هل السنن العشائرية في العراق فوق الدولة أم مساعد لها؟
بغداد- تثير السنن العشائرية في العراق جدلاً بين من يعتبرها تعبيرًا عن ضعف الدولة ويدعو لوضع حد لها، ومن يرى أنها تسهم في تعزيز الأمن المجتمعي وتعتبر وسيلة إيجابية للوساطة، لكن مع ضرورة معالجة أشكالها السلبية.
تشير السنن العشائرية إلى قضاء عرفي يُستخدم لحل النزاعات بين المتخاصمين بعيدًا عن القوانين الرسمية، وتتضمن أعرافًا تعدّ بعضها مخالفًا للقانون، مثل “الدكة العشائرية”، التي قوبلت برفض شعبي واسع.
طبقًا لهذا العرف، يقوم عدد من شباب وشيوخ العشيرة بإطلاق النار تجاه منزل المستهدف في تهديد مباشر، مع ترديد شعارات الفخر بعشيرتهم. واستجابة لهذا السلوك، أصدر مجلس القضاء الأعلى العراقي في 2018 توجيهات للتعامل مع الدكة العشائرية حسب أحكام قانون مكافحة الإرهاب.
أعلنت وزارة الداخلية في 18 أبريل/نيسان 2024 عن انخفاض كبير بنسبة 77% في حوادث الدكة العشائرية، وأفادت بأن 11 محافظة من أصل 15 خلت من هذه الجرائم في الأشهر الأولى من العام.
حفظ السلم وحقن الدماء
المستشار بمكتب رئيس الوزراء والخبير العشائري، صدام زامل العطواني، أوضح أن “للعشائر العراقية دورًا حيويًا في الحفاظ على السلم الاجتماعي وحل المشاكل وحقن الدماء”، مشيرًا إلى أنها ساهمت في حسم النزاعات ونجحت في الحفاظ على ممتلكات الدولة بعد عام 2003 خلال غياب السلطة التنفيذية.
في حديثه للجزيرة نت، أكد العطواني أن “القانون والحكومة منشأهما العشائر، وأن النواب الذين يمثلون الشعب هم من عشائرهم”.
كما أشار إلى دور العشائر في مواجهة الاعتداءات على الكوادر الطبية والتربوية، مؤكدًا على ضرورة دعم الحكومة في محاسبة المخالفين واتخاذ الإجراءات اللازمة لمكافحة الدكة العشائرية.
واستكمل حديثه بوجود مديرية مخصصة للعشائر في وزارة الداخلية ولجنة في مجلس الوزراء، لتعزيز التعاون مع الجهات الأمنية لحفظ الأمن والاستقرار.
من جهة أخرى، يعتقد الخبير القانوني منتظر عباس أن “الكثير من القضايا تُحل عبر العشائر، عدا الجرائم الجسيمة، رغم وجود بوادر تفاهم عشائري، إلا أن الحق العام يبقى مسيطرًا”.
العشيرة والدولة
يرى الشيخ حمودي عزيز شياع الساعدي، رئيس قبيلة السواعد، أن العشائر تمثل قوة داعمة للدولة وليس العكس. وأشار إلى أن العشائر تتعاون مع الدولة لمكافحة العنف والمخدرات، مع خطط لمواجهة هذه الظواهر من خلال نظام داخلي جديد.
على النقيض، رأى الناشط المدني علي خيون أن الأعراف العشائرية أضعفت الدولة من خلال تفضيل العشيرة في حل النزاعات، مما يساهم في تعزيز العنف ويعقد الصراعات بين المواطنين.
تاريخيًا، أشار خيون إلى أن الملك فيصل الأول واجه صعوبات مع العشائر واضطر لتأسيس قانون للحد من نفوذهم، لكنه لفت إلى أن الأعراف العشائرية أصبحت أكثر هيمنة بعد 2003، مما استدعى تدخل الحكومة لوضع تشريعات تضمن عدالة الدولة في إدارة العشائر.
من ناحية أخرى، أكد الشيخ منتظر محمد سالم أن التثقيف الحكومي والعشائري بشأن الاحترام للقوانين هو أمر ضروري لتقليل السلوكيات السلبية التي يمكن أن تنتج عن العرف العشائري.
تطوير نُظم العشيرة
الدكتور رحيم الساعدي، أستاذ الفلسفة، شدد على أهمية تطوير نظم العشيرة لتتناسب مع متطلبات العصر الحديث. وأكد على ضرورة تنظيم المجتمع بشكل أفضل بمساعدة القوانين والتشريعات التي تسهم في الحفاظ على السلم والعدالة.
كما دعا إلى ضرورة معالجة الأعراف السلبية، مؤكدًا على أن تفعيل النظام الداخلي للعشائر يجب أن يشمل التعامل مع قضايا معقدة مثل الابتزاز الإلكتروني وأعمال العنف.
في الختام، أشار الشيخ سالم إلى أهمية تشديد العقوبات على المجرمين والمخالفين، داعيًا الحكومة إلى العمل على صياغة قوانين تعالج القضايا المتعلقة بحماية المواطنين والكوادر الطبية والتعليمية.
رابط المصدر