تفصيل العبادة عن البناء
وإذا كان البعض منا يعلم تأثير العبادة في تنشئة ابنه وضرورتها في البناء، لكان قد تقدم في العمل بها. ففي وسط التشتت المعرفي وتشبُّك المفاهيم والتداخل بينها، يبسط العبادة على المربي عبء البحث عن مرجع ثابت وقوي،أجد نفسي بعد كل اختلاف أبحث في المبادئ التعليمية وأدرس في المراكز التربوية العربية والغربية، لأصل أخيرًا إلى أن هذا الاختلاف قد انتهى وله أصل وفصل في ديننا المقدس سواء تم ذكره في آية قرآنية أو حديث نبوي أو سيرة النبي صلى الله عليه وسلم.
العنف ليس بوسيلة تربوية مقبولة وفقًا للمعايير الإسلامية، وفي زمن ضياع الهوية وتشتت جيل الشبكات الاجتماعية في البحث عن هويته يأتي الإسلام ليجمعنا على انتماء واحد يحقق رغباتنا الروحية ويعزز اعتزازنا بثقافتنا وانتمائنا لأشخاص يتماهون معنا
وقضوا وقتا طويلا في تفكير إذا كانت العقاب بالعنف أكثر تأثيرا وفائدة على تكوين شخصية الطفل ليكبر متحديًا قويًا ملتزمًا منضبطًا أم العكس، حتى وجدوا في صحيح مسلم حديث عائشة – رضي الله عنها – قالت: ما جاء رسول الله ﷺ بإيذاء أحد بيده، سواء كان رجلا أو امرأة أو خادما، إلا في سبيل الله.
أدركوا أن العنف ليس وسيلة تربوية مقبولة وفقًا للمعايير الإسلامية، وفي زمن ضياع الهوية وتشتت جيل الشبكات الاجتماعية في البحث عن هويته يأتي الإسلام ليجمعنا على انتماء واحد يحقق رغباتنا الروحية ويعزز اعتزازنا بثقافتنا وانتمائنا لأشخاص يتماهون معنا، ويقومون بما نقوم به، ويدعون بما ندعو إليه، ويؤمنون بالله وحده ولديهم نفس مبادئنا وقيمنا.
أما الأمان، غاية المظلومين في بلادنا الإسلامية، فلا طريق للعثور عليه إلا بالإيمان بالله القريب المستجيب، متأكدين معه أن البلاء مهما طال فإن حقه محفوظ والعدل لا بد أن يتم وعند الله تتلاقى المنافسات، ومع الله يأتي أمان الطفل الخائف وأسرته وأمله بالخلاص ورضاه بما حل ويُحل، لذا فأمر المؤمن كله خير، ينمو راضيًا متفهمًا ومتأقلمًا ومتحملًا لكل آلام الحياة ومصاعبها عارفًا بأنها محطة نهايتها ذاخر المؤمن.
كنت قبل بضع سنوات أتجنب الحديث عن النار مع الصغار تمنيًا بالبدء بشكل محبب لدخول الدين، لكن زاد وعيي بأهمية النار والجحيم والعقاب حتى وجدتها أمانًا للمخافين من الظلمة الطغاة، لذلك بدأت أخبر الطفل في بلاد النزاعات: هل تخاف حقًا منهم وهناك نارٌ تنتظرهم أعدها الله خصيصًا لمن يضر عباده الصالحين؟ هل تخاف حقًا والله يعد لهم من أنواع العذاب ما لا يطاقه البشر؟ فيبتسم ويفرح وبقبضته الصغيرة، ويشير الله أقوى منهم وأكبر، سيحرقهم جميعًا وستنتصر.
غالبًا ما يفترض الأهل أن بداية تعليم الدين تبدأ مع بداية كلام الطفل وخطابه عندهم، ويرددون له اسم الله ويعلمونه آيات من كتابه، وهذه خطوات لطيفة ولكنها ليست الأهم.
أما ذكر الجنة فهو تضليل كافٍ؛ فهو الوسيلة التربوية الأسهل في ترسيخ كل سلوك صحيح، بوجود جنة واسعٌ يحتويها السماء والأرض ورضا الله ورؤية وجهه لم تعد تحتاج جداول وملصقات.
ثم تقدير الذات، العنصر المثير للاهتمام لأخصائيي وسائل التواصل الاجتماعي الذين يجذبون به أبناء هذا الجيل المبحوثون عنه هنا وهناك ولا يجدونه.
حتى يصل إليهم قوله تعالى: “ولقد كرمنا بني آدم” ]الإسراء:٧٠[ التقدير الذي منح الله به الإنسان، ثم “قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ۗ إنما يتذكر أولو الألباب” ]الزمر:٩[ التقدير الذي منح الله به أهل العلم، “يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات” (المجادلة:١١) وبهذا يتزايد تقدير الذات عند طفلنا مع زيادة وعيه.
ولو توقفت هنا في سرد أهمية الدين في التربية، وتأكدت من الرد على سؤال بعضنا الأخير، فإني أتوقع السؤال الذي يليه: متى نبدأ بالتربية على الدين “التربية الدينية”؟
غالبًا ما يعتقد الأهل أن بداية تعليم الدين تبدأ مع بداية كلام الطفل وحديثه، ولذلك يستحضرون له اسم الله ويعلمونه آيات من كتابه، وهذه خطوات لطيفة ولكنها ليست الأساسية. فمن تعاليم ديننا أن يؤذن في أذن الطفل منذ ولادته الأولى ليبدأ حياته مسلمًا بحماية الله وحفظه، وبالتالي ليس الخطوة الأولى أهمية كبيرة.
ويقول صلى الله عليه وسلم: “اتبع فخر دينك..” كما يقول نبينا عليه الصلاة والسلام: “إذا جاءكم من ترضون دينه وسلوكه فزوجوه” وبالتالي اختيار الشريك التربوي والأبوي لا بد منه لزرع الدين في أبنائنا، لكنها مجرد الخطوة الثانوية.
نحن الخطوة الأولى، تربيتنا لأنفسنا ووعينا بالالتزام وفهمنا لأخطائنا وتدبرنا لأخطاءنا وتوبتنا وتفكيرنا فيما نود تركه وما نود تجنبه لأبنائنا، هي الخطوة الأولى التي يجب تبعها بالأمومة والأبوية، لنكون مهيأين لدور رعوي مسؤول عن أبنائنا لذا فإن فصل الدين عن التربية يعني الابتعاد عن ذاتنا التي نشأنا وعملنا على تطويرها، فالدين هو تربية لنا والتربية هي تطبيق لديننا.