هل نحن نسخة عن آبائنا فعلاً؟ وهل يمكننا تكوين شخصيات مختلفة؟
“ستصبح مثلي تماماً ذات يوم”.. عبارة تتردد في أذهان الكثير من الأبناء، مما يثير لديهم الخوف من تكرار الأخطاء، فيعملون جاهدين على ضمان اختلافهم، ويعاهدون أنفسهم بتجنب أخطاء آبائهم. ومع ذلك، يدرك العديد منهم فجأة أنهم يتحدثون مثل والديهم ويفكرون بأسلوبهم!
هذا ما أظهرته دراسة استقصائية حديثة أجرتها شركة “بروغريسف” للأبحاث، حيث أفادت أن حوالي 27% من الأميركيين يترقبون تكرار أخطاء آبائهم كلما تقدموا في العمر. وأظهرت النتائج أن الشخص العادي يبدأ في ملاحظة أنه يتصرف مثل والديه عند بلوغه الثلاثين، رغم أنه يكتسب هذه العادات في وقت مبكر.
الاستطلاع، الذي شارك فيه 2000 شخص بالغ، أظهر أن 38% يحاولون تجنب اتباع نفس العادات الأبوية التي يجدونها خاطئة، بينما لا يمانع ربع المشاركين من اكتساب بعض الخصائص الإيجابية.
ومن النتائج البارزة أيضاً، برزت شخصية “أب المطار”، حيث اعترف 41% من المشاركين بأنهم يتبنون نفس العادات الأبوية أثناء السفر، مثل الوصول المبكر إلى المطار، ومراقبة الأمتعة بعناية، والاندفاع إلى الحمام قبل صعود الطائرة.
إذن، لماذا نكرر نفس ردود الفعل التي كنا نعترض عليها من أقرب الناس إلينا؟ وما الدور الذي تلعبه المسارات العصبية والجينات الوراثية؟
تأثيرات بيئية واجتماعية
بحسب المقال الذي كتبه المعالج النفسي د. أسيل رومانيلي على موقع “سايكولوجي توداي”، فإن الأسرة تعتبر بمثابة “بروفة” للجيل التالي من الآباء، حيث تتنقل التقاليد والسلوكيات بين أفراد الأسرة، بدءاً من الأمور البسيطة مثل الطريقة المفضلة لغسل الأواني، وصولاً إلى الأمور الكبرى مثل التفكير ومواجهة المشكلات، وتعزيز العلاقات الاجتماعية.
ويؤكد رومانيلي أنه بغض النظر عن مدى اعتقادك بكونك مختلفاً عن والديك، فإن سلوكك يعتبر موروثاً سواء كان إيجابياً مثل الضمير الحي، أو سلبياً كالقلق والانفعال السريع.
لهذا، يعكس معظم الأبناء سلوك عائلتهم الأصلية بعد الزواج محققين “النموذج التكراري”، مثل اتباع نفس طريقة تنظيف المنزل، وآداب الطعام، وأساليب الترفيه، وهي نفس السلوكيات التي كانوا يعتبرونها مرغوبة.
وعن ذلك، فإننا أحيانًا نقلد الجوانب التي لم نكن نتقبلها، كوسيلة غير واعية للتعبير عن الولاء. على سبيل المثال، يجد الكثير من الأبناء أنهم يقولون لأطفالهم أشياء كانوا يكرهون سماعها مثل “سأمنع عنك المصروف هذا الشهر”، أو الاستياء من الفوضى بالصراخ “هل نعيش في حظيرة؟!”.
عوامل بيولوجية
إلى جانب العوامل الاجتماعية، يشير علماء الأعصاب إلى وجود عوامل بيولوجية تقودنا للتصرف مثل آبائنا. الأبحاث العلمية أظهرت أن الوراثة أكثر تعقيداً من مجرد وجود صفات جسدية، بل يمكن أن تشمل سلوكيات ومخاوف قد اختبرها أحد الوالدين. دراسة نشرت في مجلة “نيتشر” في 2013 أظهرت تأثير تجارب أحد الوالدين على الجهاز العصبي للأجيال المقبلة.
ولإثبات ذلك، قام الباحثان في كلية الطب النفسي بجامعة إيموري، الدكتور كين ريسلر وزميله برايان دياز، بتعليم ذكور الفئران الخوف من رائحة أزهار الكرز عن طريق تعريضهم لصدمة كهربائية، مما جعلهم يرتبطون بين الكرز والألم، ونتج عن ذلك تغييرات في الدماغ.
وتمكنت الذكريات من انتقال تلك المخاوف عبر الأجيال، حيث أبدى أحفاد الفئران نفس الاستجابة تجاه الرائحة.
هل يمكن تشكيل سلوكنا الخاص؟
تنقل مجلة “ميل” عن المعالجة النفسية، ديان بارث، قولها “يبدو أن كل الأطفال على الأقل في مرحلة ما يشبهون والديهم، وقد تؤدي التفاعلات البيولوجية والاجتماعية إلى اكتساب بعض الصفات المميزة للآباء في تعاملهم مع الحياة”.
وتتحدث بارث عن أن رفض كل جيل تكرار الأنماط الأبوية لا يعني بالضرورة الاعتراض على الوالدين، حيث أحياناً نفهم سلوكهم بشكل مختلف وندرك الدوافع التي تقف وراء تلك السلوكيات.
على الرغم من تأثير العوامل الاجتماعية والبيولوجية، ذكرت بارث أنه يمكن للناس التخلي عن النموذج التكراري واختيار “نموذج ارتجالي”، ويعني ذلك اتخاذ قرار واعٍ بالقيام بأمور مختلفة عن الوالدين. ولتحقيق ذلك، تقدم بارث النصائح التالية:
- الانتباه إلى اللحظات غير المرغوبة وتعديلها: يمكنك إضافة لمستك الشخصية إلى أي عادات اكتسبتها، حيث يمكن للتغييرات البسيطة أن تُحدث فارقًا كبيرًا.
- تكوين عادات إيجابية من الأصدقاء والمعارف: على سبيل المثال، إذا لم تعجبك طريقة والدك في التعامل مع الانتقادات، يمكنك تعلم أساليب من شخص يتعامل معها بشكل جيد.
- إنشاء مسارات عصبية جديدة: تنعكس أصوات آبائنا في تصرفاتنا، لذلك يجب أن تسعى جاهدًا للاستعانة بأسلوبك الخاص في مواجهة المواقف.
رابط المصدر