوب الصلبة التي تضم أدوارًا وطقاطيق وتواشيح ونادرة تلاوات قرآنية وابتهالات.
50 عامًا من جمع التراث السمعي
كذلك، فقد أمضى النمر أكثر من خمسين عامًا في جمع هذا الأرشيف، حيث يتحدث عن بدايات اهتمامه بالتراث في سبعينيات القرن الماضي. ورث جهاز فونوغراف ومجموعة كبيرة من الأسطوانات عن والده، ثم بدأ يجمع المزيد من الأسطوانات من خلال زياراته إلى سوق الثلاثاء في الزقازيق. ومع مرور الوقت، بدأ يتواصل مع مهتمين آخرين لتبادل التسجيلات النادرة.
ويشير النمر إلى أنه أراد نشر التراث السمعي، حيث قال: “التراث القديم محفوظ جيدًا في الكتب، لكن التراث السمعي في خطر. ومن الفترة من نهاية القرن التاسع عشر إلى بداية القرن العشرين، لم يصلنا منه إلا القليل.” كما تابع مسار الفونوغراف في مصر وما واجهه من رفض في البداية.
25 ألف ملف موسيقي تراثي يبحث عن مشترٍ
قام النمر بتأليف كتابين حول الموسيقى التراثية، ومؤخراً أطلق موقع سماعي للموسيقى التراثية، وأيضًا راديو إلكتروني باسم راديو مصر فون. يقدر إجمالي إرثه من الموسيقى التراثية بــ 25 ألف ملف.
يسعى النمر لتقديم برنامج إذاعي مخصص للموسيقى التراثية النادرة، رغم التحديات التي يواجهها في ظل التسارع الحاصل في الثقافات الفنية.
البيع بسبب الظروف القاسية
تأتي هذه الخطوة بسبب الظروف القاسية التي يمر بها، حيث تعكس اللحظات الصعبة التي قد يمر بها أي باحث في الحفاظ على التراث. ويصف النمر مجهوداته الطويلة التي بذلها لنقل الموسيقى بأسلوب حديث دون التأثير على الأصالة.
ويوضح أن الأرشيف يحتوي على مقاطع نادرة للشيخ درويش الحريري، ويشمل أيضًا تسجيلات لمؤتمر الموسيقى العربية الأول عام 1932، بما يعكس ثراء التاريخ الموسيقي في مصر.
جراح مصري يواجه محنة صحية ويضطر لبيع أرشيفه السمعي
تواجه استشاري الجراحة العامة دكتور عصام النمر ظروفًا صحية سيئة أجبرته على التخلي عن جزء ثمين من حياته. فقد بدأ الأمر مع بيعه لمكتبته التي تحتوي على 4000 كتاب، ويشير النمر بمرارة إلى تجربته قائلاً: “واجهت فترة صحية صعبة للغاية كلفتني الكثير مادياً، مما اضطرني إلى بيع مكتبتى الغالية، والتي تمثل ميراثي وحياتي. كانت الصفقة بخسة الثمن. بعد ذلك، قضيت شهرًا في المستشفى وما زلت أعاني من مشاكل في الكلى. وللأسف، أجد نفسي الآن مضطراً لبيع أرشيفي الخاص بالتراث السمعي المصري، حتى أتمكن من العيش بكرامة دون الحاجة إلى التسول لعلاج أو لتغطية نفقات المستشفى.”
الأمل في الحفاظ على التراث
يتمنى النمر أن تجد جهات مصرية رسمية طريقها لشراء أرشيفه، حيث يقول: “آمل أن يعود هذا التراث إلى أيدٍ تقدره وتدرك قيمته في التاريخ المصري.”.
دعوات لإنقاذ الأرشيف
أثار إعلان النمر عن بيع أرشيفه الموسيقي حالة من الحزن بين المثقفين والمختصين بالتراث. وقد دعت الكاتبة إكرام يوسف إلى ضرورة بذل جهود أخيرة لإنقاذ الأرشيف، مشيرة إلى إمكانية تنظيم اكتتاب شعبي أو البحث عن حلول بديلة. في حديثها لـ”الجزيرة نت”، أكدت يوسف معرفتها الطويلة بالنمر، حيث قالت: “لقد كنت على معرفة بالدكتور عصام منذ السبعينيات، وكان من أبرز رموز الحركة الطلابية في الجامعة، وكان مشهورًا بحبه العميق للغناء والموسيقى المصرية القديمة”.
وأضافت يوسف: “ربما يكون الاكتتاب الشعبي باسم المصريين أو تدخل جهة رسمية لشراء الأرشيف مع وضع قوانين تمنع بيعه مستقبلاً هو الحل الأمثل لإنقاذ هذا التراث القومي. وقد عرضت هذه الفكرة على الشاعر زين العابدين فؤاد، ونعمل حاليًا على إيجاد مخرج للحفاظ على هذه الثروة التي جمعها النمر بجهد طوال نصف قرن”.