هل تدعم العاصمة موسكو تبني مشروع “الجواسيس الأجانب” في جورجيا؟
تبليسي- تم اعتماد مشروع القانون “الجواسيس الأجانب” من قبل البرلمان الجورجي في قراءة ثالثة، وقد أثار جدلا واسعا في البلاد، شهدته أعمال عنف داخل وخارج البرلمان قبل التصويت وبعده. تعتبر قوى المعارضة أن هذا القانون يقيد الحريات في البلاد، وتصفه بأنه مشابه للتشريعات الروسية.
قبل الاعتماد، واجهت السلطات الجورجية انتقادات حادة من دول أوروبية اعتبرتها غير ديمقراطية.موجه ضد النظام الغربي، وينحو نحو مصلحة موسكو.
قارن وزير الدفاع البريطاني، شابس غرانت، الوضع في جورجيا بالصراع في أوكرانيا، ووصف اعتماد مشروع القانون بأنه جزء من “التدخل الروسي في شؤون جورجيا”، داعيًا بشكل مباشر سكان جورجيا إلى “مقاومة روسيا”.
عشية التصويت، رفضت الحكومة الجورجية استقبال وفد أوروبي زار العاصمة تبليسي، ويبدو أنها تسعى لكبح روح الموافقة لدي المسؤولين الجورجيين على مشروع القانون، الذي يلزم الكيانات ووسائل الإعلام التي تحصل على أكثر من 20% من تمويلها من الخارج بالكشف عن مصادر دخلها وجميع الدخل المتلقاه، وإلا تفرض عليها غرامة تصل إلى 25 ألف لاري جورجي (9.5 ألف دولار).
“القانون الروسي”
تصر الحكومة على أن القانون ضروري لمنع التدخل في استقرار الوضع السياسي في البلاد الذي، حسب السلطات، يتلقى دعمًا من الخارج. بينما ترى المعارضة وقوى المجتمع المدني أن السلطات ستستخدم القانون لقمع الأصوات الناقدة، مما سيؤدي إلى قمع المجتمع المدني، كما حدث في قوانين مماثلة في روسيا، بحسب ما يقولون.
تنفي روسيا أي تدخل في العملية التشريعية في جورجيا، حيث أكد السكرتير الصحفي للرئاسة الروسية دميتري بيسكوف مرة أخرى أن موسكو لا تتدخل في الشؤون الداخلية لجورجيا، مشيرًا إلى أن الدول الغربية تهدد بشكل مباشر الحكومة الجورجية بعواقب إذا تم تنفيذ قانون العملاء الأجانب.
أما بروكسل، فقد جديدت دعوتها تبليسي إلى العودة إلى المسار الأوروبي والتزامها بكافة الالتزامات التي أخذتها على عاتقها طوعًا من خلال تقديم طلب للحصول على وضع مرشح لبلادها.
في برلين، دعا رئيس لجنة السياسة الخارجية في “البوندستاغ”، مايكل روث، الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ “إجراءات صارمة” ضد القيادة الجورجية.
مسافة آمنة
يعتبر مدير مركز التنبؤات السياسية الروسي، دينيس كركودينوف، أن مخاوف السلطات في جورجيا من استغلال منظمات المجتمع المدني للتدخل بالشؤون الداخلية للبلاد تبرر تطبيق قوانين من هذا العين، وهي سياسة متبعة في بلدان كثيرة.
ويقول للجزيرة نت إن سعي السلطات في جورجيا للحفاظ على مسافة آمنة بين روسيا والاتحاد الأوروبي أدخلها في صراع مع مناصري الاتجاه الليبرالي الموالي للغرب، المستعد لأي صيغة “تبعية” حتى لو كان ذلك على حساب استقلال البلاد والتنازل عن العلاقات مع روسيا.
ويرى كركودينوف أن تبليسي، على الرغم من العداء الشديد مع موسكو والذي تفاقم بعد الحرب في أوسيتيا الجنوبية عام 2008، ترغب في الحفاظ على توازن من الاستقلالية في سياستها الخارجية، وهو ما ظهر في رفض تبليسي الانضمام إلى العقوبات الغربية ضد موسكو.
ويتوقع أنه في حال تم تمرير مشروع القانون إلى قرار نهائي وملزم، فإن النظام الغربي لن يسمح بذلك، وسيعتبره انقلابًا على جميع الاتفاقيات الموقعة بين تبليسي والاتحاد الأوروبي، مما قد يؤدي بشكل كبير إلى نهاية حلم تبليسي القديم بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي،
أو تجميعه حتى ما لا نهاية.
التشريع والتعقيب
بدوره، يعتقد الكاتب المختص بالشؤون الجورجية، ماموك مدينارادزة، أن جميع “أصدقاء جورجيا وشركاؤها الدوليون” يتطلعون إلى فرض العقوبات على السلطات الحالية في تبيليسي.
وفي حديثه لموقع الجزيرة نت، يعتبر أن تلك الإجراءات ستكون ضمن إطار النظام المتبع لدى الاتحاد الأوروبي في حالات انتهاك حقوق الإنسان، معتبراً بأن “المجتمع الدولي” برمته يلاحظ سلوك الحكومة الجورجية تجاه المتظاهرين السلميين، بالإضافة إلى تأثير مشروع القانون الجديد على وسائل الإعلام المستقلة والمجتمع المدني، كما أفاد.
ومن المتوقع بحسب مدينارادزة أن يقوم البرلمان الأوروبي بتجميد أي تفاعل عالي المستوى مع الحكومة الجورجية، بما في ذلك إعادة توزيع الدعم المالي المقدم لها لصالح المجتمع المدني في البلاد.
ويرى أيضاً أن الانتخابات البرلمانية القادمة (في تشرين الأول/أكتوبر المقبل) ستكون ذات أهمية بالغة بالنسبة لجورجيا، حيث أن تغيير السلطة سيمكن من إجراء تعديلات على القوانين التي تُعيق اندماجها الأوروبي.
بالإضافة إلى ذلك، يثير شركاء جورجيا الغربيين قلقهم حول إمكانية استخدام روسيا للبلاد لتفادي العقوبات، ويعتبرون مشروع القانون الجديد خطوة استباقية لتكميم الأفواه التي قد تتبنى مواقف معارضة لهذه الممارسات، والتي يُتوقع أن تنهي حلم جورجيا الطويل بالتكامل مع الاتحاد الأوروبي.