بناء الأرض.. “المبادئ الإسلامية وتأثيرها على السلامة الاجتماعية”
ويستعرض الكتاب في الفصل الأول الإطاريدور الكتاب حول النظرية والمصطلحات، مع التركيز على أسباب وجودية موضوع “الاستقصاء”، إذ يُعتبر الأمان أساس الوحدات السيادية، ومفتاح الحيوية للتجمعات، وركيزة الاستقرار الأساسية والمضمون الضروري للتقدم الشامل والمُستدام. يناقش الكاتب تصنيف “الأمان الاجتماعي من زاوية قيمية” كمدخلٍ لم يُولى الاهتمام الكافي في استقصاءات وبحوث سابقة، ما يُعزز أهمية المسألة، خاصة في ظل الفوضى الأمانية التي تجتاح المشهد العربي والإسلامي. ويقوم في الفصل الثاني من الكتاب بتحليل مواضيع القيم وتأثيراتها العميقة على التجمعات.
بينما يُناول الكاتب في الفصل الثالث أهمية الأمان الاجتماعي وأثره على المجتمع، ودوره في القيم “الأساسية”، ويستكشف الكتاب تعقيد مفهوم الأمان بشمولية، حيث يعد عنصراً حيويًا لحضارة الأمم ويسلط الضوء على حساسية التصوّر والاختلافات والتناقضات التي يتضمنها، والفرق بين الحقيقة والإحساس في سياق الأمان وتعامله مع موضوعات اجتماعية أخرى ومختلفة، حيث يشمل مفهوم الأمان تصنيفات مُتعددة منها الوطني والسياسي والغذائي والاقتصادي والذهني والنفسي، ليسلط الضوء على أهمية الأمان بطريقة عامة ومخاطر خسارته، مُسلطًا الضوء على الأمان الاجتماعي بطريقة محددة “وعلى القيم كونها بوابة الدفاع لأمان المجتمع ومركز التوازن للوطن والمستجد السابق للأفراد والعائلات في ظل ضعف النظام السيادي والعودة لقانون الغابة”.
الشعائر الاجتماعية
إذا كان الأمان الاجتماعي يُشكّل “المحور الأساسي”، فإن القيم تُعتبر “نقطة التماس” التي يعتمد عليها تنظيم المجتمع وضمان الاطمئنان، فالنظام القيمي يشبه وظيفة المادة الإسمنتية في صيانة هيكل المجتمعات وضمان تماسكه وثباته وتواصله.
يصل الباحث في الفصل الرابع من الكتاب، ليتطرق للشعائر الإسلامية وطبيعتها ومميزاتها وخصائصها وتأثيرها على الأمان الاجتماعي، وفي ظل ما يواجهه تجمعاتنا العربية والإسلامية من نقص للأمان عموماً وللأمان الاجتماعي خاصة، وفي زمن تزايد الاعتداءات الناعمة والعنيفة، وفي ظل التعرض المتكرر الذي يُتعرض له الإسلام من هجمات عدائية أو تعاطفية بدافع التآمر أو الجهل وتحت تأثير الاحتلال الذهني والتدمير الثقافي والأخلاقي.
يركز الكتاب على “قدرة الشعائر الإسلامية في تحقيق الأمان الاجتماعي” “والعدالة الاجتماعية”، “وبناء الإنسان النزيه”، وكيف أن الإسلام رأى في “القيم” أساس الأمان -مجرد الأمان- من دون إغفال بقية الزوايا. وكيف أنه اهتم بمفهوم الأمان بعناية وجعله مكافأة للمؤمنين نظير إيمانهم وأعمالهم الصالحة ومؤشرًا على بلوغ الإسلام لهدفه.
يبحث الكتاب “فعالية الشعائر الإسلامية كخط دفاع أولي” في مواجهة المعوقات والكفيلة بتحقيق الأمان الاجتماعي واستمراريته، إذ تمتلكها القدرة الوحيدة على العبور بين القوميات والطبقات بوصفها شاملة وشاملة وعملية، تعتبر مبادرة فكرية، متوافقة مع الطبيعة وتفهم الاختلاف بين البشر.
منظومة الشعائر الإسلامية هي قيم إنسانية في المقام الأول وتُمثّلها في أي شخص يجعله إنسانًا نزيهًا بحد أدنى، تأسس التوازن للدولة مع المجتمع والأفراد وأوجد تنسيقًا بين السياسة والاقتصاد وحافظ على الصالح العام دون المساس بالصالح الخاص، وحفظ على توازن القوى داخل الدولة والتكامل داخل المجتمع، وهي الممر الضروري لأي تغيير سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي، وقاعدة لأي تطور والمحفز الحقيقي لكل انطلاقة، إنها نظام متكامل من الأنسجة، حيث تنسج العبادات والروحيات مع القوانين والعادات، يعزز الوعظ والإرشاد والإصلاح الفضيلة، وشارك في هذه العملية فرد واسرة مع مجتمع ودولة مكمّلين للمؤسسات والنخب، تمتلك القدرة الوحيدة على المحافظة على توازن القوى داخل الدولة والمجتمع مما يضمن المنافسة على أساس تفوق إنتاجي والربح للجميع، كما أنها تستطيع إنشاء التعاون والتكامل لتوليد الفوائد العليا.
الصعوبات
في فصله الخامس، يبحث الكتاب في التحديات التي تواجه الشعائر الإسلامية في مجتمعاتنا، والسبل لمواجهتها، ومخاطر ما يُعاني منه لفتات وتجزئة للوطن العربي ودول إسلامية محددة، ومحاولات انتصار حضارات خارجية، والتخفي للهوية الثقافية للأمة من خلال البعثات التعليمية وحملات الترويج للقيم الغربية، وإثارة للخلاف والتفرقة داخل التعايشات لخدمة أجندات غربية عبر سيطرة إعلامية وإقامة إمبراطوريات إعلامية ضخمة تأيد هذه الاتجاهات، وتسلل إلى تلك المجتمعات من خلال تنظيمات المجتمع المدني الذي تحوّل إلى جسر للاختراق للشعوب وإشعال الخلاف والتنازع، وابتداع تيارات فكرية تنطوي على أفكار ونُزعات تتعارض مع القيم الإسلامية أو حتى الإنسانية، كموضوعالإنثى والأُسرة وغيرهم كثيرون، بإستخدام بعض المُثقفين المُتميزين، تمكنوا من التسلل لكل منزل، ولكل فرد بشكل فردي عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي.
تعود سبب هذه الهجمات المتواصلة إلى معرفة الغرب الغني بالإِمكانيات التي تتمتع بها الأمة الإسلامية، فالإسلام في جوهره دين حِكمة وجَمع وعَمل وتصدِّي في هذه الحياة، ويمتاز برَبط قلوب أفراده وضُمائرهم بالعُقدة الوثنية التي لا تُقطَع ولا تُهتز من عُقدة الإيمان ومعرفتهم بقوة النظرية الإسلامية وإمكانية تطبيقها بحُكم الحُصول في القرون الماضية.
هذه المُخاطر وأُخرى، وضعت “الأمة الإسلامية ومَجتمعنا الحضاري” أمام تحديات كبيرة ويتوجب إيجاد مَخرج يحفظ لهذه الأمة أمانها ويُعيد إليها وَحدتها وازدهارها.
لذلك أشار الكتاب إلى ضَرورة تأسيس خُطة لإصلاح مُجتمعاتنا الإسلامية والنهوض بها وإحياء حَضاراتها بطريقة تَسخير الدافع النفسي لإحياء الأمة، فنحن أمّة نمتلك أًثبت دين، وأحسن موقع جغرافي، ونَمتلك من المَوارد ما يُجعلنا في مُقدمة الأمم، ويَتنبغ علينا إِعادة الأصالة لسلوكيات أفراد المجتمع.
ما نَراه اليوم في مُجتمعاتنا ليس إلا سلوكًا مِختلطًا، وخَليطًا من السُلوكيات الغربية والشرقية والمحَلية، وهذا لا يُتحقق إلا عن طريق “العودة لقيمنا الإسلامية الأصيلة”، وإعادة بِناء ثُقافتنا المُجتمعية الإسلامية. فضعف الإنتاج هُنا هو ما دَفعنا إلى الاستيراد مِن الثُقافات الغربية وأُخرى، لذا يَنبغي إِعادة إِحياء الهُدف في الأُمة وهو بِناء الأرض، ونَفض الغبار عن هُويتنا كمُسلمين لاستعادة أَمجادنا ومواجهة المُشاريع الاستِعمارية والتصدي للحروب العبثية والعُدوانية على مَنطقتنا بأشكالها المُختلفة.
“مخاطر النظريات المأتورة”
ويُلخَّص الكتاب في فَصله الأخير، بعض مُخاطر النظريات الفَائدية والبَراغماتية على مُجتمعاتنا العربية والإسلامية، وما سببته من حروب وصِراعات والبُؤس والدمار الذي تَركته، ويُسلِط الضوء في مساحة مِن المُقارنة على مَدى نجاح القيم الإسلامية في حل مُشاكل المُجتمعات وتحقيق أَمنها ومدى قدرتها على الاستِمرارية والديمومة، مُقابل قُصور “القيم” في المُذاهب الوضعية في تحقيق الأمن الاجتماعي، وكيف أن كُل طبقة اختارت نظرية تلبي حاجاتها أو طَموحاتها بمُعزل عن الآخر، فكُل “نظرية وضعية” هي وَليدة المشاكل التي عاصرتها، وفي الغالب إن هذه النظريات تَعتمد على العقل، ومن المعترف أن عُقول البشر تَتَفاوت وزوايا نظرهم للأمور تُختلف، وغالبًا ما تَكون مُتناقِضة ومُتباينة لأنها غير مُتفقة على جِذر أخلاقي واحد.
وحاولت القوى العالمية فَرض منظومتها القيمية مثل المنظومة الاشتراكية والرأسمالية على الآخر، لعِلمها بأن قوة النظرية في شَموليتها، فَفشلت، لكن النظرية القيمية الإسلامية بشَموليتها وعالميتها هي التي تم تَجربتها سابقًا، ونجحت، وعندما تخلت المنطقة العربية والإسلامية عن هذه المنظومة القيمية واستَبدلتها “بنظريات وضعية” تَضررت بشكل جذري في أَمانها المجتمعي.
ويُبين الكتاب من خلال تناوله لأهم “المنظومات القيمية غير الإسلامية” أنه لا وجود لمنظومة قيمية متناسقة ومتكاملة وقادرة على هَضم التباينات العرقية واستعاب الفُوارق الطبقية والفجوات الثقافية والحضارية كما تُفعل منظومة القيم الإسلامية، بل لا وجود لمنظومة قيمية تُضاهي القيم الإسلامية في قوة الإلزام ومنطقية المطالب وواقعية التكليف والانسجام مع فِطرة الإنسان، فهي تَترسخ في أَعماق المسلم وتُحكم تَصرفاته في السِر والعلن وتُشعر الفرد بالمسؤولية الطوعية وتكون جِهاز رقابي ذاتي يُلزم الفرد فعل الصواب وتجنب الخطأ، منظومة قيمية يتساوى فيها الغني مع الفَقير والقوي مع الضعيف والحاكم مع المحكوم، ويعْطي فيها القادر للمحتاج دون منّ أو أَذى. قيم تُحفظ الحياة والنسل والمال والعقل وتُصون الكرامة والحقوق.
ولم تَستطع أي منظومة قيمية أخرى أن تَجمع بين التعاليم الدينية والعِرف الاجتماعي والقوانين السياسية والأخلاق الفردية كما تُفعل منظومة القيم الإسلامية. فمن الناحية السيولوجية ما يهم في “النظرية” ليس المتانة أو الفصاحة والبلاغة، إنما ما يهم هو إمكانية التطبيق والتجسيد في الواقع العملي.
لقد أظهر الكتاب أن الأمة لم تفرط بمُقدراتها الاقتصادية وعُقول أبنائها وبتاريخها الحضاري وموقعها الريادي إلا بعد ما فرّطت بقيمها التي تُعتبر أهم الكنوز التي وَرثناها من ديننا ومن تراثنا الفكري، وأن إعادة منظومة القيم الإسلامية للحياة هو السبيل الوحيد “للإقلاع الحضاري” وهو “الضامن لوحدة الأمة” و”الأداة الأقوى لتبريد خلافاتها وتضميد جراحها ولملمة شتاتها”.