كيف حلت موريتانيا في الصدارة لمرتبة حرية الصحافة في الوطن العربي وإفريقيا؟
احتفلت موريتانيا بتقديرها كأفضل بيئة للعمل الصحفي في إفريقيا والوطن العربي وفقًا لتصنيف منظمة مراسلون بلا حدود، في زمن شهد تراجعًا في حرية الصحافة في العديد من دول العالم، حيث تم تصنيف منطقة الشرق الأوسط والمغرب العربي كأسوأ المناطق لحرية الصحافة متفوقة على منطقة آسيا والمحيط الهادئ وثم إفريقيا.
شهدت موريتانيا تقدمًا كبيرًا حيث ارتقت بـ53 نقطة هذا العام، بعد أن كانت في المرتبة 86 العام الماضي، وفقًا لتقرير منظمة مراسلون بلاتقدم، يفترض العديد من الصحفيين الموريتانيين بأن الدولة شهدت تراجعًا في حرية الصحافة خلال السنوات الأخيرة.
جوانب
أعربت وزارة الثقافة الموريتانية عن سرورها بتقييم الموقف وأشارت في بيان إلى أنه “اعتراف بالتقدم الكبير الذي تم تحقيقه من خلال الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لتعزيز قطاع الصحافة وتمكينه من تأدية دوره ببيئة متسامحة مع حرية العمل والكفاءة”.
آمن نقيب الصحفيين الموريتانيين أحمد طالب ولد المعلوم بأن تصنيف نواكشوط لحرية الصحافة لم يحدث بشكل مفاجئ، بل نتيجة لعدة جوانب، بما في ذلك الجو المنفتح الذي تم تعزيزه من قبل الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني منذ توليه المنصب وتأسيسه لجنة لتطوير قطاع الإعلام، وهو ما ساعد في رصد ومتابعة الصعوبات والتحديات من خلال التشاور مع الخبراء والمهتمين في هذا المجال.
يضيف لموقع الجزيرة نت أن وجود مساحة للحرية ساعدت في هذه التحسنات، حيث يشعر الصحفي في موريتانيا خلال عمله بعدم التهديد بالسجن، “حتى بوسعه كتابة أشياء يُعتبر بعضها في نقابته غير مهني وتجاوز لحدود الحرية وتعدي على الآخرين وعلى الدولة أو الرموز، ومع ذلك لا يُعتقل ولم يُستجوب له”.
في عام 1978، شهدت موريتانيا أول انقلاب في تاريخها تبعه إلغاء الدستور الذي أُقر في عام 1961 ولم تعترف السلطة العسكرية التي تعاقبت على الحكم لفترات طويلة بحرية الصحافة.
وإذا كانت سنة 1988 بداية الفعلية للصحافة المستقلة في موريتانيا، فإن حرية الصحافة بقيت محدودة في البلاد، حيث كانت تتدخل فيها الصحف والمجلات وتتلفق الحجج لضغط على الصحفيين لحين إلغاء حق القبض والسجن للصحفي بسبب المنشورات، في الفترة الانتقالية 2005-2007.
لذلك، يرى نقيب الصحفيين أن هذا التصنيف حصل نتيجة لجهود طويلة للنقابات والمُشاركين في هذا المجال، ويوضح أن النقابة كانت دائمًا تدعو الجهات المعنية إلى تعزيز الحرية وتسهيل إمكانية الصحفيين في الوصول إلى المعلومات ومصادر الأخبار.
تمنع القوانين الموريتانية بشكل قاطع احتجاز أي صحفي يمارس حقه في النشر، وحسب النقيب، قد يتعرض صحفي لشكوى من مواطن وهذا أمر طبيعي، “لكن حتى الآن لم يُسجن أي صحفي في البلاد بسبب نشره خبرًا معينًا بغض النظر عن مضمونه”.
تحديات قانونية
وتؤكد منظمة مراسلون بلا حدود في تقريرها أن موريتانيا، منذ إلغاء تجريم الانتهاكات الصحفية بها في عام 2011، أصبح بإمكان الصحفيين العمل في بيئة أقل قمعًا، على الرغم من أنهم يواجهون هشاشة كبيرة.
على الرغم من النقاط الإيجابية التي سجلتها التقرير لموريتانيا، إلا أنه رأى أن “قانون الرموز 2021” في البلاد قد يمثل عقبة أمام الصحفيين، بسبب بعض البنود التي قد يتم تفسيرها بشكل يقيد حرية التعبير عند تناول بعض المواضيع والشخصيات.
وفقًا للصحفي أسند محمد سيدي رئيس نقابة متعاوني الإعلام العام وعضو نقابة الصحفيين، فإن تصنيف مراسلون بلا حدود لموريتانيا بخصوص حرية الإعلام “مبني على أسس خاطئة”، واتهم المشاركين في الاستبيان بتزويد بمعلومات “مضللة”.
أوضح أسند للجزيرة نت أن السنوات الأخيرة شهدت تراجعًا مأساويًا ومقلقًا في حرية الصحافة، حيث تم تمرير قانون الرموز القمعي، مضيفًا أن هناك قيودًا صارمة في موريتانيا تمنع الصحفيين من كشف الحقائق خوفًا من الاعتقال أو الاختفاء أو الفصل، بحسب قوله.
وذكر أنهم يواجهون الكثير من الحوادث المشابهة التي تتعرض لها الصحفيون ورؤساء المواقع الإعلامية نتيجة لشكاوى من وزراء ومسؤولين غير معروفين من الحكومة، حيث يتم استدعاؤهم للشرطة أو الجيش للتحقيق معهم.
ويرى النقيب أن قانون الرموز يحتوي على بعض النقاط التي قد تصبح قيدًا لحرية الصحفيين في المستقبل، ولكن حتى الآن لم يؤثر على مناخ حرية الصحافة.
تحديات صعبة
تواجه الصحافة الخاصة تحديات في الحصول على المعلومات، ويعتبر أسند أن الصحفين يواجهون صعوبة في متابعة الأحداث والوصول إلى المعلومات بسبب القيود المفروضة عليهم، ويشير إلى الوضع الصعب في المناطق الحدودية وصعوبة تغطية الأخبار بسبب العقبات التي تواجهها.
يرجع نقيب الصحفيين هذه الصعوبات إلى “الظروف القاسية التي تواجه المهنة في موريتانيا”، وبالتالي، بعض المسؤولين يترددون في تقديم المعلومات لمن لا يحق لهم الحصول عليها.
ويشدد النقيب على أهمية أن يحصل الصحفي على المعلومات اللازمة له، لتجنب انتشار الأخبار الكاذبة والشائعات التي قد تؤدي إلى تقويض الأمن والاستقرار.
وعلى الرغم من تعهد الحكومة بتحسين بيئة عمل الصحفيين، إلا أن الواقع لا يزال مأساوياً ومعقداً، حيث تعاني وسائل الإعلام المستقلة من قلة الدعم المالي بعد حظر الإعلانات الحكومية، بموجب توجيهات النظام السابق.
ويعد صندوق الدولة لدعم الصحفيين المورد الوحيد المتبقي للصحافة الخاصة، ويعد نقيب الصحفيين أن توفير التمويل للصحافة الخاصة يعتبر حلاً ضرورياً لتحسين الوضع.
ويؤكد أن الوضعية الحالية تسببت في انخفاض واضح في الصحافة المكتوبة، نتيجة مشاكل متعددة تشمل تكاليف الإيجارات والرواتب وتوزيع الصحف.
وتتجاوز الصعوبات هذه في مجال الإعلام إلى العاملين في الإعلام العمومي، حيث يعمل معظمهم برواتب زهيدة وبدون عقود توفر حقوقهم.