تحقيق قطري حول عبء الأمراض الجينية النادرة في منطقة الشرق الأوسط
وجاءت هذه المبادرة من خلال دراسة نُشرت في مجلة “جينوم ميديسين”، حيث استخدمت بيانات تسلسل الجينوم لأكثر من 6 آلاف فرد متوفرة في البنك الحيوي القطري، لتحديد المتغيرات الجينية المسببة للأمراض الجينية النادرة، وقال الباحثون إن هذا “سيكون مهمًا لفهم أسئلة مماثلة لملايين الأشخاص داخل المنطقة وخارجها”.
يقول الدكتور “يونس مكراب”، مدير أبحاث الطب السكاني والجينومي في “مؤسسة قطر للطب” وقائد الدراسة المشارك، في حديث مع الجزيرة نت: “حمض الدنا في الإنسان يحمل.”
جدول الشوائب الجينية
بناءً على تصنيف الجينات الذي أظهرته تلك الدراسة، يوضح الدكتور مكراب بأننا “في أحدث البحوث، عملنا على إعداد فهرس شامل للشوائب المرضية المصنفة حسب كل جين، مما يجعل النتائج ذات دلالة لملايين الأفراد في المنطقة وما وراءها”.
كان من بين النتائج الرئيسية في الدراسة تحديد مجموعة من الشوائب الجينية المرتبطة بأمراض اضطرابات النمو التي تظهر في المراحل الأولى، وحتى قبل الولادة، بالإضافة إلى تحديد الشوائب المسؤولة عن بعض الأمراض الأيضية (التمثيل الغذائي)، وهذا ما سيؤدي في المستقبل إلى توفير علاجات أكثر فاعلية لتلك الأمراض.
يشير الدكتور مكراب إلى أن “علاج الأمراض الأيضية عادةً ما يكون أسهل نسبيًا من خلال توفير المكملات الغذائية التي تعالج نقص بعض الأحماض الأمينية، ولكن علاج الاضطرابات الأخرى يتطلب تدخلات علاجية أكثر تعقيدًا، بما في ذلك العلاج الجيني”.
تتضمن تقنية “العلاج الجيني” إدخال نسخة سليمة من الجين إلى الخلايا لتحل محل الجين الخاطئ أو المفقود، ويمكن تنفيذ هذه الخطوة عن طريق فيروس غير ضار لتسليم الجين إلى الخلايا، أو من خلال وسائل أخرى مثل الجسيمات النانوية.
تعزيز الركب نحو الطب الشخصي
يندرج هذا العلاج ضمن المبادئ المعروفة بـ “الطب الفردي”، والمعروف أيضًا باسم العلاج الدقيق أو الطب الشخصي، الذي لا يمكن تطبيقه بدون إتاحة المعلومات الجينية التي يقدمها جدول الشوائب المرضية الذي أعده البحث.
يوضح الدكتور مكراب أن “الطب الفردي يتيح تخصيص العلاج الطبي والتدخلات وفقًا للخصائص الشخصية لكل مريض بدلًا من اتباع نهج شامل يناسب الجميع، ويأخذ في الاعتبار عناصر مثل الشوائب الجينية التي قد تؤثر في استجابة الشخص لتحديد أدوية معينة أو مخاطر الإصابة بأمراض محددة”.
ويضيف أنه “مثلا، في حالة مرض الصرع، هناك علاجات شائعة تستهدف قناة الصوديوم التي قد تتغير وظيفتها بسبب شوائب معينة، ومع ذلك، ليس هذا هو السبب الوحيد، فشوائب في جينات أخرى غير قنوات الصوديوم قد تكون سببًا للمرض مثل قنوات البوتاسيوم والكالسيوم، ويمكن أيضًا للجينات المشاركة في نقل الاتصالات وتطوير الخلايا العصبية أن تسهم في ظهور الصرع، وبالتالي، فإن علاج كل مريض يختلف من حالة إلى أخرى استنادًا إلى نوع الشوائب، وهذه قيمة المعلومات التي توفرها مثل هذه الدراسات”.
اختبارات قبل الزواج
وبالرغم من أن زواج الأقارب يعتبر دائمًا من أهم أسباب حدوث شوائب جينية مؤدية إلى الأمراض الوراثية، فإن نتائج البحث تظهر أن التقارب الجيني بين مجموعات السكان في المنطقة يجعل فرص حدوث الشوائب أكثر وضوحًا،حتى لو لم تكن هناك علاقة قرابة بين الزوجين.
يرى الدكتور مكراب بأن “الشرق الأوسط شهد هجرات وأساليب حياة خاصة خلال العصور التاريخية، مما تسبب في تشكيلات إنسانية منعزلة من حيث التناسل، مما يزيد من احتمالية التقاء طفرات جينية مرضية حتى في حال عدم وجود صلة قرابة بين الزوجين”.
ويضيف: “من هنا، تكمن الأهمية الكبيرة لفحوصات ما قبل الزواج التي تثبت خلو الزوجين من أي طفرات ممكنة لنقل الأمراض إلى الأجيال القادمة؛ وهي ضرورية للعديد من الثقافات والمجتمعات وليس فقط عندما تكون العلاقة غير قرابة”.
يعود الدكتور مكراب إلى قائمة الطفرات الجينية المقدمة في الدراسة، مؤكدا أن “هذه القائمة ستكون مرجعية هامة للاكتشافات الجينية التي إذا ثبتت وجودها عند الزوجين، فإن ذلك قد يؤدي إلى ظهور الأمراض لدي الأجيال اللاحقة”.
معاناة 5.9% من سكان العالم
ويشدد الدكتور “خالد فخرو” رئيس فرع الأبحاث في سدرة للطب على دور الدراسة في توضيح هيكل الأمراض الجينية بشكل شامل.
ويشير في بيان نُشِر على موقع “سدرة للطب”: “تؤثر الأمراض النادرة مجمعة على نسبة تصل إلى 5.9% من سكان العالم، ومع زيادة معدلات الإصابة بهذه الأمراض بين سكان شمال أفريقيا والشرق الأوسط ودول الخليج، فإن دراساتنا تساهم في فهم الجينات المسببة لهذه الحالات، مما يعزز عمليات التشخيص المبكر ويفتح الباب لاستكشاف علاجات مُخصصة في المستقبل”.
ويضيف أن “تأثير هذه الدراسة يتعدى حدود قطر، إذ تقدم رؤى عن الأمراض الوراثية النادرة في دول الخليج التي تشترك في الأصل الجيني مع سكان المنطقة”.