هل أساء الإنسان فهم طبيعته البشرية طوال قرن من الزمان؟
نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالا مقتبسا من كتاب سيصدر قريبا بعنوان “غاضبون: لماذا نتشاجر حول الأخلاق والسياسة وكيف نُوجد أرضية مشتركة” من تأليف عالم النفس الاجتماعي الدكتور كورت غراي.
وذكر غراي في مقاله أن عالم الأنثروبولوجيا ريموند دارت توصل في صيف عام 1924 إلى اكتشاف مذهل حول الطبيعة البشرية، والذي قد يُعتبر تضليلاً للإنسانية لمدة قرن.
كان دارت يجري دراسة حول مستحاثات عثر عليها بالقرب من بلدة تاونغ في شمال غرب جنوب أفريقيا، وعثر على ما اعتبره “الحلقة المفقودة” بين القردة والبشر، والتي تُسمى فيما بعد “طفل تاونغ”.
وتعد هذه الفصيلة من الأوسترالوبيثيكوس من أوائل الأنواع المنقرضة التي تُصنف كممثلة للإنسان.
أثبتت الجمجمة أن أفريقيا هي مهد الجنس البشري، وكشفت أيضًا عن جانب “شرير” من الطبيعة البشرية، حيث اكتشفت علامات على وجود أدوات بشرية. اعتقد دارت أن هذه العلامات تشير إلى أنه تمت التضحية بهذا الإنسان الصغير من قبل فرد آخر من قبيلته، مما أعطى انطباعًا بأن أسلافنا كانوا آكلي لحوم البشر.
استنتج دارت أن أسلافنا كانوا قساة، في مرحلة انتقالية من النبات إلى أكل اللحوم، حتى أكل بعضهم بعضاً.
النزعة الافتراسية
أصبحت أطروحة دارت محل إجماع بين العلماء، حيث عثر علماء آخرون على دليل يعزز النظرية القائلة إن البشر تطوروا ليصبحوا صيادين قساة.
هذا الاعتقاد بأن البشر لديهم طبيعة مفترسة لم يكن مجرد ادعاء علمي، بل تجلى في الثقافة العامة. على سبيل المثال، في رواية “أمير الذباب” للكاتب ويليام غولدينغ، تحول مجموعة من الصبية الضائعين إلى العنف, مما كشف عن طبيعتهم الحقيقية.
كذلك، في فيلم “2001: أوديسا الفضاء”، تظهر قبيلة من القردة تستخدم العظام كسلاح ضد بعضها البعض، مما يعزز هذه الفرضية.
انطلاقًا من هذه الافتراضات، يتضح أن الطبيعة البشرية تتسم بعوامل تجعلها أقل رحمة تجاه الآخرين، وهو ما ينعكس على التصورات السياسية السائدة.
وفي سياق السياسة الأمريكية الحالية، أشار غراي إلى دراسة أجريت في عام 2022 تؤكد وجود حساسيات متبادلة بين الديمقراطيين والجمهوريين، مما يعكس انقسامًا عميقًا جذريًا.
رابط المصدر
### فهم جديد لطبيعة البشر
في النقاشات السياسية حول قضايا مثل الضرائب والسيطرة على الأسلحة والتنظيم البيئي، ينظر العديد إلى سياسات الخصوم بنظرة تشكك. يعتبر الديمقراطيون أن الجمهوريين يضرون بالبيئة عن قصد، في حين يعتقد الجمهوريون أن الديمقراطيين يسعون لإلغاء الوظائف العمالية.
![الباحثون يرجحون أن الجمجمة تعود إلى سلف كان رافضا للتشبث بالبقاء في جنوب شرق آسيا](https://www.alarabiyanow.com/wp-content/uploads/2024/12/1735014579_191_هل-أساء-الإنسان-فهم-طبيعته-البشرية-على-مدى-قرن-كامل؟.jpg)
### افتراض خاطئ حول الطبيعة البشرية
في هذا السياق، أشار عالم النفس الاجتماعي غراي إلى مشكلة كبيرة تتعلق بالافتراض السائد بأن البشر مفترسون بطبيعتهم، واصفًا هذا الافتراض بأنه خاطئ.
أعاد غراي التذكير باكتشافات عالم الأنثروبولوجيا ريموند دارت، حيث قام عالم الآثار لي بيرغر وفريق من الباحثين بإعادة فحص الأحفوريات التي درسها دارت في تسعينيات القرن الماضي.
وقد عُثر على عظام طفل تاونغ في كومة من عظام حيوانات ذُبحت، الأمر الذي يوحي بأن الموقع كان وكرا لحيوانات من آكلة لحوم البشر. ومع ذلك، اكتشف بيرغر أيضًا قشورًا تشبه قشور بيض النسر في نفس الوكر.
تساءل غراي عن الدافع وراء جمع البشر لبيض النسر والأكل منه، رغم المخاطر التي قد تواجههم في ذلك، مشيرًا إلى أن دارت لم يكتشف دليلاً على افتراس أي إنسان، بل دلائل على وجود عش نسر قديم.
### الدلائل الأثرية على الافتراس
تشير الأبحاث الحديثة إلى أن جمجمة طفل تاونغ تحمل علامات تشبه نقرات منقار نسر، مما يعزز الفرضية بأن الطفل قد يكون فريسة لنسر.
اكتشف علماء آخرون أيضًا جماجم أشباه البشر مثقوبة بأنياب القطط ذات الأسنان السيفية، مما يدعم الفكرة بأن أسلافنا كانوا عرضة للافتراس أكثر من كونهم مفترسين. كما تكشف أجسادنا الضعيفة أننا في الأصل فرائس، وليس مفترسين.
المصدر: نيويورك تايمز