“أربعة الآف سنة من التعليم والإرشاد”.. فلسطين إرث تثقيفي وتوجيهي جارف في التاريخ

Photo of author

By العربية الآن



“أربعة الآف سنة من التعليم والإرشاد”.. فلسطين إرث تثقيفي وتوجيهي جارف في التاريخ

صورة غلاف للكتاب
الكتاب الذي صدر حديثاً للأكاديمي والمؤرخ الفلسطيني البريطاني نور مصالحة “فلسطين أربعة الآف سنة من التعليم والإرشاد” من إصدار مركز دراسات الوحدة العربية- بترجمة فكتور سحاب (الجزيرة)
متّجهًا نحو الرد على سردية صهيونية تزعم أن “فلسطين المُحتلة وشعبها كانوا لقرون فقط شعبًا أميًا لا يملكون القدرة على القراءة والكتابة ويفتقرون للثقافة الأدبية”، يستعرض الأكاديمي والمؤرخ الفلسطيني البريطاني نور مصالحة (من مواليد الجليل 1957) في كتابه “فلسطين أربعة الآف سنة من التعليم والإرشاد” تاريخ تطوير القراءة والثقافة فيها على مدى العصور الطويلة، بغيةتلك الادعاءات.

ويقدم تأريخيّ النص الذي صدر حديثًا عن مركز البحوث في الوحدة العربية بشكل جديد لمقولة “فلسطين أرضٌ مُقدسة للأديان” ويصاغ بأن “العِلم والبحث الفلسطينيّ متأصّلان في الماضي البعيد”.

هذا التراث العريق والتاريخي سبق ظهور الوطنية الفلسطينية الحديثة واستقرار المُستَوطنة الأوروبية الصهيونية قبل الحرب العالمية الأولى.

الكتاب يأتي ضمن مشروع ثقافي وكتابي يُعمل عليه للتصالح من خلال البحث في تاريخ فلسطين، وسبق له الانتهاء من كتاب “فلسطين: أربعة آلاف سنة من التاريخ” وتاريخ النكبة الفلسطينية الشفوي ومؤلفات أخرى.

تاريخ طويل

يروي صاحب كتاب “الكارثة في الذاكرة” أن تاريخ فلسطين وتراثها الثقافي يتأصّلان ليس فقط في الحقبة الحديثة بل أيضًا في التاريخ القديم.

في مُقدمته، يُشير إلى أهميّة غزة في مجال التعليم والثقافة الفلسطينية منذ القِدم، ولاسيما في العهد البيزنطي، حيث كانت اللّغة اليونانية هي اللغة السائدة في الأدب والتعليم، وكانت غزة تضم أهم مدرسة في العالم لبلاغة هذه اللغة، حيث عُلّم فيها فن إلمام غير متفوق بالخطاب المُنطوي على المنطق الفلسفي والقانوني.

ويذكر الكاتب أن أهم الاكتشافات لنصوص البردي وأقراصه جُرت في فلسطين، حيث كتبت مجموعة مهمة من نصوص اللغات الهيلينية والتوراتية، وتعتبر اللغة اليونانية حتى بداية العهد البيزنطي.

كما يُبيّن الكاتب أن الدلائل الأثرية تشير إلى استخدام واسع للاقراص الطينية في فلسطين لتعليم القراءة والكتابة في القرن الخامس عشر وبدايات القرن الرابع عشر قبل الميلاد.

وُجِدت هذه الدلائل الأثرية بالقُرب من نابلس وفي مراكز حضرية مهمة في فلسطين، بما فيها العريحا القديمة التي شهدت أطول استيطان إنساني في الشرق الأدنى.

يتطرُق الكاتب في رحلته الضخمة للتصالح إلى قرون طويلة تتجذّر فيها التعليم والكتابة في فلسطين، ومنها مدارس الكتابة في فلسطين القديمة والكتابة القرطاسيّة بها، والمدن التعليمية والتحولات الفكريّة في فلسطين في الحقبة البيزنطية والتعليم العالي من الإسكندرية إلى قيصرية وغزة، كما يوضح التاريخ الثقافي والتعليمي فيها عبر العصور ننقل إلى ما بعد احتلالها والفترة اللاحقة للنكبة.

كما يُبرز الكاتب الدور الذي لعبته إسرائيل في تدمير التراث الثقافي الفلسطيني واستيلاءً على المخطوطات القديمة والمكتبات ونهبها.

شخصيات تعليمية

وحول تأريخ الفترة قبل احتلالها، يذكر صاحب كتاب “لاهوت التحرير في فلسطين” فصيلا عن التعليم الفلسطيني في فترة الانتداب (1918-1948) والدور الذي لعبته الكلية العربية الحكومية ورائدو التعليم في ذلك الزمن مثل خليل السكاكيني وخليل طوطح وأحمد سامح الخالدي في خلق نهضة تعليمية في فلسطين تزخر بآثارها حتى اليوم.

يُعتقد الكاتب أن الممارسات التعليمية المُبكرة قد ساهمت بشكل كبير في بناء الهُوية الفلسطينية الحديثة ابتداءً من نهايات القرن التاسع عشر، حيث كانت الممارسات التربوية الجذرية والمبتكرة واضحة في منهج النهضة الذي قاده خليل السكاكيني المشروع التربوي المتقدم.

وبيّن أن السكاكيني ساهم في إنشاء وتأسيس المدارس الحديثة في القدس وأصبح له تأثير كبير في النصف الأول من القرن العشرين، وكان نتيجة النهضة العربية والثقافية في عصر الانتفاضة الفكرية التي شهدتها البلاد العربية الشرقية في أواخر الحقبة العثمانية، وهي ثورة تجسدها الصحوة المحلية والإقليمية بالتوازي مع التفكيريات والتقنيات المُتقاطعة للثقافات والفئات القومية.

بدأت الثورة التربوية والمدرسية في فلسطين، حسب الكاتب، في ستينيات وسبعينيات القرن التاسع عشر واستمرت حتى نهاية فترة الانتداب وانتهت بشكل مأساوي بالنكبة الفلسطينية في عام 1948.

وكان السكاكيني رئيسًا لأول معهد لتدريب المُعلّمين في المستوى الابتدائي العربي عام 1919-1920، الذي أصبح فيما بعد معروفًا بالكلية العربية الحكومية، وكانت قيادته المؤثرة في النصف الأول من القرن العشرين، واستئنافا لعصر النهضة الذي شهدته المنطقة العربية في أواخر حقبة العثمانيين. وكانت هذه الثورة تُعتبر حالة من الصحوة المحلية والإقليمية بتعاون فكري وتكنولوجي متعدد الجنسيات والثقافات.

وبدأ التغيير التربوي والتعليمي في فلسطين، حسب الكاتب، في ستينيات القرن التاسع عشر وسبعيناته واستمر حتى نهاية فترة الانتداب وذلك بحسب الذي أنه بهائيبجون عام 1948.

كان السكاكيني عام 1919 و 1920 رئيسًا لأول معهد لتدريب المعلمين في المستوى الابتدائي العرب، الذي عُرِفَ لاحقًا باسم الكلية العربية الحكومية، وكانت هذه المعهد الأكثر شهرة لتدريب المعلمين في فلسطين خلال حكومة الانتداب، ومن ثم تسلم منصب رئيس النهضة بعد ذلك، وكانت هذه النهضة عبارة عن إحدى أهم المعاهد العربية في فلسطين قبل عام 1948، وقد اسسها في أواخر الثلاثينيات في القدس.
بالنسبة إلى خليل طوطح، فقد لعب دورا كبيرا في مجال التعليم في فلسطين، وكان شخصا نشيطا في كتابة المقالات والمؤلفات ودُعي بتحقيق التعليم الانتقادي، وكان مُعظم ما نُشر وكُتب باللغة الإنجليزية وألّف باللغة العربية “تاريخ فلسطين” والجغرافيا الفلسطينية.

ويُشير الكاتب إلى أنه بعد وفاة السكاكيني،طائر الطوطح كان المربي البارز الفلسطيني أحمد سامح الخالدي، كان موهوبًا بشكل كبير وأثر بشكل كبير في عصره. بالإضافة إلى دوره كمربٍ، كان كاتبًا وناشطًا اجتماعيًا، وكان أيضًا على رأس الكلية العربية.

ويُذكر أن الخالدي مثل السكاكيني وطوطح وعدد كبير من أساتذة الكلية العربية الحكومية قاموا بدور في النضال الوطني الفلسطيني. اهتم الخالدي بدوره كمصلح اجتماعي، حيث كان من بين رعاة الأيتام، وأسس اللجنة العامة للأيتام العرب ورأسها في عام 1939. عملت هذه اللجنة على إنشاء مدارس لضحايا الثورات في فلسطين مع ميتم ومدرسة زراعية نموذجية ومزرعة لأبناء الشهداء في قرية دير عمرو بالقرب من القدس، وكانت هذه المزرعة هي الأولى من نوعها في فلسطين.

وحصل خريجون فلسطينيون من الكلية على شهرة واسعة كأكاديميين ومفكرين وشخوص عامة وموظفين كبار في الأمم المتحدة، بمن فيهم حيدر عبد الشافي من غزة والناقد الشهير إحسان عباس والمؤرخ نقولا زيادة وإسماعيل راغب الخالدي الذي كان من كبار موظفي الأمم المتحدة.

الكاتب والمترجم الفلسطيني الراحل جبرا إبراهيم جبرا (1919-1994)، الذي حصل على منحة لدراسة الأدب الإنجليزي في إنجلترا بعد تخرجه من الكلية العربية الحكومية.

يُعتبر كتاب “بلادنا فلسطين” للكاتب مصطفى الدباغ من أهم المراجع التي تُلقي الضوء على الثورة التربوية والتعليمية الفلسطينية الحديثة في فترة الانتداب البريطاني.

ويُذكر أن الخميس والناقدين البارزين مثل عارف العارف ومحمد عيسى النشاشيبي وعادل زعيتر قد أثروا بشكل كبير في زمن الانتداب.

الفترة بعد النكبة

تمثل النكبة والشتات الفلسطيني عام 1948 مفترق طرق في تاريخ فلسطين وشعبها، حيث تم تدمير حوالي 500 قرية ومدينة قديمة وتهجير سكانها. ساهم إنشاء وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في توفير التعليم لأبناء اللاجئين الفلسطينيين في عدة مناطق.

في السنوات التي تلت النكبة، برز اللاجئ الفلسطيني في الشتات ككاتب وأكاديمي وفكري، وامتلأت المدارس والجامعات في دول الخليج العربية بمعلمين وأكاديميين فلسطينيين. برأي مصادلة، ساهم الأكاديميون الفلسطينيون بشكل كبير في تطوير التعليم في الأردن ولبنان ودول الخليج.

سرقة المكتبات

خلال النكبة عام 1948، تم سرقة مكتبات ومجموعات أرشيفية فلسطينية بشكل منهجي من قبل إسرائيل. أنشأ الجيش الإسرائيلي وحدة خاصة لسرقة الكتب والمخطوطات من البيوت الفلسطينية ونهب الآلاف من المجموعات الأرشيفية والمخطوطات والكتب. وتمت إيداع الكتب المسروقة في مكتبة الجامعة العبرية في القدس.

من بين المكتبات التي تم سرقتها، مكتبة الكاتب خليل بيدس في القدس والتي كانت معروفة بتحفها ومخطوطاتها النادرة. توفي بيدس في لبنان بعد النكبة عام 1949.

المصدر : الجزيرة



أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.