“من ضربك اضربه”.. توجيه تربوي صحيح أم تشجيع للطفل على العنف؟
<
div class=”wysiwyg wysiwyg–all-content” aria-live=”polite” aria-atomic=”true”>مع قدوم سبتمبر/أيلول، تسترجع أميرة ذكرياتها الأليمة مع ابنها أحمد البالغ من العمر 10 سنوات، بعد حادثة مؤلمة حدثت له قبل عامين. إثر شجار مع أصدقائه في المدرسة ممن أطلقوا عليه لقباً غير لطيف، عاش أحمد صدمة كبيرة. في البداية، كان يبكي لأمه دون القدرة على الدفاع عن نفسه، ولكن بعد محاولته الاستجابة لتوجيه أمّه، تعرض لإصابة خطيرة في رأسه، مما ترك آثاراً نفسية عميقة عليه، مثل التبول اللاإرادي الذي يعاوده كلما بدأ العام الدراسي.
تتباين وجهات النظر حول كيفية التعامل مع العنف، مما يجعل الأمهات في صراع داخلي بين توجيه “من يضربك اضربه” وعبارة “العنف لا يحل المشكلة، بل استخدامها للعقل”. يجد الأطفال أنفسهم في هذه المعادلة الصعبة بين أن يكونوا ضحايا للتنمر أو متنمرين يتسببون في أذى للآخرين.
وفقاً لتقرير اليونسكو الصادر في نوفمبر 2023، أثار الربط بين العنف في المدارس والصحة النفسية قلقاً كبيراً. التجارب المتمثلة في العنف والتنمر والتمييز قد تؤدي إلى انتكاسات نفسية تؤثر على التحصيل الدراسي، في حين أن الإحساس بالأمان يعزز الصحة النفسية وتحسين الأداء الأكاديمي. أكدت مديرة اليونسكو على حق كل طفل في الشعور بالاحترام والأمان لكي يتمكن من التعلم والتطور في بيئة مدرسته.
العنف داخل المدارس
القصص المرتبطة بالعنف في المدارس تتكرر بشكل مستمر لدى أولياء الأمور، ويستقبل الأخصائيون الاجتماعيون مئات الشكاوى سنوياً حول حالات التنمر والعنف الانتقائي بين الطلاب، والتي تتجاوز الصراعات البدنية إلى مشكلات أكثر خطورة، مثل العنف المسلح. هذه الظاهرة تؤثر على جميع أنواع المدارس دون تمييز، سواء كانت حكومية أو خاصة أو دولية.
مروة بدر، أخصائية اجتماعية في مدرسة حكومية بمصر، تشير إلى ان مكتبها يكتظ بالطلاب ذوي السلوكيات العنيفة مع بدء كل عام دراسي، وتسعى بكل جهدها لتوجيههم نحو سنة دراسية خالية من العنف. ورغم جهودها، إلا أنها تتلقى شكاوى مستمرة من الطلاب الذين يتعرضون للتنمر، سواء كان لفظياً أو جسدياً. تؤكد مروة أن الفروق البدنية بين الطلاب تعد وسيلة شائعة للتنمر، دون تمييز بين الجنسين، حيث يتم استهداف الطلاب الأضعف، خاصةً إذا كانوا متميزين أكاديمياً أو اجتماعياً، مما يجعلهم “ضحايا مثاليين”.
هل تصبح مقاومة العنف بالعنف ضرورة؟
# العنف في المدارس: جذوره وآثاره
برزت في الآونة الأخيرة ظاهرة العنف بين الطلاب في المدارس، حيث أظهرت دراسة من كلية الخدمة الاجتماعية بجامعة الفيوم أن هذه الظاهرة تنبع في الكثير من الأحيان من العنف الأسري. يلاحظ الباحثون أن الأطفال قد يتعرضون مباشرة لهذا العنف أو يشاهدون أحد أفراد أسرهم يتعرض له، مما يكسبهم سلوكيات حادة تصبح متجذرة في تصرفاتهم اليومية.
النظرية الاجتماعية وتعلم العنف
تعتبر “نظرية التعلم الاجتماعي” من أهم النظريات التي تفسر العنف المدرسي، إذ تشير إلى أن العنف يكتسب كأي سلوك آخر من قبل الطفل داخل بيئته الأسرية. فبعض الآباء يحثون أطفالهم على مواجهة الاعتداء بالعنف، مُعبرين عن ذلك بعبارات مثل “لا تكن ضحية بل كن المنتصر”، مما يعزز فكرة الاستخدام المباشر للقوة كوسيلة لحل المشاكل.
Caption: مروة بدر: الفروق الجسدية بين الطلاب في المراحل المختلفة هي الوسيلة الأكثر استخدامًا في التنمر (غيتي إيميجز)
الموقف العام من العنف
على الرغم من دعوات العديد من الدراسات للابتعاد عن العنف، لا يتفق جميع الآباء على هذا المبدأ. يقول أشرف عابدين، ولي أمر يملك طفلين في مرحلة التعليم، إن العنف قد تغلغل في المدارس بشكل مقلق، حيث لم يعد مجرد شجار بين طفلين، بل تحول إلى مشاجرات عنيفة قد تصل إلى استخدام الأسلحة.
تعزيز القدرات العقلية
في هذا السياق، يوضح الدكتور علي عبد الراضي، استشاري العلاج النفسي، أن العنف في المدارس لن يتوقف ما لم يتحول التركيز من تعزيز القدرات البدنية إلى تعزيز التفكير والعواطف لدى الأطفال. فغالبية الآباء يعدون أبنائهم جسديًا لمواجهة أقرانهم بدلاً من إعدادهم ذهنيًا وعاطفيًا.
Caption: الدكتور علي عبد الراضي: العنف داخل المدرسة دائرة لن تتوقف طالما يصر الآباء على تنمية قدرات أبنائهم الجسدية فقط (غيتي)
دور الأسرة والمدرسة
يدعو عبد الراضي إلى ضرورة وجود دور فعال من الأسرة والمدرسة في معالجة ظاهرة العنف. فالعنف لا ينشأ من فراغ بل هو نتيجة لما يتم تعلمه في المنزل والمدرسة، مشددًا على أهمية توعية أولياء الأمور والمعلمين حول كيفية مواجهة المشاكل بشكل مدني وتجنب الصراعات العنيفة.
إضافة إلى ذلك، ألقى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي بظلاله على انتشار هذه الظاهرة، حيث زادت من وتيرة العنف بين الطلاب في سعيهم لمشاركة مقاطع الفيديو التي تتضمن اعتداءات بطريقة مسلية أو تحديات.
في الختام، يشير عبد الراضي إلى أن الحلول تتجاوز مجرد منع العنف، بل تشمل تعزيز التعليم وإفساح المجال لتطوير المهارات العاطفية والعقلية لدى الطلاب، ليكونوا مستعدين لمواجهة تحديات الحياة بأساليب أكثر نضجًا.
المصدر: الجزيرة