هل يمكن أن تؤدي قوات الاحتياط إلى انهيار المجتمع الإسرائيلي؟

Photo of author

By العربية الآن

هل تُسهم قوات الاحتياط في انهيار المجتمع الإسرائيلي؟

جندي إسرائيلي جريح في لبنان
جندي إسرائيلي جريح في لبنان (مواقع التواصل الاجتماعي)
ضمن تغطيتها للذكرى الأولى لهجوم المقاومة الفلسطينية على الجيش الإسرائيلي ومستوطنات غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، نشرت صحيفة هأرتس تقريرًا مفصلًا حول معاناة وآمال جنود الاحتياط، حيث اقتبس أحد الضباط قوله: “هذه ليست البلاد التي سأضحي بحياتي من أجلها”.

**قصص الجنود وآمالهم**
التقرير تضمن تجارب أكثر من 130 جندياً وضابطاً من الاحتياط، جميعهم أكدوا أنهم لن يعودوا للخدمة ما لم يتمكن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من تأمين صفقة مع حماس تضمنت تحرير الأسرى وإنهاء الحرب. وعلى عكس الأوقات السابقة، حيث كان يُعبّر الجنود عن معاناتهم الجسدية والنفسية، كان إجماعهم هذه المرة هو التهديد بالتوقف عن أداء واجبهم.

بالإضافة إلى ذلك، تزايدت المشاعر السلبية بين الجنود بشأن جدوى الحرب، وبرزت تساؤلات أخلاقية حول استمرارية القتال. إحدى النساء عبرت عن قلقها، قائلة: “إذا مت في هذه الحرب، سأجعل على شاهد قبرك عبارة كان أحمق”.

**أزمة الاحتياط تتصاعد**
بعد أسابيع من نشر التقرير، أظهرت صحيفة جيروزالم بوست توقيع 153 جندياً على رسالة موجهة لنتنياهو، حيث هددوا خلالها بعدم العودة للخدمة. وهذا لا يُعتبر مجرد رد فعل عابر، حيث أوردت وسائل الإعلام الإسرائيلية تراجعاً ملحوظاً في انضمام جنود الاحتياط، مشيرة إلى قلق الجيش من انخفاض بنسبة تتراوح ما بين 15 إلى 25٪.

**الأسس الاجتماعية في خطر**
تعتبر قوات الاحتياط من الركائز الأساسية للوعي الوطني الإسرائيلي، وتحظى بمكانة خاصة في المجتمع، بل تُعتبر من الأسس التي تعزز الانتماء للدولة. وقد أصبحت هذه الظاهرة تهدد التماسك الاجتماعي، حيث تتشابك الحياة المدنية والعسكرية بطريقة تعقّد الأمور على المستويين.

الأزمة الحالية لقوات الاحتياط لم تنشأ من حرب أكتوبر فقط، بل كانت هناك علامات انزعاج سابق بين الضباط والجنود احتجاجًا على سياسات نتنياهو، وهو ما أدى لتحطيم الأسس المتعارف عليها في المجتمع الإسرائيلي.

**تأثير الأزمة على سير الحرب**
مع تصاعد الفترة الزمنية للحرب وصعوبة الأوضاع على الجبهات، نجد أن قوات الاحتياط تعاني من ضغط نفسي واقتصادي واجتماعي بعد انقطاعهم عن حياتهم المدنية لفترة طويلة. هذه الأزمات تثير تساؤلات جديدة حول مستقبل أداء هذه القوات ودورها في النزاع، وتضع علامات استفهام حول تأثير تأثيرها على مجمل الوضع الأمني في إسرائيل.

جنود الاحتياط الإسرائيليون يصلون بواسطة حافلة إلى مكان غير محدد في جنوب إسرائيل، بالقرب من الحدود مع قطاع غزة، 18 يوليو 2014، حيث تعزز إسرائيل قوتها بنحو 18,000 جندي احتياطي إضافي. قُتل ما لا يقل عن 24 فلسطينيا خلال الليل مساء 18 يوليو، مع إصابة العشرات، حيث تصاعد الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة مع انتشار القوات البرية. كما أكدت القوات الإسرائيلية مقتل أول جندي إسرائيلي في القتال البري بشمال قطاع غزة في 18 يوليو. وكالة الأنباء الأوروبية
الكاتب: أزمة قوات الاحتياط الآخذة في التصاعد لم تكن وليدة أحداث طوفان الأقصى فقط (وكالة الأنباء الأوروبية)

جيش الشعب: الدور المركزي لقوات الاحتياط

منذ تأسيس إسرائيل عام 1948، قام ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لها، بتطوير مفهوم “جيش الشعب”. هذا المفهوم يعني استعداد جميع الإسرائيليين للقتال من أجل ضمان تمتع قواتهم بعدد يفوق عدد قوات أعدائهم، بغض النظر عن حجم المجتمعات العربية.

لتطبيق هذا المبدأ، فرضت إسرائيل خلال حرب 1948 التجنيد الإجباري على جميع الأفراد من عمر 17 إلى 54 عامًا. بعد انتهاء الحرب، بات التجنيد مفروضًا على جميع المواطنين اليهود الذين يبلغون 18 عامًا، ذكورًا وإناثًا. وفي أعقاب حرب 1967، تم تحديد مدة الخدمة الإلزامية بثلاث سنوات، مع إعفاء فئات معينة من النساء مثل المتزوجات والأمهات، كما تم إعفاء الرجال “الحريديم” الذين يدرسون في المعاهد الدينية، بالإضافة إلى المواطنين العرب باستثناء الدروز الذين خضعوا للتجنيد الإجباري عام 1954.

وبذلك، أصبح الجيش الإسرائيلي مقسمًا إلى قوات نظامية وقوات احتياط، حيث تتكون القوات النظامية من المجندين الذين يؤدون الخدمة الإلزامية (32 شهرًا للذكور و24 شهرًا للإناث) وعددهم حوالي 133 ألفًا، بالإضافة إلى مجندين دائمين يبلغ عددهم 40 ألفًا. أما قوات الاحتياط، فهي تتشكل من الذين أنهوا خدمتهم الإلزامية، ويبلغ عددهم حوالي 465 ألف جندي في عام 2023، مع تحديد قانون الاحتياط مدة الخدمة السنوية بـ 18 يومًا و54 يومًا كل ثلاث سنوات.

نمط جديد من الحروب: فلترجع قوات الاحتياط إلى الخلف!

تعد أغنية “هآريوت” واحدة من أشهر الأغاني في الذاكرة الإسرائيلية، وقد كتبت بعد عام من حرب 1948، وتجسد ثقافة “أخوة السلاح” بين الإسرائيليين. ومنذ عقود، كانت قوات الاحتياط رمزًا للتضامن والجاهزية في الأوقات الحرجة.

غير أن الوضع تغير بعد العقود الثلاثة الأولى من عمر إسرائيل، خاصة بعد العام 1985 عندما توقف الجيش عن استدعاء قوات الاحتياط بشكل كبير إلى العمليات القتالية، نتيجة ضغوط الحكومة بعد احتجاجات شعبية في لبنان. آنذاك بدأ التراجع في الإجماع الشعبي حول الحروب.

ومنذ ذلك الحين، لم تشارك قوات الاحتياط بشكل ملحوظ في حروب إسرائيل حتى حدث “طوفان الأقصى”. وقد أسهمت تحولات موضوعية عديدة، مثل تغير نمط التحديات الأمنية، حيث انخفض خطر نشوب الحروب النظامية مع ظهور تهديدات جديدة مثل الجهاد الإسلامي وحزب الله وحماس. هذا ما أدى إلى تغير الخطط العسكرية والتركيز أكثر على سلاح الجو والاستخبارات، مما أثر على دور القوات البرية.

كما تسبب الانهيار الاقتصادي الذي شهدته إسرائيل في حدوث أزمة كبيرة بين قوات الاحتياط، مما عزز التفكير بإعادة هيكلة الجيش.### الأزمة العسكرية في إسرائيل في الثمانينيات

شهدت إسرائيل في الثمانينيات أزمة خلیج بسبب زيادة الإنفاق العسكري غير المسبوق في السنوات التي تلت حرب 1973. ومن تداعيات هذه الأزمة، تم الاتفاق بين وزارة المالية ووزارة الدفاع على أن تتحمل الأخيرة تكلفة قوات الاحتياط بشكل كامل. وبما أن وزارة الدفاع لم تكن ملزمة بميزانية محددة لقوات الاحتياط، فقد قامت بتوجيه ميزانياتها نحو قطاعات أخرى من الجيش تعتبرها أكثر أولوية، مثل سلاح الجو والطائرات المسيّرة الحديثة.

تراجع دور قوات الاحتياط في العقيدة العسكرية

نتيجة لهذه التحولات، تغيرت نظرة الجيش الإسرائيلي لقوات الاحتياط، حيث انخفض دورها في استراتيجيات العمليات العسكرية تزامنًا مع تراجع فعالية العمليات البرية. تحولت عقيدة الجيش نحو بناء قوة صغيرة محترفة تعتمد على العمليات البرية كأداة رئيسة لتحقيق أهدافها الاستراتيجية في النزاعات السريعة والحاسمة.

الاستدعاء النادر لقوات الاحتياط

على الرغم من الأحداث الهامة مثل انتفاضة الأقصى، التي شهدت استدعاء قوات الاحتياط، إلا أن هذه القوات لم تُستخدم في العمليات الحربية الرئيسية مثل حروب لبنان وغزة. وكان دورها مقتصراً على المهام الدفاعية بعيدًا عن مناطق الاشتباك الرئيسية.

ذبح البقرة المقدسة: تدهور مكانة قوات الاحتياط

أدى اعتقاد الساسة والمخططين العسكريين بأن التهديدات الإسرائيلية يمكن احتواؤها عبر الضربات الجوية، إلى انخراط المجتمع الإسرائيلي في طابع نيوليبرالي يفتقر إلى الدافع للخدمة العسكرية. ونتيجة لذلك، تراجعت الهيبة الرمزية لقوات الاحتياط وسط المجتمع، مما قلل من حماس المواطنين لخدمة الجيش.

التوزيع غير العادل لأعباء الخدمة العسكرية

تزامن هذا التراجع مع شعور متزايد بالتمييز في توزيع أعباء الخدمة العسكرية، حيث تم استبعاد بعض القطاعات، مثل اليهود المتدينين “الحريديم”. وأدى ذلك إلى قلة حماس أو التزام كثير من المواطنين بالخدمة، ونظرًا لضغط الرأي العام، أصبح الجيش أكثر تسامحًا في عدم استدعاء قوات الاحتياط.

تراجع جاهزية قوات الاحتياط

وفقًا لدراسة نشرتها معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، فإن نسبة كبيرة من قوات الاحتياط لم تُستدعَ بعد. وفي عام 2014، لم يُستدعَ حوالي 60% من قوات الاحتياط لأداء خدمتهم، بينما انخفض هذا العدد في السنوات التي تلت. ومع ذلك، استمرت قيادة الجيش في تقدير أن هناك أولويات إنفاق عسكرية أهم من قوات الاحتياط.

طوفان الأقصى: استدعاء القوات في الأزمة

في 7 أكتوبر، كانت قيادة الجيش الإسرائيلي تحت محنة دفع ثمن التقديرات الخاطئة بشأن قوة الجيش وقوة العدو. على الرغم من استدعاء 360,000 من قوات الاحتياط، وهو أكبر رقم منذ حرب 1973، واجهت هذه القوات العديد من التحديات بسبب إهمال السنوات الماضية الذي أضعف جاهزيتها القتالية.

النتيجة

مع استمرار الأحداث، تبين أن سلاح الجو لم يتمكن من مواجهة التحديات العسكرية الجديدة، مما فرض على القيادة السياسية والأمنية مواجهة التهديدات الشاملة في محاولة لاستعادة أمن المجتمع الإسرائيلي وهيبة الجيش.### أزمة قوات الاحتياط الإسرائيلية

يواجه جيش الاحتياط الإسرائيلي تحديات ملحوظة تتمثل في ضعف التدريب وصعوبة الاندماج في المنظومة القتالية، بالإضافة إلى ضعف التنسيق مع الوحدات الأخرى. كما لاحظنا نقصًا شديدًا في العتاد العسكري الكافي، مما دفع المواطنين في إسرائيل إلى تنظيم حملات لجمع التبرعات من العتاد العسكري، وخاصة السترات الواقية من الرصاص.

إغلاق المنشآت التجارية

من جهة أخرى، تأثر الاقتصاد الإسرائيلي بشكل كبير بسبب غياب عدد كبير من جنود الاحتياط عن عملهم، حيث أظهرت تقارير من مؤسسة التأمين الوطني أن نحو 1000 منشأة تجارية تابعة لهؤلاء الجنود أُغلقت في الأشهر الستة الأولى من الحرب، وهو ما يعادل 6% من مجموع المنشآت المغلقة في البلاد. وتشير الإحصائيات إلى أن حوالي 75% من هذه المنشآت يقع في مناطق تجارية كبيرة مثل تل أبيب وحيفا.

التأثير على قطاع التكنولوجيا

تجدر الإشارة إلى أن دراسة نُشرت في فبراير 2024 من قِبل وزارة المالية أوضحت أن 20% من جنود الاحتياط كانوا يعملون في قطاع التكنولوجيا المتقدمة. لذا فإن تكلفة غيابهم عن السوق ستكون مرتفعة جدًا، خاصة مع استمرار النزاع لفترة أطول مما كان متوقعًا.

تراجع المشاركة في الجيش

بينما كان شعور الإسرائيليين بالتهديد الوجودي يحثهم على الالتحاق بكافة قوات الاحتياط في الأسابيع الأولى من الحرب، أدى الاستنزاف المستمر وغياب الحلول السياسية إلى تراجع هذا الحماسة. وكشف تقرير لصحيفة يديعوت أحرونوت أن الجيش الإسرائيلي يشعر بالقلق جراء انخفاض معدل الخدمة الاحتياطية بنسبة تتراوح ما بين 15% و25%، ما يتجلى أكثر في الألوية القتالية في غزة والجبهة الشمالية.

خطط الحكومة لمعالجة الأوضاع

في ظل تزايد الحاجة لقوات الاحتياط، قدمت حكومة نتنياهو مشروع قانون في فبراير 2024 لتعديل قانون الاحتياط بما يسمح بزيادة سن الخدمة الاحتياطية. إلا أن هذا القانون واجه معارضة شعبية واسعة بسبب استمرار إعفاء اليهود المتشددين “الحريديم”. كما أدت مداولات قانونية إلى إلزام الحريديم بالتجنيد، لكن الجيش لم ينجح بعد في تحقيق الرقم المطلوب من المجندين.

تحذيرات من تداعيات الحرب المستمرة

إن استمرار الحرب لأكثر من عام أدى إلى زيادة الاستنزاف من جميع النواحي الاقتصادية والاجتماعية، حيث استقبلت إدارة إعادة التأهيل ما يقرب من 12 ألف جندي مصاب، يشكل الثلث منهم قوات احتياط. وسط هذه الأوضاع، قررت وزارة الدفاع تقليص مدة الخدمة العسكرية للجنود الاحتياطيين، من 20 أسبوعًا إلى 9 أسابيع، في محاولة لتشجيع المزيد من المجندين على الالتحاق، إلا أن هذا الإجراء يبقى خطوة محفوفة بالمخاطر في ظل ظروف الحرب المتسعة.

تأثُر الهوية الوطنية

يمكن القول أن نموذج الاحتياط الذي كان يُعتبر فخرًا لإسرائيل لم يعد كما كان. في وقت تواجه فيه البلاد أطول حرب في تاريخها، بدأ الإسرائيليون يشعرون بأنهم قد فقدوا الدافع الذي يجعلهم يرون الهدف من القتال. ومع طول أمد الحرب، تتزايد الأسئلة حول جدوى النزاع والخدمة العسكرية، وسط كل تلك التحديات.

أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.