القدس المحتلة – تُضيء نوافذ المسجد الأقصى، التي تتكون من الجص والزجاج الملون، مع كل أشعة شمس تشرق في المدينة المقدسة، وتمنح قلوب الزوار والمصلين السكينة والطمأنينة.
اعتداءات الاحتلال
تتعرض هذه النوافذ، كما هو الحال مع جميع محتويات المسجد، للاعتداءات من قبل الاحتلال. ومن خلال جولة قامت بها الجزيرة نت، تم تسليط الضوء على جمال هذه النوافذ وفن صنعها بيد الحرفي بشير الموسوس، الذي يعمل في هذا المجال منذ أربعة عقود.
تاريخ الحرفي بشير الموسوس
أصبح الموسوس جزءًا من لجنة إعمار المسجد الأقصى منذ عام 1979، حيث تلقي تدريبا على يد محترفين سبقوه، وكان من بينهم والده الراحل موسى الموسوس. وتظهر أعماله عبر عشرات من نوافذ المسجد التي أضفى عليها لمسته الفنية المميزة.
كما أشار الموسوس إلى تاريخ نوافذ المصلى القبلي، فقد تضررت الكثير منها بفعل الحريق الذي اندلع عام 1969. وخلال عملية الترميم، عُثر على اسم الحرفي المقدسي داود عابدين أرناؤوط على معظم هذه النوافذ.
التعاون الجماعي
يؤكد الموسوس أن تصنيع نوافذ الأقصى ليس عملاً فردياً، بل هو نتاج جهد جماعي يشمل فنيين وحرفيين ومهندسين يتعاونون لجعل النوافذ في أبهى صورة.
“نبدأ بفك النافذة المراد ترميمها، ثم نعد الإطار الخشبي والطينة للجص، ويعتني الحرفيون برسم الزخارف الهندسية أو النباتية، ويعقب ذلك صب الجص ثم التفريغ والنحت”، يضيف الموسوس.
الوقت والجهد اللازمين
مما لا شك فيه أن عملية تصنيع كل نافذة تتطلب دقة وإتقانا، حيث يمكن أن تستغرق بين 120 و140 ساعة عمل. يلاحظ الموسوس أن الألوان المختارة للزجاج تُعزز الروحانية أو تُعطي شعورًا مريحًا للمشاهد، وغالبًا ما يتم استخدام درجات الأزرق والأحمر والأصفر.
تنوع الألوان حسب الموقع
يشير الموسوس في حديثه إلى أن استخدام الألوان يعتمد أيضًا على مكان وجود النافذة في المسجد. على سبيل المثال، تُستخدم ألوان داكنة في النوافذ التي تتعرض لأشعة الشمس في الصباح، بينما يُفضل استخدام الألوان الزاهية في النوافذ التي تتعرض لأشعة الشمس بعد الظهر.
النوافذ المزدوجة
تتميز نوافذ المسجد الأقصى بأنها مزدوجة، حيث تتكون من طبقتين: الخارجية مصنوعة من الجص والزجاج الأبيض، والداخلية مصنوعة من الجص والزجاج الملون. هذه النوافذ تعتبر جزءاً مهماً من التراث الثقافي والديني الفلسطيني، وتعكس مهارة الحرفيين الذين يساهمون في الحفاظ على هذه الفنون التقليدية.
حرفي يتحدث عن نوافذ المسجد الأقصى
أكد الحرفي المتقاعد أهمية معرفة الجميع بأن نوافذ المسجد الأقصى مزدوجة. المصنوعة من الجص والزجاج الأبيض، تتكون من طبقتين: الخارجية مصنوعة من الجص والزجاج الأبيض، والداخلية من الجص مع زجاج ملون. وبعد إجراء تعداده لنوافذ المصلى القبلي، اكتشف أنها تتجاوز عدد 100 نافذة، تحمل كل واحدة منها وجهين، داخلي وخارجي، منها 25 نافذة تحمل اسمه.
نافذته المميزة
تحدث الحرفي عن نافذة مميزّة في قلبه، قائلاً: “أول نافذة صنعها كانت في عام 1982، وكتب عليها عبارة ‘لا إله إلا الله محمد رسول الله’، وتتكون من ثلاث طبقات تم تزويدها بزجاج كحلي، أصفر وتركواز، وهي تقع أعلى محراب المصلى القبلي. من خلالها سعدت بتقديم أسلوبي وثقافتي الفنية، وحصلت على ثقة المهندس المسؤول، الذي منحني حرية الإبداع حتى تقاعدي.”
حسرة على النوافذ المتضررة
عند سؤال الحرفي عن شعوره عند مشاهدته للنوافذ متضررة بفعل الرصاص والقنابل التي تلقيها قوات الاحتلال، تنهد بحسرة قائلاً: “الاقتحام الذي حدث قبل ثلاث سنوات تسبب بأضرار في 9 نوافذ في المصلى القبلي، و6 منها تحمل توقيعي. أرسلت خطابًا للمهندس المسؤول، عرضت فيه ترميم النوافذ الست دون مقابل، لكن للأسف لم يتم ذلك. بالرغم من تقاعدي، أذهب يومياً إلى الأقصى في تمام الساعة التاسعة صباحًا، لأجلس في رحابه، وأقرأ القرآن، وأؤدي صلاة الظهر. وقبل مغادرتي، أقوم بجولة لتفقّد النوافذ، التي أصبحت جزءًا مني.”
صناعة إسلامية عريقة
يوضح يوسف النتشة، رئيس قسم السياحة والآثار في دائرة الأوقاف الإسلامية سابقًا ومدير مركز دراسات القدس التابع لجامعة القدس، أن فلسطين عُرفت بالزخارف الجصية خلال العصر الأموي وما تلاه. ومن الأمثلة الجلية على ذلك قصر هشام الأموي في أريحا ومبنى قبة الصخرة الذي يحتوي على 56 نافذة، بالإضافة إلى الجامع الأقصى، واللذان يعتبران جزءًا من عمارة المسجد الأقصى.
وأضاف النتشة قائلًا إن القدس تميزت بدقة صناعة النوافذ الجصية التي استخدمت للإضاءة الطبيعية وإدخال الهواء إلى المباني. وقد صممت هذه النوافذ بأشكال متعددة مثل المستطيلة والمربعة والطولية والدائرية. وفي حال كانت النوافذ قريبة من مستوى الطريق، كانت تغطى بحماية معدنية، أما في حال كانت مرتفعة، فكانت تزين بالزخارف الجصية الجميلة، وتطعّم بتشكيلات من الزجاج الملون الشفاف. واستمرت هذه الصناعة عبر العصور المتعاقبة، من الأموية إلى المملوكية وصولاً إلى العثمانية.