نصف قرن من الغموض.. كيف تحولت أول ناطحة سحاب بمصر إلى مبنى مهجور؟
القاهرة- في أوائل السبعينيات، ظهر طموح حكومي لإنشاء ناطحات سحاب على ضفاف نهر النيل، وتم بناء المبنى المنتظر في حي الزمالك بالقاهرة، ولكنه أصبح مهجوراً وغامضاً بعد مرور سنوات.
على مدار خمسة عقود، بقيت ناطحة السحاب، التي كان من المقرر استخدامها كفندق بارتفاع 166 متراً و450 غرفة موزعة على 54 طابقاً، مهجورة لعدة أسباب.
رغم محاولات مالك المبنى السابق وورثته لتذليل العقبات التي تحول دون تشغيله، لم تنجح تلك المحاولات. وتجلت محاولات جديدة مؤخراً من الحكومة، لكن مصير تلك الجهود كان مشابهاً.
لتبقى ناطحة السحاب ذات التصميم الدائري، التي تمنح رؤية كاملة لمعالم القاهرة، تترقب مستقبلاً غير واضح.
قصة البداية
لم تكن فكرة بناء أول ناطحة سحاب في مصر مجرد فكرة مأخوذة من تجارب الشواطئ أو استثمارات أجنبية، بل بدأت من قرية ميت أبو الكوم بمحافظة المنوفية، شمال غرب القاهرة.
أثناء زيارة الرئيس الأسبق أنور السادات لبلدته، تم بحث فكرة إنشاء ناطحات سحاب شبيهة بتلك الموجودة في حي مانهاتن بنيويورك مع بعض رجال الدولة.
من بين الحضور كان المهندس خالد فودة، الذي كان يحمل خططاً أولية لمبنى ضخم يمكن إنشاؤه على الأرض المملوكة له في حي الزمالك.
لاحقاً، منح السادات موافقته على المشروع، وتم إصدار التراخيص اللازمة للبناء في عام 1972.
رحلة العراقيل
رغم الحماسة التي رافقت المشروع في البداية، واجه صاحب المبنى صعوبات كبيرة بعد وفاة السادات، تطورت إلى ما أسماه “العراقيل الإدارية” مع قرارات متكررة بوقف البناء وإزالة المخالفات.
خلال سنوات، تم تحرير 22 محضر ضد المبنى لعرقلة أعمال البناء، تشمل عدم الترخيص لبناء “بدروم” وتوسيع الأدوار، مما أدى إلى تأجيل إطلاق المشروع.
استمرت المشاكل حتى عام 2003، عندما قررت محافظة القاهرة عدم السماح بتشغيل المبنى، بحجة عدم وجود مواقف للسيارات، وهو ما تسبب في بقائه مهجوراً لأكثر من عشرين عاماً.
### **دفاع فودة عن موقفه**
في تصريحات له عبر الصحافة، دافع فودة عن موقفه، مشيراً إلى أن رخصة البناء لم تتطلب إنشاء مرآب للسيارات، واصفاً ما يواجهه من تعنت من المسؤولين بالمحافظة تجاه الحلول المقترحة، مثل بناء مرآب تحت نادي الجزيرة القريب من المبنى أو شراء فيلا مجاورة لاستخدامها كمرآب. كما عرض فكرة شراء نقطة شرطة قريبة وتكفل إنشاء قسم شرطة حديث في مكان آخر.
### **خلافات مع حسين سالم**
أرجع فودة كل العوائق التي واجهتها حالة المبنى إلى خلافات مع رجل الأعمال حسين سالم، الذي كان يرغب في شراء المبنى، على حد تعبيره. وأكد أنه رفض بيع المبنى في محاولة لإرضاء سالم حتى لا يتعرض مشروعه للتعطيل، لكن محاولاته لم تنجح.
### **القوانين المنظمة**
تجدر الإشارة إلى أنه في بداية السبعينيات لم يكن هناك قانون يفرض على المالكين توفير أماكن انتظار السيارات، ولكن قانون تنظيم وتوجيه أعمال البناء رقم 106 لسنة 1976 أوجب في مادته رقم 11 على أصحاب المباني تخصيص أماكن للانتظار تتناسب مع عدد السيارات.
### **تدخل رئاسي**
تطرقت الأوضاع مؤخراً إلى مبادرة جديدة في موضوع المبنى، حيث تفاجأ أعضاء نادي الجزيرة بدعوة من مستشار رئيس الجمهورية للتخطيط العمراني لاجتماع مع عدة مسؤولين لمناقشة مقترح إنشاء مرآب للمبنى في منطقة ملاعب الغولف بالنادي.
وقد أرسلت الدعوة في 1 أكتوبر الجاري، سلّمها الوزراء المعنيون لتكون المناقشة في 13 من نفس الشهر. ولكن مجلس إدارة نادي الجزيرة استبق اللقاء الرسمي بعقد اجتماعه الخاص، وأعلن رفض المقترح بسبب تأثيره على المساحات الخضراء وجودة البيئة بالنادي.
### **إلغاء الاقتراح الرئاسي**
في أعقاب هذا الرفض، أعلن المستشار الرئاسي عن إلغاء الاجتماع المقرر لمناقشة الاقتراح، مما أعاد الحالة إلى طبيعتها.
### **أفكار بديلة لحل الأزمة**
حديقة الأسماك المقابلة للناطحة، والتي تُعتبر أثراً، ظهرت كأحد الخيارات المحتملة لحل أزمة المبنى المهجور. في عام 2014، رُفض مشروع لإنشاء مرآب بجوار حديقة الأسماك، ولكن المخاوف عادت لتظهر في الآونة الأخيرة بالتزامن مع رفض نادي الجزيرة المشروع.
وقد نظم سكان الزمالك، سابقًا، احتجاجات ضد مشروعات مماثلة تهدد طابع المنطقة والسياق البيئي، بما في ذلك خطة لإنشاء مرآب منفصل لمحاذاة ممشى أهل مصر.
### **هدم المبنى**
كما أثيرت تساؤلات حول إمكانية هدم المبنى وضرورة الحفاظ على طابع المنطقة، وسط أصوات شديدة المعارضة لأي مشروعات من شأنها أن تؤثر سلبًا على البيئة.### جدل حول المبنى المهجور
في ظل الجدل المستمر حول مصير المبنى المهجور، اقترح الإعلامي عمرو أديب، خلال برنامجه التلفزيوني، هدم المبنى الحالي وإعادة بنائه وفق تصميم يتماشى مع الضوابط الهندسية واشتراطات التخطيط العمراني لمحافظة القاهرة.
وأشار أديب إلى أن نفقات الهدم وإعادة البناء ستتحملها فيما بعد الجهات التي ستشتري الوحدات السكنية أو الفندقية. وأضاف بأن المشتري سيدفع ملايين الدولارات من أجل الحصول على وحدة في هذه المنطقة المميزة، واصفاً إياها بـ”منطقة الألماس”.
### الرفض الشعبي والتجاوزات العمرانية
كما تطرق أديب إلى بعض الاقتراحات المتعلقة ببناء مرآب تحت نادي الجزيرة أو في حديقة الأسماك، موضحاً أنها ليست عملية سهلة، خصوصاً في ظل وجود رفض شعبي لهذه المشاريع في ظل رغبة استثمارية في استغلال المبنى وترميمه.
واعتبر الإعلامي المصري أن الوضع الحالي للمبنى يمثل نموذجاً للتجاوزات العمرانية والفساد الإداري.
### الدعوة للإبقاء على المبنى
في المقابل، دعا الكاتب الصحفي محمد صلاح الزهار إلى ترك المبنى في حالته المهجورة ليصبح رمزاً لمعاقبة من وصفهم بـ”الفاسدين” في المجتمع.
### تحديات التصميم والتخطيط
من جهته، شدد المهندس سيد عبد الباسط، مدير مكتب استشارات هندسية، على أن المبنى بحجمه الحالي سيجذب العديد من السيارات، مما يتعارض مع طبيعة الشوارع الضيقة في حي الزمالك. وأوضح أنه من غير الممكن تنفيذ خطة لإنشاء مرآب تحت البرج بعد الانتهاء من بنائه دون إجراء دراسة مرورية شاملة.
كما أشار إلى أن تخصيص الطوابق الأولى لوقوف السيارات يتطلب تقييم معماري دقيق، وقد يكون هناك حواجز تمنع تحقيق هذه الحلول.
### قصص الأشباح والغرائب
بعيداً عن الجوانب الاقتصادية والسياسية المرتبطة بالمبنى، أصبح مكاناً لنسيج العديد من القصص والأساطير. يقول عيد، حارس عقار بالقرب من هذا المبنى، إنه مسكون بالأشباح وسمع من زملائه في الحراسة قصصاً عن أصوات غامضة تأتي من داخله ليلاً.
يؤكد عيد على الرغم من أنه لم يسمع أصواتاً بنفسه، إلا أنه يثق في روايات زملائه. وأضاف أنه شهد تدخلات عديدة داخل المبنى، بما في ذلك حريق حدث العام الماضي، ولم يجد تفسيراً له سوى أن الأشباح قد تكون وراء ذلك.
المصدر: الجزيرة