هل تساعد القهوة على خسارة الوزن؟
ثغرة القهوة
وفي تقريرها الذي نشرته مجلة “ساينتفيك أميركان”، قالت الكاتبة لوري يومشاجيكيان إن عديدا من اتجاهات ووصفات الحمية الغذائية المصنفة انتشرت تحت اسم “ثغرة القهوة” منذ أوائل هذا العام، مما أثار اهتماما متجددا بتناول القهوة (أو الكافيين بشكل عام) لإنقاص الوزن.
وتزعم هذه المصادر أن إضافة التوابل المنزلية أو المكملات الغذائية التجارية إلى كوب من القهوة أو حتى احتساء المزيج في غضون 7 ثوانٍ من الشعور بالجوع يمكن أن يعزز من تأثير إنقاص الوزن. ولا يزال الخبراء في حيرة من أمرهم بشأن هذا الأمر: هل تساهم القهوة -وخاصة الكافيين- في إنقاص الوزن في المقام الأول؟ وما مدة استمرار أي تأثيرات لإنقاص الوزن؟
وأوضحت الكاتبة أنه يشاع أن القهوة ومنتجات الكافيين الأخرى حل سريع وسهل لإنقاص الوزن. ويرتبط الأساس المنطقي جزئيا بقدرة القهوة على تحريك الجهاز الهضمي، حيث يمكن للكافيين الموجود في القهوة أن يزيد من تقلصات العضلات في القولون التي تحفز حركة الأمعاء. وهذا يعني أن الجهاز الهضمي يتخلص من محتوياته بشكل أسرع قليلا من المعتاد. كما أن الكافيين مدر للبول، مما يعني أنه يزيد من إفراز البول، ويؤدي التبول أكثر إلى فقدان وزن الماء.
وتحدث هذه التأثيرات مجتمعة على الهضم ووزن الماء بسرعة بعد تناول القهوة، ولكنها قصيرة الأجل، فهي لا تسبب فقدان الوزن بشكل دائم. ومع ذلك، يبدو أن تناول القهوة على مدى فترات زمنية أطول يؤدي إلى تأثيرات مختلفة.
الدراسة
ووفق الكاتبة، لا يؤدي شرب القهوة بانتظام إلى فقدان الوزن بشكل كبير، ولكنه قد يمنع زيادة الوزن، وإن كان ذلك طفيفا. وعادة ما يكتسب الشخص العادي الوزن مع تقدمه في السن -نحو رطل سنويا خلال منتصف العمر- لكن يبدو أن شاربي القهوة بكثرة يعانون من زيادة أقل في الوزن المرتبطة بالعمر.
وقد تتبعت دراسة أجريت عام 2023 عادات القهوة لأكثر من 150 ألف مشارك، فوجدت أن شرب القهوة غير المحلاة ارتبط بانخفاض طفيف في زيادة الوزن على مدى 4 سنوات بعد تعديل متغيرات نمط الحياة الأخرى. مع كل كوب إضافي، اكتسب شاربو القهوة نحو ربع رطل أقل من أقرانهم. ومع ذلك، ربما لن يشعر معظم الناس بمثل هذا الفرق البسيط في الوزن. وقد أفادت دراسات أخرى بنتائج مماثلة.
وأفادت الكاتبة بأنه تم ربط القهوة أيضا بفقدان قليل من الدهون في الجسم. ففي إحدى الدراسات، كانت لدى الأشخاص الذين شربوا 4 أكواب من القهوة الفورية يوميا كتلة دهون أقل بنسبة 4%، كما فقدوا كمية صغيرة من وزنهم الكلي بعد فترة 6 أشهر تقريبا. هذا بالمقارنة مع مجموعة أخرى تناولت مشروبا وهميا يشبه القهوة في الشكل والمذاق وحافظت على النظام الغذائي نفسه وعادات ممارسة الرياضة.
هل يساهم الكافيين في انخفاض زيادة الوزن؟
وذكرت الكاتبة أن الكافيين، وهو المركب الأساسي النشط بيولوجيا في القهوة، يبدو أنه أحد العوامل الرئيسية في انخفاض زيادة الوزن. ومن المعروف أن هذا المركب يحفز توليد الحرارة الناجم عن النظام الغذائي، أي الطاقة المستخدمة لهضم وامتصاص وتخزين العناصر الغذائية من الطعام. وفي المتوسط، ينفق الناس نحو 10% من إجمالي إنفاقهم للطاقة في معالجة الطعام.
وقد أظهرت الدراسات أن الكافيين يمكن أن يزيد هذه الكمية عن طريق رفع معدل الأيض لدى الشخص. ويؤدي ارتفاع معدل الأيض إلى استخدام الجسم مزيدا من الطاقة في أثناء الراحة. وتتسارع عملية الهضم، مما يجعل الأعضاء في الأمعاء تستخدم طاقة أكثر قليلا وتحرق مزيدا من السعرات الحرارية. ومع ذلك، فإن هذه الزيادة في الطاقة بشكل عام ضئيلة؛ قد يحرق من يشربون القهوة ما بين 80 إلى 150 سعرا حراريا إضافيا في اليوم، وفقا لإحدى الدراسات قصيرة المدى.
وأشارت الكاتبة إلى أنه يُعتقد أيضا أن الكافيين يحفز الجهاز العصبي الودي، الذي ينظم استجابة الجسم للقتال أو الهروب. فهو يمنع المستقبلات التي تربط الأدينوزين، وهو ناقل عصبي يحفز الشعور بالنعاس ويعزز الاسترخاء. ثم يحفز الكافيين الاستجابات الفسيولوجية في الجهاز العصبي الودي مثل زيادة معدل ضربات القلب واليقظة. وهذا، بدوره، يحرق سعرات حرارية أكثر قليلا، كما توضح مارلين كورنيليس، الأستاذة المساعدة في الطب الوقائي في جامعة نورث وسترن.
ولفتت الكاتبة إلى أن الكافيين قد يزيد أيضا من أكسدة الدهون -عملية تكسير الدهون المخزنة في الأنسجة للحصول على الطاقة- وهو ما قد يفسر سبب ارتباط استهلاك القهوة بانخفاض كتلة الدهون.
وبغض النظر عن الكافيين، تحتوي القهوة أيضا على كثير من البوليفينول -وهو نوع من مضادات الأكسدة- الذي قد يؤثر على الوزن. وقد ثبت أن حمض الكلوروجينيك، وهو البوليفينول الذي يعطي القهوة مذاقها المر المميز ورائحتها القوية، يساعد في الحفاظ على استقرار مستويات الغلوكوز في الدم.
وبما أن الرغبة الشديدة في تناول الطعام يمكن أن تكون مرتبطة بتقلبات السكر في الدم، فقد يساعد استقرار نسبة السكر في الدم على تنظيم الشهية، كما يقول كورنيليس. كما يمكن أن يلعب الطعم المر في حد ذاته دورا في ذلك، فهناك أدلة على أن الأمعاء تستشعر المركبات المرة وتعدل هرمونات الشهية لتقليل تناول الطعام.
القهوة وهرمونات الشهية
وذكرت الكاتبة أن العلماء بدؤوا للتو في فهم كيف يمكن لحمض الكلوروجينيك أن يعزز تأثير القهوة على الهرمونات التي تتحكم في الشهية والجوع. ووجدت إحدى الدراسات الصغيرة التي تتبعت 126 شخصا ممن يعانون زيادة الوزن أن القهوة كان لها تأثير تنظيمي على هرمونات الشبع، إذ تناول الأشخاص كميات أقل قليلا من الطعام وشعروا بالشبع بعد تناول المشروب.
وبعد شرب القهوة، كانت لدى المشاركين مستويات أعلى من السيروتونين، وهي مادة كيميائية في الدماغ يمكنها، من بين أمور أخرى، كبح الشهية، ومستويات أقل من هرمون الغريلين المحفز للجوع. وكانت هذه التأثيرات أقوى لدى أولئك الذين شربوا مزيج القهوة الذي يحتوي على مزيد من حمض الكلوروجينيك. وتشير الأدلة إلى أن القهوة قد تؤثر على الشهية والجوع، ولكن قد يختلف تأثيرها بشكل كبير من شخص لآخر.
لذا فإن شرب القهوة لكبح الارتفاع الفوري في الجوع ربما لا يكون توقعا واقعيا. كذلك لا يزال العلماء يحاولون فهم إذا ما كانت المواد المضافة، مثل القرفة والفلفل الحار، تساهم بشكل ملموس في التأثيرات اليسيرة للقهوة في إنقاص الوزن، لكنهم يقولون إن هذه المكونات غير ضارة عند إضافتها.
وترى الكاتبة أن تأثيرات القهوة على الصحة بشكل عام تبدو مفيدة ولكن إذا كان شُربت باعتدال، فقد ربطت الأبحاث باستمرار بين استهلاك القهوة على المدى الطويل وانخفاض خطر الإصابة بالنوع الثاني من داء السكري وأمراض القلب وتحسن الوظيفة الإدراكية وحتى انخفاض معدل الوفيات. لكن زيادة تناول القهوة لمجرد تحقيق هذه التأثيرات لا يناسب الجميع.
وفي الختام، نقلت الكاتبة عن روب فان دام، وهو أستاذ في علوم التمارين الرياضية والتغذية في جامعة جورج واشنطن، قوله: “ليس الأمر وكأن الزيادة في تناول القهوة أفضل”، مضيفا أن شرب أكثر من نحو 400 مليغرام من الكافيين يوميا قد يسبب صعوبة في النوم، ومزيدا من التوتر وبعض القلق. ولتوضيح ذلك، تحتوي جرعة واحدة من قهوة الإسبريسو عادة على نحو 60 مليغراما من الكافيين، رغم أن مشروبات القهوة الشعبية يمكن أن تحتوي على أكثر من ذلك بكثير، اعتمادا على الحجم والتحميص.