نوبل المتفرقات

Photo of author

By العربية الآن


كان غابرييل غارسيا ماركيز يقول: «إن الصحافة هي أفضل مهنة في العالم». وكان يفضل أن يُعرف بوصف أنه صحافي، وليس أنه حائز نوبل الآداب، أو مؤلف «مائة عام من العزلة»، أو متخيل عائلة بونديا، أو المدن المسحورة. وكلما قرأ المرء هذا الخلاب المدعو «غابو»، تأكد له أنه صحافي قضائي من الدرجة الثالثة، يجمع مادته الروائية من مخافر الشرطة، وحكايات الأزقة المعتمة. لكن ما إن يبدأ في كتابة السطر الأول، حتى يتحول إلى واحد من عمالقة السرد المغني. لا يترك أمامه شيئاً مهملاً، أو مرمياً إلا وينحني لالتقاطه، وحفظه للرواية التالية. قصاصات صحف، عناوين جرائد، دفتر رماه أحد الركاب على العبّارة النهرية.

لكن ما إن يبدأ يجمع هذه البقايا حتى يتدخل الجوهرجي الذي فيه، والنحات الذي يصوغ أشخاصه من حياة، ودراما وسلاسة، مثل مطر المساء. لا أحد يدري كيف وكم جمع ماركيز من التفاصيل مذ بدأ العمل صحافياً، وناقداً فنياً، مثل التابعي. لكن التابعي كان بورجوازياً، كسولاً يضيع الكثير من الوقت في جمال الكتابة، والحياة، ولم يلتفت إلى تحدي الرواية، وتفاصيلها، ولمحاتها. ذلك التحدي بقي صفراً تفرد نجيب محفوظ. ولعله الوحيد بين العرب، مثل ماركيز، نهجاً، وأسلوباً، واعتناء. لعله. لكن يجب ألا يغيب عنا دائماً يوسف إدريس، وعبد الحليم عبد الله، والمنسي قنديل، والحكيم. وإن كان معظمهم قد تجنب الإبحار في التفاصيل، خوف الغرق في الفن الصعب.

كُتابنا اعتبروا الصحافة مهنة دون الأدب، لذلك لم يغامروا بالقفز منها إلى الأجناس الأدبية الأخرى كما فعل الصحافيون المخلدون، مثل شارل ديكنز، ومارك توين. وقد يكون ماركيز أهم من أبدع في الرواية دون الخروج من مبتذلات الصحافة التي جعل منها تحفاً أدبية، وظل حتى أيامه الأخيرة يكتب مقالاً أسبوعياً في صحف إسبانيا، وأميركا اللاتينية. ودائماً ترى فيه، هنا وهناك، قصاصة عن خبر لا يصدق، أو جريمة بلا حل، أو هطول السمك الفضي مع الأمطار في وادي كاو!

لا يهم. لقد منح غابو شهرة عالمية للمدن، والبلدات، والمرافئ التي مرّ بها. أو التي اخترعها، والتي لا تزال الناس إلى اليوم ترغب في زيارتها.



رابط المصدر

أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.