أظهرت دراسة كندية قدرة والدة الأطفال الصغار ذوي المزاج العاطفي أو المليء بالحيوية، على تقليل التقدم المحتمل لأعراض اضطراب فرط الحركة وانعدام الانتباه “إيه دي إتش دي” (ADHD)، عن طريق تحسين أسلوب التربية.

فرصة جديدة

عرف خبراء نفسية تنموية منذ فترة طويلة أن مزيجا معقدا من اضطرابات المزاج، والتربية، وبعض عدم الاستقرار في وظائف العقل التنفيذية، يشكل عوامل مرتبطة في تقدم أعراض اضطراب فرط الحركة وانعدام الانتباه خلال مرحلة الصبا.

ويفسر موقع مركز تنمية الطفل في جامعة هارفارد المقصود بوظائف العقل التنفيذية ومهارات التنظيم الذاتي بأنها عمليات عقلية تمكننا من التخطيط، والتركيز، والاحتفاظ بالمعلومات، وتنسيق المهام بنجاح، ويحتاج الدماغ إلى تلك المهارات لتصفية العوائق، وتحديد الأولويات، وتحقيق الأهداف، وضبط الدوافع.

تشمل أعراض اضطراب فرطالحركة وضعف التركيز، وتشتت الانتباه، وتحفيز النشاط، والفورية، ويُعالج الأطباء تلك الأعراض عادةً بتركيبة من العلاج السلوكي والأدوية. إلا أن باحثي الجامعة “واترلو” توقعوا أنه باتخاذ الوالدين إجراءات وقائية، ابتداء من ظهور الأعراض الأولى، قد يمنعان تطوير أعراض اضطراب نقص الانتباه والحركة لدى أطفالهم.

لم يعد اندفاع النشاط في سن ما قبل المدرسة مصدر قلق ضروري بحسب الباحثين. بل استندوا إلى تحليلات دراسات سابقة، ربطت بين الانفعال والنشاط في الصغر ومشاكل التنظيم الشخصي والتفكير المرن في وقت لاحق. ولذلك، قاموا بتتبع تطور تلك الأعراض لدى 291 طفلا، من عمر 4 أشهر حتى 15 عامًا.

باحثون رصدوا التفاعلات بين الأطفال ووالديهم، مع تقييم وظائف التحكم الذهني لدى الطفل، وفحص الأعراض المُبلَّغ عنها من قبل الوالدين بدءًا من سن الخامسة.

وكشفت تحاليل الباحثين لظهور الأعراض الأولى للاضطراب عن ارتباط ملامح الطفل وسلوكه بسلوك الوالدين، وتأثير ذلك على تطور وظائف عقله النامية. بينما ظهر اندفاع الطفل مبكرًا، تراجعت وظائف عقله عندما غابت توجيهات الوالدين بالفعل عنه خلال السنوات الثلاث الأولى، بينما استقرت أعراض الاضطراب لدى باقي الأطفال، من 5 سنوات حتى 9 سنوات، قبل أن تنخفض قبل سن 15 بفضل دعمهم الوالدي.

كيفية حماية طفلك المُشتت انتباهيًا؟

أشار تقرير دراسة جامعة “واترلو” إلى سلوكيات تربوية معينة تهدف إلى توجيه الطفل دون السيطرة عليه، مثل توجيهه بإشارات لفظية وجسدية لتعزيز مهاراته في التنظيم الذاتي.

من جهته، نصح مركز تنمية الطفل في جامعة هارفارد بالمشاركة في الأنشطة التي تعزز اللعب الإبداعي، والتواصل الاجتماعي، وتعليمه كيفية التعامل مع الضغوط، والمشاركة في التمارين الرياضية القوية. ثم توفير فرص لتوجيه تصرفاته مع تقليل التدخل تدريجيًا.

باحثو معهد تنمية الطفل في جامعة مينيسوتا ربطوا بين دعم استقلالية الطفل وتحسن الأعراض، حيث كشفوا عن سلوكيات تربوية مؤثرة، مثل: تقديم المساعدة للطفل وفق مستوى مهاراته، وتشجيعه وإشادته، واحترام وجهة نظره، ومنحه فرصة للتجربة، وتزويده بالخيارات المتاحة والحريات في الاختيار، والسماح له بإنجاز المهمة بالسرعة التي يراها مناسبة، دون التدخل لإكمال المهمة عنه.

نجح باحثو قسم الطب النفسي في جامعة بيتسبرغ، في إلغاء الحاجة للعلاج الدوائي لدى ثلث الأطفال المشاركين في التجربة العلاجية، من خلال تدريب الوالدين لطفل مشتت انتباهيًا على تنظيم عواطفه والتحكم في انتباهه، بجذب انتباهه بانتظام وملاحظة علامات التوتر كصفات للتقليل منها.

ومع ذلك، لاحظ الباحثون أن الرفض والإهمال والقسوة من قبل الوالدينفي السنوات الأولى الثلاث من عمر الصغير، تسببت في صعوبة مزمنة في التركيز وزيادة الحركة. نصح الباحثون الأمهات بالتعبير عن دفء مشاعرهن، ودعمهن للصغير، وتشجيعه عند اتباع سلوك إيجابي.

أعلن والدا الصغير المصاب بأعراض اضطراب فرط الحركة وقلة الانتباه، بمدى الضغط الأكبر من الضغط الذي أبلغ عنه والدي صغير آخر مصاب بالصرع أو طيف التوحد. وأشارت دراسة إسبانية-بريطانية ذلك إلى المشاكل المرافقة للاضطراب، كاضطراب التحدي المعارض وصعوبات التعلم.

لا ينحصر هذا الأثر عند الوالدين، بل أكد باحثون في علم النفس الطبي، بجامعة بيتسبرغ، تأثير اكتئاب الأمهات على انتباه أطفالهن، بتأثير على عوامل متعددة، وتسبب في عدم قدرة الصغار على تنظيم عواطفهم، وظهور عرض البكاء بشكل مفرط والانزعاج المستمر في مرحلة الطفولة، الأمر الذي يجعل علاج نفسي للأمين وتقديم المساعدة ضروريين لسلامة الصغير.

نصح معهد “تشايلد مايند” في دليل الأسرة للتعامل مع الصغار المنتشري الانتباه، بتعليم الصغير تنظيم الذات، بأقل قدر من الصراع، من خلال كتابة قوائم لكل شيء بدءاً من الخروج في زمان معين في الصباح، وحتى أداء الوظائف المنزلية بعد المدرسة، وتنظيم وقت النوم.

ونظرًا لأن الخطوات اللازمة لإكمال المهمة كثيرا ما تكون غير واضحة للصغار الذين يعانون من نقص الانتباه، فإن تحديد تلك الخطوات مسبقًا وتعليقها في مكان بارز يساهم في تسهيل الأمر للصغير في الإنجاز. كما أوصى التقرير بكتابة مخطط للمكافآت عند السلوكيات الإيجابية في المنزل والمدرسة، لتحفيز الصغار الذين يعانون من انشتاق انتباههم على اكتساب مهارات جديدة.

أوضح ماثيو كروجر، مدير مركز التعلم والتطوير التابع لمعهد تشايلد مايند في تقرير المعهد، ضرورة إقناع الصغار أصحاب نقص الانتباه، بالهدف من تعلم كل مهارة، قبل مساعدتهم على تعلمها. لأن الصغار الذين يعانون من صعوبات في الانتباه يتميزون بكونهم عمليين للغاية في تقييم مدى الجهد الذي يبذل أمام النتيجة، ويميلون إلى توجيه طاقتهم نحو الأنشطة التي يثقون بأنها ستجلب العوائد المرجوة، أما إذا لم يروا نتائج، فإنهم يسقطون في حالة من الإحباط ويتراجعون عن المحاولة لاحقًا.