هل هناك ثقافة عربية؟
نواجه، منذ أكثر من عقدين، أزمة واضحة في الثقافة العربية، ومن أبرز مظاهرها انحسار دور المثقفين خلال وبعد الربيع العربي.
المسار اللارأسي للثورات
يتحدث عالم السياسة الفرنسي جان بير فيليو عن الطابع اللارأسي للثورات العربية، حيث يؤكد أنها لم تُقَدْ من قبل شخصية ملهمة أو أيديولوجيا معينة أو طبقة مثقفة. ورغم تأكيده الإيجابي على هذه الظاهرة، إلا أن فشل هذه الثورات في تحقيق انتقال ديمقراطي يعكس ضرورة تحقيق “الانتقال الثقافي”. فالتحول الديمقراطي لا يمكن أن يتحقق دون الاهتمام بتنمية ثقافة تدعم القيم الديمقراطية.
انتهاء هذه الثورة بلا رأس إلى رأس بلا ثورة كما الحال في تونس أو مصر، يؤكد مرة أخرى استحالة تحقيق انتقال ديمقراطي بدون تحقيق ما أسميه بالانتقال الثقافي.
الحاجة إلى المشاركة الفعالة
بالطبع، هناك من يعترض على فكرة بناء هذه الثقافة في ظل الأنظمة السلطوية. ولتحديد موقفنا، يجب أن نعيد النظر في مصطلح “السلطوية العربية”، حيث تمتد بين أنظمة شمولية وأنظمة في طريقها للديمقراطية، مما يبرز الفروق الكبيرة بينهما.
لذا، يجب على المثقفين العرب أن يتجاوزوا نرجسياتهم وأن يتعاونوا ويتعلموا من بعضهم البعض تحت مظلة مؤسسات مستقلة تعزز قيم الديمقراطية وتعمل على إبعاد الكومبارسات الثقافية المفروضة من الأنظمة. كما يجب استغلال الثورة التقنية لبناء فضاء عام موازٍ ينقد الفضاء السلطوي.
البحث عن حوار مع السلطة
أيضًا، من الضروري أن يسعى المثقفون العرب إلى تجاوز الانعزالية وفتح آفاق الحوار مع السلطة السياسية، مما قد يسهم في دعم الانتقال الثقافي وتعزيز السياسات العقلانية التي تهتم بالتعليم والتنمية. وتاريخياً، كان للمثقفين دور بارز في محاربة التسلط، كما يتضح من تجربة فلاسفة التنوير.
يتوجب على المثقفين العرب تجاوز الانعزالية والبحث عن أشكال للحوار مع السلطة السياسية القائمة.
ثقافة حوارية متعددة
قد يعترض البعض على فكرة الدفاع عن ثقافة عربية، بزعم أنه ينكر الثقافات الأخرى الموجودة. لكن القول بوجود ثقافة عربية لا يعني الشمولية، بل يتطلب أن تعبر الثقافات المحلية عن نفسها في إطار الثقافة العربية. في القرن الواحد والعشرين، يجب أن تكون الثقافة العربية نتاجًا للحوار بين الثقافات المحلية وأيضًا مع الثقافات العالمية.
تطوير الاهتمام باللغات المحلية سيقوي العربية ويفيد تكامل الثقافات. لن تكون الثقافة العربية قادرة على الحوار مع العالم ما لم تفتح أبوابها للثقافات المحلية. وعلينا أن نتقبل الحديث عن ثقافات عربية متنوعة، كما نتحدث عن ثقافات أوروبية، مما يعزز قوة الثقافة بشكل عام.
التقاليد والتطوير
يقول معارض آخر إن بناء ثقافة عربية في ظل التقاليد أمر مستحيل. ولكننا بحاجة إلى التمييز بين التقاليد، التي تعكس غنى الثقافة، والتقليدانية، التي تعني تكرارًا أيديولوجيًا. الثقافة العربية يجب أن تتبنى تقاليدها وتحدثها، مع رفض أي محاولة لإعادة إنتاج التراث بصيغة أيديولوجية تعارض التعددية.
فصل الدين عن الدولة
وهناك من يعتقد أنه من المستحيل بناء ثقافة عربية في ظل الهيمنة الدينية. لكن، تاريخياً، هناك انفصال بين الدين والدولة في التاريخ الإسلامي منذ القرون الوسطى. فالإسلام دين تعددي ولا يعبر عن مذهب واحد، وقد عانت المجتمعات الإسلامية من محاولات الاستعمار لتوحيد التعاليم الدينية والسياسية.
الانفصال بين الدين والدولة أمر قائم في التاريخ الإسلامي.
ختامًا، حتى لو لم تكن هناك ثقافة عربية متعارف عليها، يجب علينا أن نبادر لخلق واحدة جديدة، مبنية على الحوار مع العالم ومع التجارب الإنسانية. يجب على المثقفين أن يلعبوا دورًا فعالًا في المجتمع، وليس مجرد متفرجين، فالإبداع يجب أن ينبع من داخل المجتمع وتحدياته.
رابط المصدر